مقالات وآراء

دلالات اتفاق طهران وواشنطن على تبادل السجناء واستعادة إيران أموالها

‭}‬ حسن حردان
أنجز اتفاق تبادل السجناء بين واشنطن وطهران، والذي تضمّن الى جانب ذلك الإفراج عن ستة مليارات دولار كانت مجمّدة في كوريا الجنوبية في إطار العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من ضمن حرب الحصار الاقتصادية التي تشنّها واشنطن لمحاولة إخضاع طهران للإملاءات والشروط الأميركية بما خصّ الاتفاق النووي وقدرات إيران الصاروخية ومواقفها من قضايا الصراع في المنطقة ولا سيما دعمها لدول وقوى المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني..
البعض فسّر إنجاز الاتفاق بأنه يندرج في سياق تقدّم المفاوضات الجارية خلف الكواليس بشأن الاتفاق النووي، حتى أنّ هذا البعض ذهب حدّ القول إنّ الاتفاق قد تمّ وانّ خطوة تبادل السجناء تأتي في سياق تأكيد حسن النوايا بين الجانبين…
فيما فسر البعض الآخر اتفاق تبادل السجناء بأن ليس له علاقة بمجريات المفاوضات حول الاتفاق النووي، وانّ الموضوع لا يعدو خطوة منفصلة أملتها حاجة إدارة بايدن إلى استعادة الأميركيين الخمسة الذين سُجنوا في إيران على خلفية التجسّس، وذلك لاستخدام ذلك ورقة في الداخل الأميركي عشية بدء حملة انتخابات الرئاسة الأميركية في مطلع العام المقبل والتي يترشح فيها الرئيس جو بايدن لولادة ثانية، ويواجه خصماً قوياً هو الرئيس السابق دونالد ترامب…
بمعزل عن أيّ من وجهتي النظر هي الأكثر واقعية، فإنّ اتفاق تبادل السجناء إنما يؤكد جملة من الدلالات:
الدلالة الاولى، انّ إدارة بايدن اضطرت إلى القبول بشروط إيران لتبادل السجناء، بعد أن فشلت كلّ رهاناتها على الاضطرابات التي حصلت العام الماضي في إحداث تغيير داخل إيران لمصلحة السياسة الأميركية، ورأت أن لا جدوى من الرهان على تغيير في إيران أو تعديل موقفها من شروط الصفقة، وان حاجة بايدن إلى تعزيز موقفه في الداخل الأميركي عشية بدء حملة انتخابات الرئاسة الأميركية دفعه إلى عقد هذا الاتفاق والقبول بالشروط الإيرانية لإنجازه.
الدلالة الثانية، انّ إدارة بايدن ليس لها مصلحة بأن تعود إلى الاتفاق النووي في هذه المرحلة، لأنها بحاجة إلى كسب تأييد اللوبي الإسرائيلي في أميركا والذي يلعب دوراً مؤثراً في الانتخابات الأميركية، في حين انّ الشارع الأميركي لا يعنيه الأمر، لأن ليس له تأثير على واقعه الاقتصادي والمعيشي ولهذا فإنّ وجهة النظر التي تقول بأنّ تبادل السجناء ليس له علاقة بما يجري على ضفة الاتفاق النووي، هي الأكثر واقعية..
الدلالة الثالثة، انّ اتفاق تبادل السجناء أكد على نجاح إيران في إجبار واشنطن على التعامل بندية مع طهران، لأنّ الإدارة الأميركية باتت تدرك انّ إيران أصبحت قوة إقليمية تملك قدرات الدفاع عن نفسها وردع ايّ كلّ من أميركا وإسرائيل من الإقدام على شنّ الحرب ضدّها لتدمير برنامجها النووي والصاروخي وقدراتها والاقتصادية، في حين انّ امتلاك إيران قدرات ردعية وانضمامها الى منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس وبالتالي التوجه شرقاً مكّنها من إضعاف أهداف الحصار الاقتصادي الأميركي وكسر هذا الحصار…
الدلالة الرابعة، انّ الولايات المتحدة كدولة استعمارية تسعى إلى فرض هيمنتها على الدول، لا تفهم الا لغة القوة، والدولة الضعيفة يسهل على واشنطن إخضاعها، اما الدولة القوية التي تعرف كيف تبني وتعزز عوامل قوتها للدفاع عن استقلالها، مثل إيران، فإنها قادرة على ردع أميركا ومنعها من فرض هيمنتها.. وهذا درس يجب أن تستفيد منه كلّ الدول التي تتعرّض للضغوط الأميركية التي تستهدف إجبارها على الاستسلام للإملاءات الأميركية وبالتالي الخضوع لهيمنة الولايات المتحدة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى