مقالات وآراء

المجاعة في أفريقيا و«المساعدات» الأوروبية «من زيتو قلّيلو»…

‭}‬ سارة طالب السهيل
تعاني الشعوب الأفريقية من الفقر الذي يصل الى حدّ الجوع، على الرغم من انّ القارة السمراء (الخضراء) غنية الى حدّ «التخمة» بالموارد الطبيعية من نفط وغاز طبيعي ومعادن فضلاً عن المياه والأراضي الصالحة للزراعة والغابات والحياة البرية والثروة الحيوانية.
مشاعر الحزن والألم تعتصر قلبي كلما رأيت طفلاً في أفريقيا بلا أكل وبلا ماء نظيف وبجسد نحيل جداً وكلّ سعادته اذا قُدّمت له قطعة خبز! هذا المشهد المحزن والمؤلم يذكرني بالمبذرين الذين يرمون الطعام متناسين معاناة ووجوه الأطفال الأفارقة المساكين، وبالذين سرقوا ولا يزالون ثروات هذه البلاد وهؤلاء الأطفال، وبكلّ وقاحة يرسلون لهم فتات المعونات التي هي أساساً من أموالهم وثرواتهم.
كم نتألم ونحزن للمشاهد التي تأتينا من أفريقيا حيث الأطفال الذين لا تغطي أجسادهم النحيلة سوى أسمال بالية، ووجوهم شاحبة من سوء التغذية، وكيف يتهافتون على «المعونات» البائسة التي تقدّمها لهم المؤسسات الدولية ذات العلاقة بالطفولة أو الصحة أو الغذاء .
إنّ القارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية، ولكنها فقيرة في الموارد البشرية المؤهّلة لوضع الخطط للإستفادة من تلك الموارد، حيث عملت الدول الأوروبية التي استعمرت دول هذه القارة على أن تظلّ ترزح تحت وطأة الجهل والمرض ومن ثم الفقر، حتى يتسنّى لها أن تستنزف ثرواتها، وتحوّلها الى صناعات فتضاعف من مكاسبها بينما تبقى أفريقيا تعاني الفقر والمرض والجوع.
انّ تضخم ثروات الغرب المبنية على تعب عمالة الأفارقة وثروات أرضهم يقابله فقر مدقع وشعوب تعاني من الجهل والفقر والمرض، كلّ ذلك يحصل أمام أنظار العالم الذي لا يرفّ لهم جفن، فقط نفر قليل من أبناء الغرب من ذوي القلوب الرحيمة يرفضون ذلك ويبذلون جهوداً ومحاولات لعلاج هذا الخلل ولكنه يظلّ محدود الفعل والأثر.
لقد شهدت أفريقيا العديد من موجات المجاعة في العقدين الأخيرين فقط، والمجاعة هنا تعني نقصاً حاداً في الغذاء يفضي الى موت جماعي، وأسوأ تلك المجاعات كانت مجاعة القرن الأفريقي عام 2011، ومجاعة جنوب السودان عام 2017، وبين التاريخين عدد من المجاعات المحدودة.
والمجاعة في الغالب تحدث بسبب الجفاف أو الفيضانات، وأحياناً تكون الصراعات السياسية أو المسلحة سبباً في حدوث المجاعة، وكذلك الفساد الحكومي أو فشل الأداء الحكومي.
ما هي أسباب المجاعة في أفريقيا، وما هي عواقبها، وماذا عن الاستجابات الدولية. وما الذي يمكن القيام به لمنع المجاعات في المستقبل في هذه القارة المنهوبة؟
هناك العديد من الأسباب التي تساهم في الفقر في أفريقيا، ومنها على سبيل المثال:
ـ النزاعات المسلحة حيث شهدت أفريقيا العديد من النزاعات المسلحة على مرّ السنين، والتي أدّت إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد السكان، وإعاقة التنمية الاقتصادية.
ـ سوء الأداء الحكومي حيث تعاني العديد من البلدان الأفريقية من سوء الأداء الحكومي، والفساد المستشري في الجهاز الإداري الحكومي، وعدم الاستقرار السياسي، فضلاً عن الديون التي تثقل كاهل الحكومات وهذا يجعل من الصعب عليها تحديث البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية لشعبها، مثل التعليم والرعاية الصحية.
ـ أزمة المناخ التي تتهدّد العالم، وتطال القارة الأفريقية بشكل أكثر عنفاً، حيث تؤدّي الى اتساع مساحات الجفاف، والفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر. وهذا يهدّد سبل عيش الملايين من الأفارقة، ويزيد من خطر المجاعة.
ـ ارتفاع معدلات النمو السكاني بدرجة لا تتناسب مع النمو الاقتصادي السريع، ما يؤدّي الى الضغط على الموارد الطبيعية، ويجعل من الصعب على الحكومات توفير الخدمات الأساسية لشعبها.
إنّ القضاء على الفقر في أفريقيا معضلة كبيرة تتطلب معالجة الأسباب المؤدّية إليه من خلال الاستثمار في التنمية الاقتصادية، وتعزيز الحكم الرشيد، وحماية البيئة، وتمكين المرأة والشباب.
إنّ أحد الأسباب الرئيسية للفقر في أفريقيا ترجع الى أنّ العديد من الجهات التي تسرق ثروات أفريقيا، منها:
*الشركات متعددة الجنسيات التي تستغلّ العديد منها موارد القارة الأفريقية، دون أن تقوم بأيّ استثمارات في القارة أو تطوير البنية التحتية، فعلى سبيل المثال، تدفع شركة شلّ أقلّ من 1% من عائداتها من النفط النيجيري إلى الحكومة النيجيرية.
*الفساد المستشري بين النخب الحاكمة في أفريقيا غالباً ما يسمح للشركات متعددة الجنسيات باستغلال موارد القارة دون مقابل للدولة، وفي هذا كشفت «ويكيليكس» عن وثائق تُظهر أنّ شركة «توتال» الفرنسية دفعت رشاوى في عام 2010، لمسؤولين نيجيريين للحصول على عقود نفطية ضخمة .
ويمكن رصد بعض الشركات المتعددة الجنسية التي تسيطر على سلسلة التوريد العالمية، حيث أنها تحتكر تجارة البن والشوكولاتة في أفريقيا، ما يجعل منها المستفيد الأكبر بل ربما الأوحد.
*شركة «نستله»: أكبر شركة أغذية في العالم، وأكبر مشتر للكاكاو. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.
*كوكاكولا: أكبر شركة مشروبات في العالم، وأحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.
*بيبسيكو: ثاني أكبر شركة مشروبات في العالم، وهي أيضاً أحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.
*مارس: أكبر شركة حلويات في العالم، وهي أيضاً أحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.
*مونديليز إنترناشونال: ثاني أكبر شركة حلويات في العالم، وهي أيضاً أحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.
هذه الشركات تحقق أرباحاً طائلة من تجارة البن والشوكولاتة، بينما لا يستفيد المزارعون الأفارقة إلا بالنذر القليل، غالباً ما يعيش مزارعو الكاكاو والبن في فقر مدقع، ولا يحصلون على أجور عادلة مقابل عملهم.
هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان حصول المزارعين الأفارقة على حصة عادلة من تجارة البن والشوكولاتة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة الشفافية في سلسلة التوريد، ودفع أجور عادلة للمزارعين، ودعم الزراعة المستدامة.
استغلت فرنسا موارد أفريقيا الطبيعية خلال فترة الاستعمار. وقد أدّى هذا إلى إفقار العديد من البلدان الأفريقية وإعاقتها عن تحقيق التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، استغلت فرنسا مناجم الذهب والماس في الكونغو البلجيكية، مما أدّى إلى مقتل وإصابة الملايين من العمال الأفارقة. كما استغلت فرنسا الأراضي الزراعية الخصبة في شمال أفريقيا لإنتاج المحاصيل للتصدير، مما أدّى إلى إفقار المزارعين الأفارقة.
إنّ الدول الأفريقية تمتلك موارد اقتصادية هائلة، وبالرغم من ذلك فإنّ معظمها يعتمد في إدارة اقتصاده على المساعدات والمنح الأجنبية.
والمثير للدهشة أنه رغم حصول بعض هذه الدول على مساعدات دولية بلغت عدة مليارات، إلا أنها لم توظفها في إقامة بنية اقتصادية، واختار حكامها استمرار التبعية الاقتصادية للمستعمر بالرغم من تحررها منذ ما يقرب من نصف قرن.
وبالرغم مما تملكه من موارد طبيعية تجعلها من أغنى قارات العالم، إلا أنها فشلت في إقامة بينة تحتية لمشروعاتها الاقتصادية، ومن ثم ظلت عاجزة عن توصيل سلعها الغذائية إلى الأسواق العالمية وتحقيق المنافسة، مما ساهم بعدم الاستقرار السياسي والأمني الناتجة عن النزاعات العرقية والدينية، والحروب الأهلية.
إنّ القارة السمراء تمتلك من الموارد الطبيعية؛ ما يجعلها أقدر على المنافسة العالمية، حيث تشكل مواردها نحو 33% من إجمالي الموارد في العالم، وهي منتج رئيسي لأكثر من 70% من المعادن الصناعية كاليورانيوم المستخدم في إنتاج الطاقة النووية، وكذلك البلاتين والنيكل والمغناطيس والعملات المعدنية والبطاريات القابلة لإعادة الشحن وخام الألمنيوم والكوبالت.
تستأثر القارة الأفريقية بربع الإنتاج العالمي من الذهب والأحجار الكريمة كالألماس النفط والغاز والفحم والقطن والكاكاو والغاز والكولتان وغيرها، ورغم ذلك، فإنّ شعوبها تعيش في فقر مدقع، بفعل عوامل عديدة منها النهب المنظم للثروات الذي تمارسة الدولة الاستعمارية وشركاتها المتعددة الجنسية، فضلاً عن الفساد المستشري في النخب الحاكمة، والأنشطة الاقتصادية الهشة التي تفتقر إلى بيئة آمنة للعمال.
ولم يسمح تدني الأجور، وانخفاض إنتاجية العمال الفقراء بما فيهم العاملون في المزارع الصغيرة والاقتصاد غير المنظم، بتحقيق فائض يسمح بالادّخار والاستثمار المحلي.
ومن المثير للأسى، أنّ كلّ الكنوز الطبيعية في القارة السمراء لا يستفيد منها سوى الشركات الأجنبية التي تقوم بالتعدين، وتستغل هذه الموارد بما فيها الأيدي العاملة الرخيصة، وما تدفعه هذه الشركات الأجنبية من رسوم التعدين يذهب إلى جيوب أقلية من المسؤولين المنتفعين، وليس الى الشعب الجائع.
والتقارير الموثقة تكشف عن أنّ المساعدات الخارجية ساهمت بشكل كبير في انتشار الفساد، لأنّ هذه المساعدات تحوّل إلى الحكومات الأمر الذي جعل الصراع على السلطة مستمراً للفوز بكعكة هذه المساعدات، وأصبحت هذه المساعدات سبباً رئيسياً للحروب الأهلية والصراعات السياسية.
وكذلك المساعدات الإغاثية الدولية التي تقدّم في فترات الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل وحروب أهلية لا يستفيد منها المواطن الأفريقي إلا بالنذر اليسير، حيث تبدد معظم أموال المساعدات الإغاثية، ووفق بعض التقديرات، فإنّ كلّ 13 دولاراً يتمّ جمعها في الخارج لا يصل منها سوى دولار واحد فقط إلى أفريقيا، وذلك بسبب ارتفاع رواتب العاملين في ميدان المساعدات، كما أنّ معدات وأدوات الإغاثة يتمّ شراؤها من الغرب.
هكذا فإنّ المساعدات والمنح الأجنبية للقارة الأفريقية صارت عبئاً على كاهل سكانها الجوعى، ولا سبيل لإستعادة هذه القارة لعافيتها الاقتصادية وتحقيق التنمية بمعزل عن التحرر من «أفيون المساعدات الخارجية.
فقد آن الأوان أن تستفيق شعوب القارة، وتدفع حكامها لتغيير سياساتهم الاقتصادية بمنع تصدير المواد الخام والبحث عن مصادر لتمويل مشروعات وطنية توظف هذه الموارد وطنياً وتصديرها للخارج، بما يخلق فرص عمل وطنية، وإنْ كان للدول الكبرى من فرص لتقديم المساعدة، فيجب أن تقتصر على تقديم العون الفني والتقني، وتدريب العمالة الأفريقية على أنماط صناعية يحتاجها السوق العالمي. ويمكن للمؤسسات الدولية مساعدة دول القارة في إدخال التقنية، وتطوير السياسات التعليمية الخاصة بالتدريب المهني للشباب العاطل عن العمل.
ويمكن للدول العربية النفطية المساهمة، في تحقيق التنمية الاقتصادية في أفريقيا عبر الشراكة الاقتصادية في التوسع الزراعي وتطوير الصناعة، والمساهمة أيضاً في إقامة البنية التحتية من طرق ونقل لتعضيد أيّ مشروعات صناعية يمكن تنفيذها بالشراكة الوطنية مع أبناء دول القارة السمراء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى