أولى

مصر أم العرب وأم الدنيا

– ليس هناك ما يُخيف أميركا وكيان الاحتلال، أكثر من الشعور بالقلق تجاه حركة الشارع في مصر والأردن والمغرب. وبالرغم من الأهمية الاستراتيجية للمغرب كركن في السياسات الأميركية وشريك رئيسيّ في مشروع التطبيع، وبوابة على الأطلسي وعنصر الربط الثلاثي العربي الأوروبي والأفريقي والأوروبي، إلا أن أهمية الأردن ومصر تتقدّم نظراً للاتصال الجغرافي بينهما وبين الجغرافيا الفلسطينية، وبين الأردن ومصر، رغم تقدّم الخصوصية الفلسطينية في الأردن وطول الجبهة، اللذين يمنحان الأردن مكانة مميزة في نظرية الأمن الصهيوني، الا ان مصر تبقى شيئاً آخر.
– مصر هي أكبر الدول العربية، وهي الدولة التي انطلقت منها أهم حركة قومية عربية في التاريخ العربي مع جمال عبد الناصر، وهي الدولة التي يلعب جيشها دوراً محورياً في سياستها الخارجية ورسم معادلات أمنها القومي، منذ ثورة جمال عبد الناصر، وهو الجيش الذي تسبّب بأكبر كارثة استراتيجية لجيش الاحتلال عبر دوره المميز في حرب تشرين 1973، فهو جيش العبور وجيش تحطيم أسطورة خط بارليف، والشارع المصري يبقى لغزاً لا يحكمه قانون، وتبدو فلسطين في كل محطة فاصلة كلمة السرّ في هذا الشارع.
– عام 2000 مع اندلاع انتفاضة الأقصى، خرج الشارع المصري، وكتبت غونداليزا رايس التي لم تكن قد تسلّمت أي منصب رسميّ بعد، وكانت أستاذة جامعية تكتب مقالاتها وتنشرها في صحيفة الواشنطن بوست، فقالت إن دخول ارئيل شارون الى المسجد الأقصى أحبط عقوداً من الجهد الأميركي الذي أنفقت فيه أموال وخطط وجهود، لإلغاء الهوية العربية، وترسيخ مفهوم الهويات التحت عربية، مصري وتونسي ولبناني وسوري، لا يربطهم شيء. وبذلت في هذا السياق قدرات وجهود وإمكانات لإلغاء نظرية فلسطين القضية المركزية لكل العرب، وجاء اقتحام شارون يومها ليذكّر المصريين أنهم عرب وأن فلسطين لا تزال قضيتهم المركزية، وختمت تقول إن شبان وشابات المدارس المتوسطة والثانوية، هم الجيل الذي كانت تستهدفه السياسات والخطط الأميركية، وهم الذين بقوا حتى ساعات الفجر على شاطئ الاسكندرية وضفاف النيل، لم يفعلوا ذلك لتنشّق الهواء الطلق، بل ليقولوا لنا إن محور الاعتدال الذي نبنيه قد سقط.
– اليوم ومع مشهد ميدان التحرير في القاهرة، وعشرات آلاف المصريين يخرجون في كل أنحاء مصر، ويدوّي بينهم هتاف مناشدة السيد حسن نصرالله كي يقصف تل أبيب، يقيم الأميركيون والإسرائيليون ألف حساب لعواقب أفعالهم، وخطورة الموقف، فما يحسبونه من اليوم وصاعداً لن يأخذ في الاعتبار كيف يمكن محو ربح معركة غزة فقط، بل كيف لا تنتج عنه خسارة معركة مصر، وليس كيف يمكن كسر إرادة المقاومة في غزة فقط، بل كيف لا تتحوّل معركة غزة مدخلاً لتجذر ثقافة المقاومة في مصر، كيف لا تصبح المقاومة هي الأمل. وقد أصبحت.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى