أولى

«طوفان الأقصى» وتوسيع الجبهات حتى أريتريا…

‭}‬ د. جمال زهران*
في قراءة لآخر التطورات في عملية «طوفان الأقصى»، التي يراها السطحيون في التحليل السياسي، أنها مجرد عملية عسكرية، ردعية للكيان الصهيوني، سرعان ما ستنتهي إلى توافقات كما حدث في العمليات السابقة على مدار السنوات الثلاث الماضية، قرأنا وشاهدنا وتابعنا هجوماً بالصواريخ العربية، الأغلب أنها من الساحة اليمنية المقاومة، على قاعدة عسكرية تابعة للكيان الصهيوني، هي قاعدة «دهلك»، على الأرض الأريترية، المطلة على البحر الأحمر. وأعلن أيضاً عن إحداث أضرار كبيرة ومقتل ضابط كبير من الكيان الصهيوني.
وبعيداً عن حجم الخسائر سواء أكانت محدودة أم كبيرة، فإن هذا الفعل يستحقّ التحليل العميق، وربطه بتطورات وتفاعلات عملية «طوفان الأقصى»، وما إذا كان هذا الحدث ستكون له متابعات، أم سيكون أو سيظلّ مجرد حدث عارض وعابر، غير قابل للتكرار؟ وما علاقة هذا الحدث بفكرة أو سيناريو توسيع الحرب الجارية بين المقاومة ومحورها، وبين الكيان الصهيوني وداعميه؟
ولمن لا يعرف أي تفاصيل عن قاعدة «دهلك» العسكرية، فهي مركز تحت سيطرة قوات العدو الصهيوني، التي تتخذ منها مركزاً لمراقبة البحر الأحمر، وتقع هذه القاعدة العسكرية، وهي الأكبر خارج الكيان، على أعلى جبل في اريتريا، ويُسمى «إمبا سويرا»، وخارج العاصمة «أسمرة»، وتضمّ عشرات الطائرات المقاتلة من مختلف الأنواع. وتستخدم القاعدة في مراقبة أنشطة وحركات الدول المناهضة للمشاريع الصهيونية في الجزء الجنوبي من البحر الأحمر، وخاصة حركة ملاحتها. وقد مكنت هذه القاعدة، الكيان الصهيوني، من قبل، من مراقبة تهريب الأسلحة في السودان لصالح «حماس»، كما تعتبر قاعدة عسكرية أمامية، لمراقبة التحركات الإيرانية في المنطقة. كما تمكن هذه القاعدة الاستراتيجية، العدو الصهيوني، من إحداث اختراق للأمن القومي العربي، وإنشاء مراكز رصد وتجسّس على الدول العربية المجاورة، والدول الإقليمية المنافسة، مثل تركيا وإيران، ومكافحة أنشطة تهريب السلاح، إلى فلسطين المحتلة وفصائل المقاومة على وجه الخصوص، ومن المعروف أنّ أريتريا تمتلك (126) جزيرة، تمتدّ على طول ساحلها المطلّ على البحر الأحمر، وعمدت إلى تأجير بعضها للكيان الصهيوني، خاصة جزر «أرخبيل دهلك»، حيث استأجر الكيان الصهيوني ثلاثاً منها، هي: «ديسي، ودهول، وشومي».
ومن المعروف أنّ جميع الدول العربية هي المطلة على البحر الأحمر، باستثناء اريتريا، التي تحررت وانفصلت عن إثيوبيا، خلال التسعينيات، ورفضت الانضمام لجامعة الدول العربية، رغم أنّ اللغة العربية هي اللغة الرسمية ويتحدث بها 90%، وحتى رئيسها أسياس أفورقي، يتحدث العربية بطلاقة، وحدث أن التقيت به في أكثر من لقاء وحاورته في ذلك، في القاهرة، وذلك تحت ضغوط أميركية وصهيونية، حتى لا يصبح البحر الأحمر، بحراً عربياً مغلقاً، ولحماية أمن الكيان الصهيوني، بل وتظلّ اريتريا شوكة في ظهر العرب وأمنهم القومي، وهو الذي يحدث الآن، حيث ظهرت تداعياتها بتفجّر عملية «طوفان الأقصى».
ولذلك، لا أدري لماذا صمتت الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، عن الوجود الصهيوني العسكري، على مقربة من حدودها، رغم تهديد ذلك للأمن القومي العربي، وأمن كل دولة على حدة؟!
إذن: ما هو تفسير ما حدث من هجوم عسكري على هذه القاعدة، من أراضٍ مجاورة، الأرجح أنها من اليمن المقاومة، التي سبق أن أطلقت صاروخاً على بارجة أميركية في البحر الأحمر، وتمّ تدميرها وسط تكتم أميركي وصهيوني على ذلك؟ كما أنّ هذه الواقعة هي الثانية، الأمر الذي يكشف عن عمق عملية «طوفان الأقصى»، وتداعياتها.
فمع ازدياد العدوان الإجرامي للكيان الصهيوني على شعب غزة، الذي راح ضحيته مع نهاية الأسبوع الثالث منذ إطلاق عملية «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر الماضي، أكثر من (7) آلاف شهيد، وما يقرب من (20) ألف مصاب، وكذلك مع التهديد الصهيوني المدعوم أميركياً وأوروبياً، بالغزو البري، لإجبار أهل غزة على الرحيل القسري، نحو الجنوب، ثم إلى مصر، طبقاً لما هو مخطط لتوطين هؤلاء في رفح والعريش، حسبما يتقولون على مصر وشعبها، وسط رفض شعبي ورسمي لذلك، وبذلك تنتهي القضية الفلسطينية للأبد، وفي ظلّ ذلك كله، فإنّ التساؤلات والمطالبات الشعبية في أنحاء الوطن العربي، حول ضرورة توسيع الجبهات حول الكيان الصهيوني، لإيقاع الانهيار الكامل له.
ولذلك، عندما تأتي عملية الهجوم العسكري من المقاومة، على قاعدة «دهلك» الصهيونية في اريتريا، فإنها تأتي في إطار استراتيجية توسيع الجبهات حول الكيان الصهيوني، وتشتيت قواته ومكوّنات جيشه العسكرية، وتشتيت الدول الداعمة لهذا الكيان وفي المقدمة، أميركا، ورئيسها بايدن الكاذب والمخادع، وبمشاركة بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، وهم المعبّرون عن الاستعمار القديم في صورته الحديثة، لحماية مشروعهم الاستعماري المتمثل في الكيان الصهيوني، المعادي للمنطقة العربية والشرق الأوسط بكامله.
لقد آن الأوان، أن تفتح الجبهات العربية بشكل مكثف وفي وقت واحد، في جنوب لبنان، وفي سورية (هضبة الجولان)، وفي الأردن، وفي العراق، وفي اليمن، وربما غداً تفتح في الأردن ومصر، لإلحاق الهزيمة الكبرى بالكيان الصهيوني الذي يعتمد في استراتيجيته على التركيز على الجبهة الواحدة لكي يستطيع الانتصار، وآن الأوان لتشتيت هذا العدو، على عدة جبهات وبصورة قوية، لتحقيق الانتصار الكبير، وهلاك هذا الكيان، الذي هو أوهن من بيت العنكبوت، كما قال سيد المقاومة (السيد حسن نصر الله).
وختاماً: لقد حان موعد نصرة المقاومة الفلسطينية العربية، وهزيمة الكيان الصهيوني حتى انهياره ورحيله، وغداً سنرى…

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس ـ جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى