أولى

المجرمون الصهاينة لن يفلتوا من عقاب الجنائية الدولية

جمال زهران

يتصوّر البعض أنّ القوة تحول دون المساءلة والمحاكمة، بل والعقاب بأقصى الدرجات حتى السجن والإعدام، إلا أنّ ذلك يحمل الكثير من المغالطات. فقد تكون القوة حائلاً دون المساءلة فعلاً، ويكون ذلك لافتاً للنظر، ويكشف عن الازدواجية في المجتمع الدولي، حيث يحاسب البعض دون آخرين، إلا أنّ ذلك هو وضع مؤقت.
في الوقت نفسه، فإنّ المساءلة في النظام الدولي، هي محلّ نظر وجدل، حيث أنها تخضع لمواءمات وظروف، والسمات التي يتصف بها هذا النظام الدولي أو ذاك. ولكن يبقى القانون الدولي وقواعده العامة، ضميراً إنسانياً للمجتمع، وقيمة معنوية لا يُستهان بها، حيث تُصنع معه الصورة الإيجابية للالتزام من جانب بعض الدول وخاصة الكبرى، أو تصنع معه الصورة السلبية التي تجسّد حالة عدم الالتزام والخروج عن القواعد التي صاغها المجتمع الدولي في تطوراته خلال الحقب التاريخية المختلفة. ومن يرى أنّ القانون الدولي بلا قيمة، حاسماً الأمر لصالح القوة وغطرسة استخدامها، فهو يحاول أن يشيع فكرة ضرب القانون الدولي والتحلل من الالتزام بقواعده، والإصرار على الخروج عليها، وانتهاكها، والتهرّب من مسؤولياتها، خصوصاً المساءلة والعقاب. والصحيح أيضاً أنّ القوة هي صاحبة الحسم في إدارة المجتمع الدولي، إلا أننا مع ذلك، لا نستطيع أن نسلم بانعدام القانون الدولي والمسؤولية الدولية لكلّ من يخرج عن هذا القانون، بل يمكن القول إنّ كفة القوة ترجح، إلا أنّ القانون الدولي يظلّ مرجعية وضميراً ومعنويات، حتى لو كانت قوته محدودة، خصوصاً مع «الكبار» من أعضاء النظام الدولي.
وبالتطبيق على ما جرى من يوم 7 أكتوبر وعملية «طوفان الأقصى»، فهي عمل شرعي، تقره القوانين الدولية والشرعية الدولية، التي تعطي الحق للشعوب المحتلة في القيام بأعمال فدائية للتحرر من الاستعمار. ولا يسأل الشعب، وقياداته، عما يتصرف به من وسائل المقاومة بما فيها استخدام القوة المسلحة، ضدّ المحتلّ والغازي والمغتصب. وفي المقابل تسقط دعاوى الدول المستعمرة، في أنها تدافع عن نفسها، في مقابل ما يستخدمه المحتلون من وسائل لتحرير بلادهم، وأنه على القوة المستعمرة أن تلتزم بقواعد قانون الحروب، التي تحرّم ضرب المدنيين، وضرب المستشفيات والمدارس، وتجريم ضرب الأطفال والنساء، والشيوخ من كبار السن، كما أنّ هذه القواعد تمنع المحتل من التعسّف في استخدام آلية الاعتقال والسجن لأصحاب البلد المقاومين لتحرير بلادهم. فهذا إذن، هو القانون الدولي، المرجعية في الحكم على الوقائع.
فالعدو الصهيوني، بدلاً من الردّ والمواجهة مع المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد وبقية الفصائل)، فإنها لجأت لسياسات الاستخدام المفرط للقوة، بقتل عمدي وممنهج للمدنيين، عقاباً للمقاومة وللشعب، وتنفيذاً لمؤامرة إجبار شعب غزة على الرحيل والخروج القسري من الأرض، إلى مشروعات تآمرية، بمساندة أميركا ودول أوروبا الاستعمارية! بل أوغل الكيان الصهيوني في تدمير المستشفيات، وخرجت أكثر من النصف منها، من الخدمة تماماً، وتدمير المدارس، وتدمير المخابز، وقتل الأطفال عمداً والسيدات (أكثر من 70% من إجمالي الشهداء والمصابين)! وهذه كلها جرائم حرب موثقة، ستتمّ المحاسبة عليها. فقد بلغ عدد الشهداء أكثر من (12500) مواطن فلسطيني، وأكثر من (30) ألف جريح، بخلاف ضرب سيارات الإسعاف، وقتل الأطباء، ومنظمات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، دون مراعاة لأيّ قاعدة من قواعد الحرب والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة!!
إذن ما الذي يجب عمله مع هذا العدو الصهيوني، المدعوم من الولايات المتحدة، وهي في مقدمة الدول الكبرى، ورئيسها بايدن الذي أتى مسرعاً لزيارة الكيان، ودفع بالبارجات الأميركية وحاملات الطائرات، للتخويف والردع والإرهاب من الحيلولة دون النيل من هذا الكيان، وهو الذي يمثل مشروعهم الاستعماري، للسيطرة على الإقليم، أو التفكير في القضاء عليه وإزالته؟!
وقد لاحظت مبادرة من فريق محامين دولي بقيادة أحد المحامين الكبار في فرنسا، ومكوّن من (300) محام، قاموا بتوثيق جرائم هذا الكيان المخالفة للقانون الدولي وخاصة قانون الحروب، لتقديم دعوى قضائية أمام محكمة الجنايات الدولية، ضدّ الكيان الصهيوني وقادة حكومته وفي المقدمة (النتن – ياهو – غالنتس – غفير) ووزير دفاع الكيان والقادة العسكريين، وغيرهم. ولا شك في أنّ هذه مبادرة طيبة تدعم القضية الفلسطينية، ولا يحول دون رفعها، أنّ الكيان الصهيوني ليس عضواً في محكمة الجنايات الدولية، وأيضاً أميركا، ودول أوروبية استعمارية أخرى. كما أنّ ذلك يؤكد حجم التعاطف والتأييد العالمي للشعب الفلسطيني وقضيته.
إلا أنّ المسؤولية الكبرى تقع على أساتذة العلاقات الدولية والقانون الدولي، على المستوى العربي، بتقديم دعاوى أخرى، ضدّ الكيان الصهيوني، وأميركا، عما اقترفوه ضدّ الشعب الفلسطيني، والإصرار على حصاره وتجويعه وإجباره على التهجير القسري، نتيجة الإبادة الجماعية، وحالة الذعر الذي خلقها العدو الصهيوني. ولا شك في أنّ هناك أساتذة كباراً في عالمنا العربي في القانون الدولي، يستطيعون المبادرة، وأعلم أنّ هناك مبادرات تتمّ حالياً على المستوى العربي (مصر – تونس – لبنان إلخ…) أدعو للإسراع فيها.
وفي آخر مؤتمر للقمة العربية الإسلامية انعقد في الرياض، في 11 نوفمبر (تشرين ثانٍ) الحالي، نص في قراراته على ضرورة محاكمة المجرمين على أفعالهم الإجرامية، وهذا يستدعى مبادرة عدد من الدول العربية والإسلامية الأعضاء في المحكمة، بتقديم دعوى لمحاسبة الكيان الصهيوني وقياداته وأميركا الداعمة. ومن بين الدول العربية الأعضاء (تونس/ الأردن/ جيبوتي/ جزر القمر/ مصر) وغيرها، خاصة أنّ المحكمة الجنائية تضمّ (130) دولة حتى الآن، ولا تجب الاستهانة بذلك. وقد وصلنا تقديم جنوب أفريقيا، ودول أفريقية أخرى أنها قدمت طلباً بمحاكمة المجرمين في الكيان الصهيوني.
وختاماً، أرى أنّ توثيق جرائم الكيان الصهيوني ومن يدعمه في المقدمة بايدن (الرئيس الأميركي)، وتقديم دعاوى لمحاكمتهم ومحاسبتهم، هي مسؤولية سياسية، ومسؤولية المثقفين القوميين من فقهاء القانون الدولي العربي، وهم كثر.
كما أنّ ذلك ضرورة كبرى، إلى جانب استمرار المقاومة بالقوة المسلحة والصمود الشعبي، وهو طريق النصر بإذن الله.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – جمهورية مصر العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى