نقاط على الحروف

هل تسرّع خان يونس نزول الكيان عن الشجرة؟

ناصر قنديل

– تتواصل التداعيات الناجمة عن عملية خان يونس التي لم يتضح بعد حجم الخسائر التي لحقت بجيش الاحتلال بنتيجتها، والتي تقول الرواية الفلسطينية إن المشاركة بالرواية الإسرائيلية التي تقول إن المتفجرات التي تم وضعها في المباني التي تفجّرت بجنود الاحتلال وضباطه عائدة لجيش الاحتلال، تسهم بتقديم صورة الجيش المتهالك والفاشل، ولو على حساب صورة البطولة والمهارة التي تستحقها المقاومة التي قامت بتفخيخ المباني الثلاثة ونصبت كميناً للجيش الذي أراد نشر كتيبة من قوات الاحتياط في هذه المباني، سقط ضباطها وجنودها بين قتيل وجريح، وهم بالمئات.
– لا يمكن تجاهل تأثير العملية بحجم خسائرها من جهة، وما تحمله من مؤشرات على تراجع كفاءة وحيوية أداء جيش الاحتلال من جهة مقابلة، سواء بفعل التعب والإرهاق أو كنتيجة للاعتماد على ألوية الاحتياط كبديل لألوية النخبة التي فقدت قوامها البشري القادر على مواصلة القتال، وتمّ سحبها من الميدان. والتأثير له وجهة واحدة، هي الضغط لإنهاء الحرب التي فشلت في تحقيق الأهداف التي اجتمع عليها قادة الكيان على اختلافهم، وجيشه قيادة وضباطاً وجنوداً، ومكوّنات الرأي العام فيه يساراً يميناً، وعلمانية ودينية، معتدلة ومتطرفة، وهي الانتقام من غزة ومقاومتها، ومسحهما عن وجه الأرض. وبات واضحاً أن إنهاء المقاومة في غزة مستحيل واستعادة الأسرى بالقوة أشدّ استحالة، وأن الخيارات تضيق بين قبول إنهاء الحرب ضمن صفقة يتم تبادل الأسرى فيها، وتجرّع كأس الهزيمة المرة، ولو اقتضى الأمر محاولة تخفيفها بربطها بتغييرات سياسية داخلية تحت عنوان المحاسبة، أو التأقلم مع حرب استنزاف لا نهاية لها، تحمل المزيد من الأخبار التي تزداد سوءاً من جبهات القتال جنوباً وشمالاً، وتزايد أعداد المهجرين الذين لا يستطيعون العودة الى منازلهم، والطلاب الذين لا يمكنهم العودة الى مدارسهم وجامعاتهم، والخسائر الاقتصادية المتفاقمة مع الاعتماد على قوات الاحتياط في القتال، وهجرة الرساميل، وتزايد أرقام الهجرة المعاكسة، والعزلة المتصاعدة دولياً، وكلها خطوط انحدار الى قعر يصعب تخيّل التأقلم مع بلوغه.
– بالرغم من خلافات أركان الكيان المعلنة، يبدو التلاقي على خطاب الحرب واضحاً بين أعضاء مجلس الحرب وقادة الجيش، باستثناء غادي أيزنكوت رئيس الأركان السابق الذي خسر نجله البكر في حرب غزة، والذي يحذر من فشل كبير مع استمرار الحرب، ويدعو لوقفها والذهاب إلى صفقة تبادل وانتخابات مبكرة لإعادة ترتيب البيت الداخلي ومعالجة الثغرات التي تسببت بالفشل. وخطاب الحرب يعني التمسك بشعار إنهاء حماس وقوى المقاومة ورفض ربط تبادل الأسرى بإعلان وقفها من جهة، والتهديد بالحرب على جبهة الشمال، مع التمسّك بإبعاد مقاتلي المقاومة الى ما وراء الليطاني كشرط لتفادي هذه الحرب، وهذه العناوين العالية السقوف والمستحيلة التحقيق، تبدو عرضة لإعادة نظر وراء الكواليس، بدأت تتسرّب مفرداتها علناً ولو بصيغة التهريب والتسلل.
– بدأ مصطلح اعتبار جنوب لبنان منطقة حرب يحلّ في خطاب قادة الكيان مكان الحديث عن حرب على لبنان، والتهديد بجعل بيروت غزة أخرى. وهذا يعني أن الكيان يرتب أوضاعه في حال عدم الوصول إلى صيغة أمنية تتيح إعادة مهجري الشمال محورها توسيع نطاق المواجهة دون بلوغ الحرب الشاملة التي تتجاوز حدود الجنوب، وهي صيغة تتضمن ضمناً التهديد بتهجير مليون جنوبي مقابل تهجير ربع مليون مستوطن من الشمال، ووضع المقاومة في الجنوب أمام تحدّي اتخاذ الخطوة التالية، وتحمل مسؤولية الذهاب الى الحرب الشاملة. وهذا لا يعني أن المقاومة لا تملك رداً تحت سقف عدم الذهاب الى الحرب يزيد من آلام الكيان، مثل معادلة حيفا مقابل صور والنبطية، تهجير مقابل تهجير، وتدمير مقابل تدمير، لكن القصد من الإشارة هو بدء البحث عن حلول للمشاكل تحت سقف التسليم بلا جدوى العناد عند مفردات يدرك قادة الكيان أنها فوق طاقتهم.
– بدأ في واشنطن الحديث عن شعار ضمان عدم تكرار ما جرى في 7 تشرين الأول، يحل مكان الحديث عن القضاء على حماس، والقول إن فكرة القضاء على حماس غير واقعية، بينما لا يزال الكلام الإسرائيلي عن النصر هو السائد، مع جمع الشعارين، القضاء على حماس وضمان عدم تكرار طوفان الأقصى. وهنا يبدو لافتاً ما نقل عن لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أمام عائلات الأسرى، لجهة رفضه شروط المقاومة لربط التبادل بوقف النار الكامل، لكن مع استدراك لافت بدأت تتعامل معه وسائل الإعلام الإسرائيلية. وهذا لا يحدث بدون اشارة من رئاسة الحكومة، والاستدراك يقول حرفياً، إن “نتنياهو قال إنه إذا وافق على إنهاء الحرب فيجب التوقيع على ضمانات دوليّة لا يمكن انتهاكها”. ودون معرفة المزيد من التفاصيل حول المقصود بالضمانات الدولية التي لا يمكن انتهاكها، ومن هي الجهات التي يجب أن توقع عليها، يبدو الكلام مؤشراً على بدء إدراك استحالة الاستمرار في عنق الزجاجة، واستحالة تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، والبحث عن مخارج يمكن تقديمها تحت شعار اخترعه الأميركيون ويشاركه الإسرائيليون تدريجياً، بدلاً من شعار إنهاء حماس وقوى المقاومة، وهو التحقق من أنه لن يكون بمستطاع حماس تكرار عملية طوفان الأقصى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى