قراءة في لقاء القائد الوطني الدكتور رمضان شلح مع «الميادين»
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
مع القائد الوطني الدكتور رمضان شلح «أبا عبد الله» أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين على فضائية «الميادين» الاثنين الفائت، نحن أمام قائد وطني فلسطيني بامتياز يغلّب مصالح الوطن على مصالح الفئة والحزب والتنظيم. صلب، ثابت على مواقفه ومبادئه، يوجه سهام نقده من دون تجريح أو تخوين. وفي مقابلته كان واضحاً وصريحاً وحاداً في مواقفه حيال السلطة، لكن من دون أن يطلق العنان لعواطفه ومشاعره مجرّحاً وشاتماً ومكفّراً أو مخوّناً. أوصل الفكرة والمطلوب على نحو يؤدي الغرض ويجعله مقبولاً لشعبنا الفلسطيني بأسره، مؤكداً بوضوح أن على الرئيس عباس أن يأخذ موقفاً تاريخاً في اللحظة المهمة والمصيريّة، فالذي ُيقتل هو شعبه وليس شعب بلد آخر، كما أشار الى دور السلطة المعرقل والمعيق للعمل العسكري والمقاوم في الضفة الغربية،عندما سأل عن عدم تنفيذ سرايا القدس والمقاومة عمليات عسكرية من الضفة الغربية، فقال إسالوا السلطة واللجنة التنفيذية للمنظمة، وهذه إشارة مهمة إلى أخطار التنسيق الأمني على المقاومة وفصائلها. كما شدّد على أنّ سورية كانت ولا تزال حاضنة للمقاومة، ولم يضيّع اتجاه البوصلة أو يتعامل مع الأمور بمنطق المصالح والفئوية أو قصر النظر، حين قال إن سورية باحتضانها لحماس والجهاد الإسلامي إنّما تحتضن فلسطين.
أكد شلح على أن المعركة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية غير مسبوقة، وهي الأولى في تاريخ الصراع العربي- «الإسرائيلي» لناحية استهدافها سائر مدن الاحتلال الصهيوني، وأن من يراهن على نضوب إمكانات المقاومة فهو واهن ولدى المقاومة الكثير من الإمكانات والقدرات والمفاجآت، ولن تستسلم ولن تركع، ولو فكر العدو في الغوص في مستنقع غزة، فسيدفع الثمن باهظاً. وحول التهدئة أشار الدكتور شلح إلى أنه حتى اللحظة لم تنضج الظروف لعقد تهدئة تلبي شروط المقاومة، والمقاومة والشعب الفلسطيني لن يقبلا بالعودة الى اتفاق تشرين الثاني 2012، فالثمن الباهظ الذي تدفعه المقاومة شهداء وجرحى ودماراً كبيراً يفترض أن تكون شروط قبول التهدئة بحجم الدم والتضحيات والدمار، وهو يرى أن هناك حالة من الضعف الكبير في الموقف العربي، وهذا بدوره انعكس في تشريع البعض العدوان على شعبنا، ولم تبذل أيّ جهود جدية لأجل الوصول الى وقف للعدوان على شعبنا، وتهدئة تلبي شروط المقاومة، فهناك أطراف عربية وإقليمية معنية بألاّ تنتصر المقاومة، فمن شأن ذلك تغيير المعادلات والتوازنات والتحالفات في المنطقة لتعزيز حلف المقاومة والممانعة في المنطقة وترسيخه، وفي ذلك تهديد للمشاريع والمصالح الصهيو ـ أميركية والغربية الاستعمارية في المنطقة.
وفي ما يتعلق بقبول المقاومة التهدئة، قال: إن «المقاومة لا تطلب القمر أو المستحيل، فهي تريد رفع الحصار وفتح المعابر وحرية الحركة للأفراد والبضائع». وحول الإشراف على معبر رفح، قال: إنّ الخلافات والتجاذبات والمناكفات والصراعات بين مصر وحماس من ناحية، والسلطة الفلسطينية وحماس من ناحية أخرى، هي التي تخلق الأزمة حول فتح معبر رفح والإشراف عليه. وفي هذا الصدد يرى الدكتور شلح أنه ينبغي ان توضع مصالح الشعب الفلسطيني أولوية فوق أي صراعات أو تجاذبات أو محاور وارتباطات عربية وإقليمية، في إشارة واضحة إلى حركة حماس والسلطة»، مشدّداً كذلك على أنه «بغضّ النظر عن الموقف من السيسي والنظام المصري وما يربط حماس من علاقة تنظيمية وإيديولوجية بحركة «الإخوان المسلمين»، فإن لمصر دوراً محورياً في أي تهدئة مقبلة، ليس لجهة الجغرافيا والفضاء الخارجي لقطاع غزة فحسب، بل لثقلها السياسي والعربي».
أمّا علاقة المقاومة الفلسطينية وحركة الجهاد تحديداً مع حزب الله، فأكد على أنها علاقة استراتيجية وغير خاضعة للمزاجية والتبدلات والتغيّرات المرتبطة بالمصالح لهذا الطرف أوذاك، قائلاً إنه في عدوان تموز 2006 ذهب إلى سماحة السيّد حسن نصر الله وتمنى عليه ألاّ تقوم المقاومة والحزب بقصف «تل أبيب»، إذ يجب أخذ الظروف العربية والإقليمية الدولية في الحسبان وما قد يكون لمثل هذا القصف من تداعيات، وليس لأن الحزب لا يملك أسلحة تطول مدينة «تل أبيب» وغيرها من المدن الصهيونية.
قائد وطني بامتياز، في لقائه الكثير من المعاني والدروس والعبر، التي يجدر توافرها في كل قائد فلسطيني، فهو لم يكن مرتجفاً ولا متلعثماً ولا منهاراً ولا مشككاً في جدوى المقاومة، بل كان مؤمناً بحتمية انتصار هذه المقاومة، وتهمّه مصلحة شعبنا وقضيتنا الوطنية، فهو يقول بانتصار المقاومة، وبعد ذلك لا نريد أي مكاسب أو استثمار سياسي خاص بحركة الجهاد الإسلامي، بل كلّ ما يهمّه الشعب والوطن والقضية والمشروع الوطني، وفي هذا الإطار تمنّى على الإخوة في حركة حماس أن يراعوا في خطبهم الوضع الفلسطيني، وهذا مرتبط بالحملة التي تشنّها حماس على النظام المصري، إذ ما زالت تغلب علاقتها التنظيمية والإيدولوجية بـ«الإخوان المسلمين» على القضية الوطنية.
نريد لجميع قادة شعبنا وفصائلنا أن يرتقوا الى مستوى تغليب مصالح الشعب الفلسطيني فوق مصالحهم الخاصة والفئوية، ونريد لهم أن يحذوا حذو القائد الوطني الدكتور شلح في مواقفهم ورؤيتهم واستراتيجيتهم، وأن تكون بوصلتهم دائماً فلسطين والقدس، وأن يعلو فوق الجروح والخلافات كلّها، وأن ينهوا الانقسام فعلياً وليس على المستوى الخطابي والإعلامي والشعاري فحسب، فالعدو يستهدفنا شعباً كاملاً، وليس فصيلاً دون آخر.