غزة والموصل توحدان المجلس لساعات ورسائل سياسية بين المستقبل وحزب الله
هتاف دهام
ما فرّقته المصالح السياسية الضيّقة في ساحة النجمة جمعته دماء الشهداء والأبرياء في غزة والموصل. أخفق النواب الـ 128 في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كما لم تقتنع الكتل السياسية المنضوية تحت لواء 14 آذار بحضور الجلسة العامة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، إلا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري نجح في جمع «سعادة» النواب تحت قبة البرلمان قرابة الساعتين بدعوته الى جلسة تضامنية مع غزة الجريحة ومع مسيحيّي الموصل الذين هجرهم إرهاب «داعش»، وذلك بحضور سفير فلسطين في لبنان اشرف دبور ووفد من الفصائل الفلسطينية جلس أعضاؤه على مقاعد الصف الثاني، وأخليت لهم المقاعد الامامية المخصصة للصحافيين ليتمكن النواب من مخاطبتهم.
تضامن نواب الأمة مع الشعب الفلسطيني ضدّ الإرهاب «الإسرائيلي»، وتضامنوا مع العراق بكلّ أطيافه وألوانه ضدّ الإرهاب التكفيري، دانوا الصمت العربي والصمت الدولي ازاء ما يحصل في غزة والموصل، إلا أنهم فشلوا في التضامن مع الشعب اللبناني، ولم يدينوا ما يرتكبونه من تعطيل للمؤسسات ومن محاولات لتسعير الفتنة الطائفية والمذهبية.
في الكلمات التضامنية التي تلاها ممثلو الكتل السياسية رسائل سياسية مبطنة واتهامات وتحميل مسؤوليات عن سابق إصرار وتصميم. مرّر الرئيس فؤاد السنيورة في كلمته انتقادات لحزب الله على أدائه، باعتباره انّ الدورَ التدخلي في الشؤون الاقليمية، أي في سورية والعراق، ورَّط لبنان واللبنانيين وفتح الأبواب اللبنانية على كلّ صنوف المشكلات، وأن لا خلاص لنا إلاّ بالاحتماء بالدولة ومؤسساتها، فهي الحامية الضامنة لا غيرها من الميليشيات وفرق الأمن الذاتي. ردّ عليه نائب حزب الله علي فياض بأنه لا يجوز أن نساوي الأخطار ببعضها ونعتبر انّ هناك أخطاراً أخرى ترقى الى مستوى ما يمثله إرهاب داعش والإرهاب «الاسرائيلي». لم تعجب كلمة كتلة الوفاء للمقاومة الارتجالية كتلة المستقبل التي أبدت امتعاضاً منها، لكنها لاقت إعجاباً عند حليف التيار الازرق وتحديداً عند النائب جورج عدوان الذي هنأ فياض على كلمته.
في الجلسة الاستثنائية التي دعا إليها الرئيس بري مطالباً باسم مجلس النواب رفع الحصار عن غزة، وبتحرّك فاعل لوقف تهجير المسيحيين من الموصل، استثنى حزب الكتائب نفسه من التضامن تحت شعار «خالف تعرف». غابت كلمة بكفيا التضامنية مع غزة والموصل مع غياب نواب الكتائب الذين لم يحضر منهم سوى النائبين نديم الجميل وفادي الهبر. فيما حضر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد عون، وهو الذي اقترح على الرئيس بري الدعوة الى الجلسة في اتصال هاتفي الأسبوع الفائت.
كلّ على طريقته تضامن مع غزة والموصل. تمايز النائب آلان عون عن نواب تكتل التغيير والاصلاح. دخل القاعة العامة مرتدياً Tshirt سوداء مطبوعاً عليها حرف ـ ن ـ تضامناً مع نصارى الموصل، الأمر الذي استفز رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، ولم يحبّذه النائب جورج عدوان الذي قال إنّ المسيحيين لا يختصرون بحرف ـ ن ـ وغيره من الحروف، فما كان من الرئيس بري إلا ان دعا النائب عون إلى خلعها قائلاً: روح شلحلوا اياها .
وجرياً على عادة النواب والوزراء الذين يحضرون الى الجلسات العامة من باب رفع العتب، فيتلهّون بالكلمات المتقاطعة وبـcandy crach، أو يأخذون قيلولة صغيرة. غطّ وزير الاعلام رمزي جريج في نوم عميق، فيما كان وزير الخارجية جبران باسيل منهمكاً بتصوير زملائه الوزراء والنواب، سارع الجنرال ميشال عون الذي انزعج من تصرفات صهره الى توجيه الملاحظة له، ليطلب الرئيس بري منه أيضاً التوقف عن تصوير الحاضرين، متوجهاً إلى الأمين العام للمجلس عدنان ضاهر متسائلاً عن سبب عدم تشغيل آلات التشويش، بعدما لفت استخدام الوزيرين باسيل والياس بو صعب والنائب المستقبلي كاظم الخير هواتفهم، هذا فضلاً عن الهرج والمرج بين النواب آلان عون، انطوان زهرا ومروان حمادة.
تخطت الكتل السياسية خلافاتها الداخلية أيضاً فانتقى النائب وليد جنبلاط النائب غازي العريضي لإلقاء كلمة جبهة النضال الوطني واللقاء الديمقراطي. لم يقع خيار جنبلاط على الوزير وائل أبو فاعور أو الوزير أكرم شهيب، اختار العريضي رغم حساسية العلاقة بينهما، ففلسطين بالنسبة للنائب الاشتراكي حقّ لا يموت.
بري
الجلسة التي بدأت بالوقوف دقيقة صمت على أرواح النائب ميشال حلو، والنائب السابق مانويل يونس، وعلى ضحايا غزة، دعا خلالها رئيس مجلس النواب الى تضافر جهود المرجعيات الدينية في العالم من إسلامية ومسيحية، في التصدي لعمليات تشويه الدين واستغلاله لأغراض السيطرة والحكم.
وأعلن تضامن المجلس النيابي مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مطالباً بإنشاء مجلس عربي أعلى يُعنى في شؤون إعمار قطاع غزة وكافة المناطق الفلسطينية التي تعرّضت وتتعرّض للتدمير والتجريف «الإسرائيلي».
وطالب بري خلال إلقائه توصيات المجلس النيابي بـ«الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين وبخاصة النواب وفي طليعتهم رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك والمناضل مروان البرغوثي، وإلى رفع الحصار الظالم والمستمر المفروض على قطاع غزة منذ سنوات والذي أدى ولا يزال الى النقص الحادّ في المواد الإغاثية والطبية، وهدّد الحياة الطبيعية وقوى العمل والإنتاج وأدى الى شلل قطاعات الكهرباء ومياه الشفة .
وفي ما خصّ تهجير المسيحيين في الموصل، دان رئيس المجلس «الجرائم الإرهابية المتمثلة بالتهجير القسري في الموصل والاعتداء على المراكز الدينية، ودعا مجلس الأمن إلى وقف الجريمة المنظمة، وأكد ضرورة إعادة المهجرين الى مناطقهم، ومحاكمة مجرمي الحرب التكفيريين.
ودعا مجلس الأمن الدولي ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية وكل المنظمات الدولية والاسلامية والعربية والجهوية الى التحرك الفوري من أجل لجم تمادي هذه المجموعات في جرائمها المتنوعة، وخصوصاً جريمة التهجير.
كما دعا الى محاكمة عاجلة لمجرمي الحرب التكفيريين المسؤولين عن هذه الجريمة الكبرى التي تشوّه المشهد التاريخي للعيش المشترك في الشرق، والى تضافر جهود المرجعيات الدينية في العالم من اسلامية ومسيحية في التصدي لعمليات تشويه الدين واستغلاله لأغراض السيطرة والحكم وتخيير الناس بين الجزية أو الرضوخ لحكم الغاب.
سلام
وأكد رئيس الحكومة تمام سلام «أنّ الفلسطينيين كانوا وما زالوا اصحاب حق لا نقاش فيه، والحملة الوحشية «الاسرائيلية» اليوم هي فصل جديد لن تؤدي الا الى تأجيج الحقد».
وأشار الى انّ الهمجية «الإسرائيلية» التي نراها في فلسطين، توازيها وترافقها همجية وليدة في بلاد الرافدين تستفيدُ من خلافاتٍ سياسيّةٍ أضْعَفَت أواصِرَ الدولة العراقية وسلطةَ الحكومة المركزيّة، لتَنْشُر القتل والدّمار تحت اسم خلافة إسلامية وهميّة، لافتاً إلى أنّ المسيحيين ليسوا طارئين على هذه الارض، بل لهم ملحها وأرضها تماماً كالمسلمين، وهم لا يحتاجون الى حماية من أحد، فهم أسياد المكان تماماً كالمسلمين».
وتطرّق الى مسألة انتخاب رئيس للجمهورية، داعياً الى انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في عالمنا العربي، ومناشداً القوى السياسية والنواب إيجاد حلّ لمسألة الشغور الرئاسي.
عون
وأكد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون انه «اذا كانت الممارسات «الإسرائيلية» غير مستغربة لأن هذه طبيعة «اسرائيل» الدموية، فالغرابة بمكان هي في التوازي بين ما تقوم به «اسرائيل» في غزة وما تقوم به «داعش» في الرقة والموصل». مشيراً الى أنه «في غزة تطهير عرقي بالنار والعالم يتفرّج ويحصي الضحايا ولا يأبه بعذابات الناس، وفي الموصل تطهير ديني بالقتل والتهجير و«داعش» استباحت كلّ المحرّمات، وسأل: «اين مجلس الامن واين الدول الكبرى اصحاب الفيتو؟ فأطفال غزة يحيّون أطفال بيت لحم. اين دول الغرب؟ وهل تعلمنا أجهزة استخباراتها من يموّل المنظمات التي تقتل في سبيل الله»؟
موسى
وطلب النائب ميشال موسى الإجازة للجنة حقوق الانسان مباشرة التحرك على مستوى الاتحاد البرلماني للإحاطة بمجريات الإرهاب في غزة والموصل ومنطقتها.
وقال موسى: «إنها فرصة تاريخية سانحة للبنان الدور ولبنان الرسالة في ان يكون تعايشه ليس نقيض «اسرائيل» العنصرية فحسب، بل نقيض الارهاب التكفيري وهذا الدور الرسالة يحتاج الى وحدتنا اولاً ودائماً».
فارس
واعتبر عضو الكتلة القومية النائب د. مروان فارس ان ما تتعرّض له غزة هو جزء من الحلقة المفتوحة التي تهدف لتدمير فلسطين، وان ما يتعرّض له المسيحيّون في الموصل لا يقلّ خطورة عن مجازر اسرائيل في غزة، داعياً العراقيين الى وقفة واحدة في وجه «داعش» والحكومات التي تدعمه لوقف الدعم لانّ خطر «داعش» سيطاولها. وأضاف أن «اسرائيل» شنت «الحرب لتدمر المقاومة الفلسطينية ولضرب المصالحة الفسطينية والدفع بالوضع الفلسطيني الى التشرذم»، مذكراً بالمجازر التي ارتكبتها «اسرائيل» في غزة أمام مرأى العالم وبظلّ صمت عربي مريب يصل الى حدود التواطؤ، فأين الحكومات العربية»؟
وطالب فارس بإحالة الجرائم «الاسرائيلية» أمام المحكمة الجنائية الدولية والشعوب بالتحرك. وقال: «نحن واثقون بأنّ الشعب الفلسطيني بمقاومته وصموده سيفشل الأهداف «الاسرائيلية» وسينتصر على العدو وسيخرج الشعب الفلسطيني أقوى. وأضاف: «اننا نرى بجرائم «داعش» في العراق وسورية الوجه الآخر للحرب «الاسرائيلية» المفتوحة على مجتمعنا. فالتقسيم والتطهير العرقي الذي تمارسه «داعش» هو جوهر المشروع «الاسرائيلي» الذي يستهدف أمتنا».
فياض
وسأل عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض: ماذا ينفع الكلام إزاء ما يُرتكب من مجازر وحشية على يد العدو «الاسرائيلي» وإزاء ما يرتكب من ظلامية وهمجية بحق المسيحي الذي هو ابن هذه الارض». وأضاف: «بإمكان هذا العدو ان يمضي باستخدام القوة ولكن التجربة في غزة أثبتت انّ العدو عاجز عن فرض شروطه وأنّ المعادلات تبدّلت، فالمقاومة هي التي تفرض المعادلات في لبنان وفي فلسطين والقضية الفلسطينية هي قضيتنا الكبرى والتهديد «الاسرائيلي» قائم دائماً، ونحن امام خطرين داهمين في المنطقة الخطر «الاسرائيلي» العنصري والخطر الداعشي الظلامي المتخلف الذي يريد ان يقسّم المنطقة العربية، فندعو كلّ القوى في لبنان والعرب إلى الوقوف بوجه هذا الخطر رغم الاختلاف السياسي».
وأشار إلى انّ ثمة «من يعمل في غزة لهزيمة المقاومة، وأنّ هزيمة المقاومة هي هزيمة الشعب والقضية، وهناك من يعمل على تغذية داعش ودعمها، وثمة منهجية لا تخدم، وعلينا ان نصوّب لمواجهة هذين الخطرين، نحن في مواجهة العدو كنا وسنبقى وسنمارس الدور لأننا مع وحدة الأمة سنة وشيعة ونتمسك بالشراكة مع المسيحيين لبناء هذه الامة». وقال: «لا يجوز أن نساوي المخاطر ببعضها ونعتبر أنّ هناك أخطاراً أخرى ترقى الى مستوى ما يمثله داعش والارهاب الاسرائيلي».
العريضي
واعتبر عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب غازي العريضي انّ ما يجري في الموصل أمر خطير ويعبّر عن مشروع متجدّد أعدّ للمنطقة منذ سنوات طويلة، مشيراً الى انه تغيير لوجه هذه المنطقة ومحاولة لاستهداف تاريخها وحاضرها ومستقبلها لتكون منطقة مفككة غير قادرة على الصمود والاستمرار. وأضاف: «ان استهداف المسيحيين هو ضرب للتنوّع في هذه المنطقة واذا سقط التنوّع في اي مكان في منطقة هي مهد الرسالات الدينية فذلك يعني الدخول في صراعات مفتوحة على جميع الصعد وليس في ذلك الا خدمة «لاسرائيل»». وقال: «اسرائيل» تستبيح «غزة وفلسطين وتستبيح الدم الفلسطيني وحقوق الانسان والقوانين الدولية وحق الشعب الفلسطيني بالعيش على أرضه وتضرب عرض الحائط المؤسسات الدولية والمواثيق الدولية، إلا انها لم تتكمن من إسقاط ارادة الشعب الفلسطيني».
عدوان
ورأى النائب جورج عدوان في قضيتي غزة والموصل اعتداء على الإنسان وحقوقه وشرعته وفي القضيتين صمت يضج وتواطؤ مؤلم. ودعا الى انتفاضة وطنية اجتماعية أخلاقية إنسانية في وجه كلّ «الدواعش» الذين تيهدّدون العيش المشترك وحرية المعتقد. وأشار الى انّ ما يجري عندنا من شحن مذهبي في الداخل وتغليب للمصالح الخارجية لا يفيد.