لماذا الحرب على القضية الفلسطينية عبر غزة؟
محمد شريف الجيوسي
ُتقبل المنطقة العربية على مزيد من «التوهج» هذه المرة عبر القضية الفلسطينية، بعد تردداتها المتواصلة منذ أواخر عام 2010، على التوالي من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والعراق فالقضية الفلسطينية.. وخلال هذه الفترة، انفصل جنوب السودان عن شماله، وجرى إخضاع حركة شعب البحرين بقوات درع الجزيرة، وفشلت محاولة تفجير الأوضاع في الجزائر والمغرب والأردن.
لقد كان مأمولاً أميركياً وغربياً وصهيونياً، إخضاع سورية في فترة لا تتجاوز شهراً أو شهرين كأبعد تقدير، لكن صمود سورية أعاق تقدم ما يسمى بـ «الربيع العربي» على الأرض، ليتوالى فشل الغرب والجماعات المسلحة والمعارضة التابعة، في تحويل الانتصارات العسكرية السورية الى هزائم سياسية.
إلى ذلك، يعيش الكيان الصهيوني أزمة صراع داخلي مستفحلة على السلطة، بعد فشله في حربه العدوانية على لبنان في العام 2006 وعلى غزة في العام 2008، ما يستوجب من وجهته افتعال أزمة تحسم الصراع داخله في اتجاه ما، بغضّ النظر عن التداعيات اللاحقة وانعكاساتها عليه إقليمياً وعلى داعميه الدوليين الذين يعانون هم الآخرون من أزمات مستفحلة.
بعد اخفاقات المحور الدولي ـ الإقليمي، الذي تقوده الولايات المتحدة، في سورية، اتجه إلى افتعال أزمة اوكرانيا، وعندما فشلت وسيتضاعف فشلها ، عمل هذا المحور على تعقيد التوصل الى حلول مقبولة مجدداً في الملف الإيراني النووي، وعندما تبدّى واضحاً أن إيران برئاسة حسن روحاني لا تختلف كثيراً عن إيران محمود أحمدي نجاد استراتيجيا» .. كان لا بد من عملية خلط للأوراق معقدة على الارض العراقية ، تشارك فيها أطراف متباينة حد التناقض في كل شيء، بحيث تتصارع فيها أطراف يفترض أنها في صف مواجه للإرهاب والتطرف، فيما «تتحالف» أطراف مختلفة في ما بينها في كل شيء!؟ فالمهم انشغال الكل بالكل، وإغلاق خطوط إمداد سورية بعناصر القوة براً عبر العراق، وإطلاق العنان لتسلل الإرهابيين إلى سورية مجدداً.
لكن هذه الخطة فشلت مجدداً، وبسرعةٍ تُضاهي السرعة التي حققت فيها نجاحات مفاجئة، حيث بدأت الجماعات الارهابية تفرز نفسها عن القوى الأخرى التي وإن فصلت بينها وبين الدولة العراقية «داحس والغبراء»، إلا انها تحمل أجندات مختلفة تماماً، وهي إذا جد الجد ووضعت أمام خياري «داعش» والجماعات الإرهابية من جهة، وبين الدولة العراقية بما فيها من أخطاء وخطايا، فإنها ستكون أقرب الى الدولة، أوعلى الحياد على أقل تقدير، وستحارب «داعش» وأخواتها، وهذا أمر ليس ببعيد لا كخيار ولا من حيث الزمان.
كما فشلت محاولة الخلط الجديد للأوراق على الأرض العراقية، وعلى صعيد إعادة الكرّة على سورية، كان الخيار العدواني، هذه المرة فلسطينياً، وبطريقة تُحدث خلطاً جديدا للأوراق إقليميا وعلى الصعيد الفلسطيني أيضاً، حيث قطر وتركيا و»إسرائيل» في محور يحاول عبر حماس فرض حل استسلامي ابتداء من تجاهل ما يحدث في القدس والضفة الغربية والمقدسات بالتركيز إعلاميا على ان غزة وحماس كأنما هي الطرف الوحيد المقاوم للكيان الصهيوني، فيما حقيقة الأمر أن هناك أطرافاً عدة تقاتل ضده بأقل قدر من الضجيج والظهور الاعلامي وهو المفترض لسلامة المقاومة وتكتيكاتها.
فضلا عن المقاومة الشعبية للعدو الصهيوني في العديد من المواقع بالضفة حيث استشهد البعض وجرح وأسر المئات فضلا عن جدار الفصل العنصري وتهديد الأقصى واحتلال الأغوار والاستيطان وسحب حق المواطنة لـ 40 ألف مقدسي… الخ
ولا بد أن التركيز الإعلامي على حماس وغزة يحقق من وجهة الجماعات المعادية للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية الأمور التالية:
ـ خلق حالة من الاختلاف والافتراق بين حماس والقوى الفلسطينية الأخرى المقاومة على أرض غزة.
ـ خلق حالة من الافتراق مجدداً بين الضفة والقطاع وإعادة تكريس الانفصال بينهما.
ـ إفشال المصالحة الفلسطينية وإسقاط حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
ـ خلق فصام قد يطول مع مصر، التي قدمت مبادرة ليست مثالية كما قال أحد قياديي الجهاد الاسلامي، لكنها المبادرة الوحيدة الموجودة بين يدي الفلسطينيين، والتي عليهم تطويرها.
ـ إدخال الشعبين الفلسطيني والمصري في حالة من الكراهية جراء ما اقترفته جماعات إخوانية مصرية ومساندة حماس أو أطراف فيها لما اقترفته تلك الجماعات وما زالت تقترفه من أعمال إرهابية.
إن قطر التي تستضيف قاعدتين أميركيتين على أراضيها وأسهمت بأشكال عديدة مع تركيا عضو حلف النيتو في الحرب على ليبيا وسورية.. لن تكونا حريصتين على القضية الفلسطينية.. ولا بد أن مصر التي تربطها علاقات التاريخ والجغرافية والديمغرافيا والأمن بغزة وشعب فلسطين أحرص على الوقوف الى جانب القضية الفلسطينية وغزة من قطر وتركيا.
ولا بد أن هذا يستوجب على القيادة المصرية التي تتوسم بها الأمة خيراً، وقف الدعوات التحريضية العنصرية التي روجت لها بعض الأقلام في مصر، ذلك أن حماس شيء وغزة شيء آخر، بل أن الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة سنة 1967 شيء وحماس شيء آخر.. والمقاومة الفلسطينية ليست حماس بالضرورة، وأكثر من ذلك ليست قواعد حماس هي قياداتها المرتبطة بمكتب الإرشاد العالمي الإخواني المرتهن قرارها به، وجناحها العسكري ليس على وفاق كامل مع القيادة السياسية لحماس ..
ومهما يكن من أمر أخطاء حماس وتجاوزاتها وخطاياها، ليس من المعقول ولا المقبول بحال أن يكون البديل هو الكيان الصهيوني، بل ان دعوات من هذا القبيل في مصر، تحت مرأى ومسمع النظام السياسي الجديد، لا يمكن اعتبارها إلا انها إما مقبولة من هذا النظام ومحل ترحيب أو ان جهات ما تريد تشويه الوجه الناصع له الذي طالما راهنت عليه القوى القومية واليسارية في مصر والمنطقة العربية.
وعلى الشعب الفلسطيني، جماهير وفصائل وقيادات سياسية، أن يحاذر محور قطر- تركيا -»إسرائيل» الذي يريد ركوب حصان حماس لإفشال أي حل لا يريدونه، حيث ترتبط الدوحة وتركيا بجماعة الإخوان الدولية وتنفذان أجندتها، وهما معنيتان بإسقاط أي حل يأتي به أي نظام جاء بنتيجة إسقاط النظام الاخواني، بغض النظر عن تفاصيل الحل.
من المرجح ان مشروع الحل المصري ليس مثالياً ولا حتى مرضياً، لكن بحسب قيادي في الجهاد الاسلامي لا بد من التعامل معه وتحسينه لصالح الشعب الفلسطيني.
وفي تقديري ان الحرب العدوانية الإسرائيلية على القضية الفلسطينية ترتبط هذه المرة بأجندة إقليمية، أيضاً، بمعنى أنها ليست سريعة الحسم، بل ستكون طويلة الأمد، باعتبارها حرب إرادات وأجندات، تتعلق نتائجها وتداعياتها بالمنطقة ككل، وقد تتسع وتأخذ أشكالا أخرى، وتحالفات مختلفة وستكون لها امتدادات وانتقالات الى ساحات أخرى، قريبة جداً وبعيدة نسبياً، تكرس أكثر قيادات تاريخية إقليمية وتسقط أخرى.