الفنّان التشكيليّ موفق مخول: لوحة الشارع تنشر ثقافة بصريّة جماليّة وطنيّة
دمشق ـ محمد سمير طحّان
يقدم التشكيلي موفق مخول نموذجاً لقدرة المبدع السوري على إنجاز أعمال فنية عالمية تحمل قيمة إنسانية كبيرة وفي أصعب الظروف التي يشهدها الوطن وضمن الإمكانات المتاحة، إذ استطاع إدخال عمله الجداري الذي أنجزه مع مجموعة فنانين من العاملين في وزارة التربية في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، وكان هذا العمل الأول نوعاً في العالم المنجز بمواد من بقايا البيئة.
وعن هذا العمل وأهمية الفن الموجه إلى الناس يقول مخول «إن الفكرة بدأت معنا في تزيين حائط مدرسة بسام حمشو والمتحف المدرسي بمواد من بقايا البيئة، وكانت النتيجة جميلة فقررنا تكرارها على جدار أكبر لإحدى مدارس دمشق في منطقة المزة لإدخال الفرح إلى نفوس الناس في ظل ما يعيشونه من حزن وألم بسبب الأزمة. هذا العمل كان رسالة أيضا للعالم لتعريفهم بحقيقة الشعب السوري الحضاري وقدرته على تقديم الفن والجمال في أحلك الظروف التي يعيشها، ولتغيير الصورة المشوهة التي يقدمها الإعلام في الخارج عنا كشعب يحب القتل ويسعى إلى الموت. العمل يكسر أيضاً صمت الجدران في دمشق ويخلق حواراً جمالياً فنياً بين هذه الجدران والناس، من خلال رسالة بصرية فنية وطنية تقف في وجه الظلامية وثقافة القتل».
يعتبر التشكيلي السوري أن مجتمعنا في حاجة اليوم إلى فن شعبي تفاعلي يغني الذائقة البصرية لدى الناس ويدعو إلى الحب والجمال وأعمال الفكر فـ»الصراع الذي نعيشه اليوم هو صراع فكري وثقافي ولا يمكن الدفاع عن الوطن ضدّ الفكر الظلامي الحامل الموت إلا بالفن والجمال والثقافة».
يوضح موجّه مادة التربية الفنية في وزارة التربية أن الفن التشكيلي السوري كان طوال السنوات الماضية بعيداً عن الناس، إما في المتاحف أو في بيوت الأغنياء، مع غياب شبه كامل للفنون الجدارية في الشوارع العامة. ويضيف: «حاولنا في هذا العمل إدخال فن تشكيلي جديد على الذائقة البصرية الشعبية لدينا وإثبات إمكان إنجاز عمل فني متكامل باستخدام مواد رخيصة لتعليم الناس صنع الجمال والفن من دون كلفة كبيرة، وضمن الامكانات المتاحة، مع تفعيل التفكير بصرياً وحب الأشياء حولنا وامتلاك القدرة على تحويل اللاشيء الى قيمة فنية وبصرية وجمالية وفكرية. اتصلنا بموسوعة غينيس واستطعنا الحصول على أول رقم في هذا النوع من الفنون التي لم تدخل بعد في هذه الموسوعة، وحصلنا على شهادة باسم سورية كصاحبة أول لوحة فنية تشكيلية جدارية في الشارع من الفن الحديث مشغولة ببقايا البيئة».
يعمل مخول راهناً مع مجموعته الفنية على إكمال اللوحة الجدارية «اندفاعات لونية بيئية» إذ يسعون إلى تطويع الفضاء المحيط بها ليكون متوافقاً معها بصرياً، فتم الاشتغال على الجدران المحيطة والأسطحة والمداخل وحتى خزان الكهرباء مع وضع كراسي للزوار الذين يقصدون اللوحة لمشاهدتها، حتى صار هذا العمل معلماً سياحياً وفنياً بارزاً في دمشق.
يعبر مخول عن حماسته لتعميم هذه التجربة الفنية في أنحاء سورية كافة وأن تكون حاضرة في مشروع إعادة الإعمار الذي سيشمل مناطق كثيرة في الوطن، مبيناً أن ثمة عدة أفكار تهيّأ حالياً لتنفذ في هذا السياق على نطاق واسع مستقبلاً. وعن الفن التشكيلي السوري في المرحلة الماضية يقول مخول: «إن الحركة التشكيلية السورية هي الوحيدة التي استمرت في العمل خلال الأزمة وبلا توقف، فالفن التشكيلي هو الأقدر على إعطاء القيم الجمالية وملامسة الروح الإنسانية فهو فن فردي وكلفته قليلة ويمكن مشاركته مع الناس بشكل كبير لكونه أكثر ديمومة من بقية الفنون. إن الدول التي خرجت من الحروب والأزمات الفكرية والنفسية كان للفن التشكيلي فيها دور مهم في تحصين الفكر الإنساني الناضج الذي استطاع المقاومة، ففي أوروبا كانت هناك نهضة تشكيلية قوية جداً بعد الحرب العالمية الثانية وظهرت فنون حديثة أكثر شعبية اعتمدت الشارع في عرض إنتاجها مثل فن الغرافيتي على الجدران الذي نشر ثقافة بصرية جديدة»، معبّراً عن تفاؤله بمستقبل الحركة التشكيلية السورية، مؤكداً «خطونا أول خطوة في تقديم لوحة الشارع ما سيحضّ البعض على العمل وإعادة ترتيب التفكير حيال الثقافة الشعبية وفن الشارع».
يشدّد فنان اللوحة الجدارية «اندفاعات لونية بيئية» على أهمية الخروج من «العقلية المتحفية» في الفن وتقديم فنون حديثة تعتمد التفاعل مع الناس في الشارع، معتبراً أنّ هذه الآلية في التفكير يجب أن تكون معممة في جميع مناحي الحياة عبر المبادرات التشاركية والعمل التطوعي التفاعلي للمساهمة في إعادة إعمار سورية لتكون في الصورة الجميلة التي نتمناها جميعاً.
يختم مخول قائلاً إن هناك فنانين ممن أفادوا من الأزمة لتسويق أعمالهم الفنية في الخارج، لافتاً إلى أن الفنان الذي يعيش أزمة الوطن هو الذي بقي فيه ولم يغادره واستمر في العمل وتسخير الإمكانات المتاحة كلها لتقديم عمل فني حضاري إلى الناس والوطن.