زكي ناصيف في مئوية ولادته مكرَّماً في «دار الندوة»
أحيت «دار الندوة» و«الحركة الثقافية ـ أنطلياس» و«الجبهة الموحدة لرأس بيروت» و«دار نلسن للنشر»، مئوية ولادة الفنان الكبير زكي ناصيف، في قاعة «دار الندوة» في الحمرا ـ بيروت.
بعد النشيد الوطني، عُرض شريط وثائقيّ بعنوان «زكي ناصيف: مسيرة نحو الإبداع»، من إعداد «برنامج زكي ناصيف للموسيقى في الجامعة الأميركية في بيروت».
وافتتح الندوة الكاتب سليمان بختي الذي سأل: كيف نكرّم مبدعاً من وزن زكي في بلادنا؟ ربما، بأن نضع أسراره في متناول الجميع. والحديث عن زكي ناصيف حديث ليس فقط عن الزمن الجميل في لبنان الجميل، بل عن أشخاص زرعوا الحبّ والفرح في حياتنا وغادروا. عن أشخاص يترسّخون في الذاكرة كلّما أفتقدناهم وكلّما توغّلنا في المستقبل.
وختم بختي: لعل حياته انجدلت حول أمرين: التوفيق بين الأصالة والحداثة الذي هو جوهر المدرسة الموسيقية اللبنانية. وأنّه ظلّ يحنّ إلى القرية حنيناً صادقاً، ولبث ينهل من هذا المعنى حتى اللحظة الأخيرة في عمره، كأنه أو كأنها ينبوع أو أيقونة أو أسطورة. زكي ناصيف فنان ملتزم بهويته الحضارية بمجتمعه بأمته. لذلك سيبقى معنا طويلاً في مئويات تتوالى.
ثم ألقت الدكتورة نجاة صليبي الطويل كلمة «الحركة الثقافية ـ أنطلياس»، فقالت: تشغل إشكالية الهوية والانتماء اهتمام الكثيرين. وهنا في مئوية زكي ناصيف أعترف بانتمائي إلى هذه الطبقة من الأشخاص الذين شكّلوا صورة لبنان الثقافية والحضارية المشعّة. زكي ناصيف عنوان لنا وبوابة سفر.
وتوقفت عند قصائد ناصيف التي كتبها للأغاني والتي تفوح بالروائح والعطور والأزهار والوزّال والحنين إلى الضيعة. إنّه المجدّد في قالب السهل الممتنع. وختمت: نجح زكي ناصيف في ترسيخ انتمائه إلى القرية والفولكلور. وهنيئاً لنا انتمائنا إلى قيمه العالية وعالمه الحيّ السامي المترفّع.
ثم كانت كلمة للدكتور فكتور سحّاب، تحدث فيها عن ناصيف الموهوب والعالِم ورجل الفكر الحضاريّ، الذي نهل في الموسيقى الشعبية. وأنتج موسيقى أصيلة لا تجارية. كان فهم زكي ناصيف للموسيقى يغوص عميقاً في الفهم الحضاري لأصول الأشياء. وعلى أصالته وتجذره في التراث، فإن أغنياته وألحانه تنوّعت تنوّعاً غنياً جدّاً. من الأغنية الكلاسيكية إلى الموشّح إلى الدبكة الكلاسيكية والشعبية واللون البدوي. وبلغ الذروة في تلحين الفولكلور اللبناني.
وختم سحاب: رحم الله زكي ناصيف الذي قد يندر أن نجد موسيقياً في قامته من حيث الألحان والتأليف، ويندر ما اجتمع فيه من موهبة وفهم علميّ وحضاري وتاريخيّ عميق للموسيقى والتراث في بلادنا.
أما كلمة «دار الندوة»، فألقاها الناقد عبيدو باشا وقال فيها: زكي ناصيف أغنية بمئة سنة، لا مئة، أكثر من مئة بكثير. رجل أكبر من عمره. أغنية جواب لا سؤال. سارحة على الغيمة. تحديث بلا توريث. تقريب الهارمونيا العربية من الأصول الشرقية. طاقة حلم وذكاء فاتن. صاحب نصّ موسيقيّ ينتمي إلى الروح الإنسانية العالية. روح تأسيسية ناصيفية تأصلية. زكي ناصيف يعبّر بقوّة عن تحويل الأسطورة إلى تاريخ عمل. وجد في الإيقاعات المحشودة، في الأشكال الفولكلورية القديمة، ما وجب تحميله في عينَيْ الأغنية الجديدة. جملته على بساطتها معقّدة بحدود تطيل المتع. احتفى بالأغنية عبر الكورس كما بالصوت الفرديّ.
عند زكي ناصيف الإيقاع لا الدراما. جمع المجوز والبيانو على أرض واحدة. إعادة بناء عناقيد الأنغام المتراكبة على الدرجات الشرقية المتحركة.
وختم: أغنية زكي ناصيف ضدّ الايديولوجيا. وكلّما سمعت «طلّوا حبابنا» لا أرى إلا وجه زكي ناصيف. مئة سنة على الولادة قبل ألف سنة وأكثر بقياس الحضور على الإنتاج، والتأثير على التدبير.
وختاماً، ألقى المايسترو أندريه الحاج كلمة جاء فيها: منهمكاً كنت بنوتات زكي ناصيف منذ شهرين وأكثر. ما لفتني في موسيقاه قوة الأسلوب، قوة الميلودي، قوة التوزيع. وكلّما فكفكت أكثر، كلما اكتشفت قوة التوزيع. زكي ناصيف يكتب أيضاً الهارموني بالمعنى الكلاسيكي، وقد ترجم ذلك في أغنية «في ظلام الليل» التي فيها نوتات كثيرة وأفكار موسيقية كثيرة.
وختم، سيمرّ وقت طويل لنسمع عن مؤلف يكتب الشعر ويلحّنه ويوزّعه ويغنّيه بإبداع، كإبداع زكي ناصيف.