بقاء الأسد لفترة «قصيرة»؟!
روزانا رمَّال
تطرق مرحلة السياسة أبوابها على مشهد الشرق الاوسط المتداخل بين تطبيق ديمقراطية منشودة وتغيير سياسي لأنظمة بدا التحول فيها مكسباً غربياً في سنوات «الربيع العربي» الأولى قبل أن تتشوّش الصورة وتتخذ طابعاً دموياً امتدّ من سورية فليبيا والعراق ومصر في مراحل انتقالية بين الثورتين، فيما لا تزال مفاعيل هذا التحوّل تطغى على مختلف عواصم العالم، خصوصاً الأوروبية التي دخلت عواصمها نفقاً شديد الظلام جعلت مؤسساتها الأمنية تتوجه نحو إيجاد مخارج ممكنة مع واشنطن في محاولة للسيطرة قدر الإمكان على الإرهاب الذي انتشر بشكل كثيف عقب الأزمة السورية التي ترفع اليوم إلى واجهة أولويات الاجتماعات السياسية في الغرف الديبلوماسية.
حل الأزمة السورية لم يكن وارداً قبل دخول عناصر عدة جعلت الاستسلام للواقع الجديد أمراً محتوماً، فعنصر ظهور القوى المتطرفة التي خرج بعضها عن سيطرة الجهات الاستخبارية التي أنشأتها عبر استهدافات متنقلة في مناطق كانت تُعَدّ الأكثر أمناً لعقود جعلت القلق يسيطر عليها كجهات استفادت سابقاً من تنفيذ عمليات انتحارية عبرها وتصفية الحسابات وإنجاز اغتيالات رئيسية بالمنطقة أثرت على سير العملية السياسية لا يزال أكبرها وأكثرها دلالة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بيد جبهة النصرة وكانت حينها حديثة الولادة، لا بل نفذت أولى عملياتها وقتها، وكانت تُدعى «جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام». العنصر الآخر الحاسم كان دخول القوات الروسية مباشرة الحرب على الإرهاب وبشكل مباغت استفادت منه روسيا من خلال «عنصر المفاجأة» الذي وضع الدول المعنية أمام حالة ذهول من القرار أولاً وكشف الكثير من الخفايا على أرض العمليات في سورية، فأحرجت موسكو المجتمع الدولي أولاً بالتورط، وثانيا بمسألة «جدية مكافحة الإرهاب» من عدمه، فبات التعاون العسكري ضرورة لا محالة وإلا فإن تجيير مكافحة الإرهاب وريادة الملف سيمنح لروسيا حتماً لدى الرأي العام الدولي الذي بدأ يشعر بصوابية استراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما جعل بعض الدول الأوروبية تتوجه نحو سورية تدريجياً عبر المؤسسات الأمنية وغيرها.
مصدر ديبلوماسي سوري رفيع يؤكد لـ «البناء» أنّ هناك قوى دولية تتصل بالقيادة السورية من أجل التعاون بملف مكافحة الارهاب من دون أن يسمّيها، واضعاً هذا الأمر باطار قرار خاص بالدول التي يتوجب عليها الاصطفاف أخيراً ثم الإعلان قائلاً «سورية لن تعلن فليعلنوا هم عن أنفسهم وأمام العالم». مشيراً الى ان سورية واثقة بشكل مؤكد انها ستكون ملجأ العالم في مجال مكافحة الإرهاب الذي تخطت أقسى مراحله، لا بل باتت في مرحلة النهوض بينما هم في بدايات معالجة الأزمات الأمنية التي عصفت ببلادهم جراء الإرهاب».
تلفت اليوم تصريحات فيها الكثير من إشارات التراجع وترتيب الأجواء الملائمة من اجل الدخول بمرحلة تسوية اقليمية تسوّق لبقاء الرئيس السوري بشار الاسد كأمر بات مفروغاً من حدوثه بعد عجز القوى الدولية والإقليمية عن تمرير الامر سياسياً بالمحافل المتوفرة منذ بداية الأزمة. وبهذا الإطار يلفت موقف رئيس الوزراء التركي قبل محاولة الانقلاب الذي دعا فيه للتقارب مع دول الجوار بينها سورية ومصر والعراق ومن ثم عدّل الموقف بما مفاده انّ الاسد لا يزال الأزمة، لكن التصريح الاول شكل ما يشبه «خلايا الذاكرة» التي يحقن فيها الشعب كما الجسم قبل التعرّض للمرض فيصبح قادراً على التعاطي معه بعد نجاح الحقنة. الأمر نفسه تطرحه صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية ولأول مرة فتقول إنّ «مصادرها في المعارضة السورية كشفت عن جزء من التفاهم الروسي الأميركي حول سورية وعن الجزء المختص بمصير الأسد حيث لفت «التحديد الدقيق لوضعية الرئيس السوري لجهة أن يتم تجريده من صلاحياته بعد فترة قصيرة من بدء المرحلة الانتقالية»، أيّ أنّ بقاءه لفترة بات قراراً أميركياً روسياً مشتركاً. تتناسى الصحيفة السعودية أنّ تصريحات وزير الخارجية عادل الجبير حتى الساعة متطرفة جداً تجاه بقاء الأسد وانّ أمر ترؤسه لفترة قصيرة غير وارد عند الديبلوماسية السعودية، لكنها ورغم هذا تطرح الفرضية عبر الصحيفة والتي تعتبر بمثابة تسويق أو تحضير للحقنة المخففة الجديدة للشعب السعودي والخليجي والدولي قبل أن يصبح القرار الروسي الأميركي نافذاً بمتابعة مكثفة للحلّ السياسي، فتكون السعودية غير جاهزة تكتيكياً للقرار وتبدو آخر اولويات الدولتين الكبريين تقول الصحيفة إنّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري «كان حاسمًا في اللقاء الأخير الذي جمعه بنظيره الروسي سيرغي لافروف لجهة إبلاغه بوجوب العودة إلى طاولة المفاوضات بعد الاتفاق على مصير الأسد. وقد تلقت موسكو الرسالة الأميركية بإيجابية وحاولت تقديم التزامات معينة، قررت واشنطن إخضاعها لمرحلة من الاختبار قبل إسدال الستار عنها».
مصادر لـ «الشرق الأوسط» تترجم إعلاناً سعودياً عن اقتراب هام زمنياً لاتفاق أميركي ــــ روسي حول الأزمة السورية بلسان مصادر للمعارضة المدعومة من الرياض، من دون أن يعني هذا استغناء سعودياً سريعاً عن التصريحات او ربما يحصل مثل ما حصل مع بن علي يلدرم رئيس وزراء تركيا بمسألة تعديل الموقف الذي لا يلغي بالحالتين التصريح الأول الذي يؤكد التحول والتراجع التركي حينها، والسعودي اليوم، من المسألة السورية.
سورية على موعد أوضح مع اقتراب الحل وخروج الاتفاقية الروسية الاميركية سياسياً وعسكرياً الى العلن في الأشهر القليلة المقبلة، إضافة الى حسم مسألة بقاء الأسد.