الغزل العربي الساخن لـ«إسرائيل» تجاوز حدود الخجل…
سناء أسعد
لم تعد اللقاءات العربية العبرية بين المسؤولين العرب والمسؤولين «الإسرائيليين» تتميّز بطابعها السري، كما كانت منذ عقود طويلة من خلف الستار وتحت الطاولة… سواء كانت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لـ»إسرائيل»، والتي تعتبر أكبر إهانة لمصر بعد عملية التنازل عن السيادة على تيران وصنافير للرياض كمسارٍ سابق لهذا التطبيع… وزيارة المسؤول الأمني السعودي المتقاعد أنور عشقي ومعه وفد سعودي إلى «إسرائيل»…
بل صار الميل إلى الإفصاح عنها وتوثيقها إعلامياً أقرب إلى توثيق التنظيمات الإرهابية لجرائمها البشعة ضدّ الإنسانية، والتباهي بها على الملأ. تلك التنظيمات التي تتلقى الدعم وتصنّف من قبل جهات غربية وعربية على أنها «معارضة معتدلة»!
فلا الاعتدال المنسوب لتلك التنظيمات غربياً وعربياً، ولا إعلان التبرّؤ من قادتها ينفي صفة الإجرام والإرهاب عن مجمل ما تقوم به من انتهاكات يندى لها الجبين… الأمر ذاته في ما يتعلق بتغطية «الزيارة الميمونة» التي قام بها الوفد السعودي لـ»إسرائيل»، فلا صفة الوفد السعودي الغير الرسمية ولا التذرّع بأنّ الزيارة كانت لفلسطين ولأجلها، وليست إلى «إسرائيل» تبرّئ السعودية وتفيدها للتنصّل ولفتح الأبواب لتقديم الحجج الواهية والتبريرات، فيما البراهين القوية التي تدحض تلك الحجج كثيرة وكافية وموثقة صوتاً وصورة، ومنها:
أولاً: لا يمكن للوفد السعودي زيارة «إسرائيل» دون تلقي الأمر بذلك من قبل أصحاب القرار، وإعطاء الضوء الأخضر لهم لإتمام تلك للزيارة…
ثانياً: أحد أعضاء البرلمان «الإسرائيلي» الذي التقاه أنور عشقي الجنرال عومر بارليف، الذي قاد «وحدة سيير تمتكال» المسؤولة عن تنفيذ عمليات الاغتيال في قلب الدول العربية، كما يتباهى بأنه قتل العدد الأكبر من العرب خلال خدمته العسكرية… وهو الذي طالب مؤخراً بشنّ حملة عسكرية على قطاع غزة بعد اكتشاف بعض الأنفاق…
ثالثاً: برّر عشقي زيارته إلى «إسرائيل» لإثارة نقاش «إسرائيلي» داخلي حول المبادرة العربية للتسوية، فيما أعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو رسمياً أنّ المبادرة العربية لا تصلح أساساً للمفاوضات…
رابعاً: كشفت تقارير «إسرائيلية» خلال الأشهر الماضية عن زيارة سريّة لوفد «إسرائيلي» إلى السعودية دون أن ينفي أيّ من الطرفين ذلك… كما أنّ زيارة عشقي لـ»إسرائيل» ليست الأولى…
وفي هذا الصدد صرّحت وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» السابقة تسيبي ليفني، خلال ندوة أقيمت في كفار سابا «أنّ دولاً معتدلة في المنطقة تسعى إلى التحالف مع إسرائيل لمواجهة محور إيران ـ حزب الله».
خامساً: أكد عضو الكنيست عن حزب ميرتس عيساوي فريج للإذاعة «الاسرائيلية»، أن هناك استعدادات لتشكيل بعثة من أعضاء الكنيست من المعارضة لزيارة السعودية لأنهم معنيون بتلبية دعوة عشقي لتلك الزيارة…»
في الحقيقة أنّ الخطورة لا تكمن في تلك الزيارة بقدر ما تكمن في التصريحات التي أفصح عنها عشقي في لقاء أجراه مع إذاعة الجيش «الإسرائيلي» التي تمّ بثها الأحد الفائت، وقال فيها «إنّ السعودية و»إسرائيل» تتشاركان أفكاراً ضدّ إيران والإرهاب»! وحسب رؤيته أنه «لا يمكن للدول العربية أن تشهد سلاماً في ما بينها قبل التوصل إلى سلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين»!
يريد عشقي السلام لأنه يشعر بالقلق والأسى من مناظر الحروب وإراقة الدماء…! والتي تعود بالدرجة الأولى وحسب رؤيته أيضاً إلى ما يخلفه الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني من صراعات متتالية في المنطقة، محمّلاً المسؤولية بالكامل في ذلك لإيران، معتبراً أنّ لها أطماعاً في السيطرة على الشرق الأوسط والوصول إلى البحر المتوسط، موجهاً لها التهم بممارسة الإرهاب بغية تحقيق أطماعها…»
لذلك يجب إحلال السلام مع «الصديق الإسرائيلي» لقطع الطريق على «العدو الإيراني» وتوقيفه عن المتاجرة بالقضية الفلسطينة حسب زعمه…
كما يظهر عشقي امتعاضه الواضح من التمسك بما يسمى «الحقوق والمبادئ»، كمبدأ «الأرض مقابل السلام» وحق العودة وغيرهما… فهو يرتعب من إرهاب الانتفاضة وإرهاب المقاومة، التي يعتبرها المسبّب الأول في إثارة الحروب وإراقة الدماء، وتقلقه رؤية اليد الإيرانية الممتدّة لدعم أيّ حركة مقاومة ضدّ العدو «الاسرائيلي»… لذلك فهو يدعو إلى بترها بكافة الوسائل والأساليب ومهما كان الثمن…!
«إسرائيل» تريد استغلال الصراعات الدائرة في المنطقة وبرمجتها لصالحها، ولا سيما أنها تلتمس البرود العربي اتجاه القضية الفلسطينية من خلال الإقبال المنقطع النظير، وتهافت الوفود العربية لزيارتها بحجة مناقشة ملف القضية الفلسطينية الذي غابت أولويته وحضر فقط لتغطية التطبيع مع العدو والتمهيد لظهوره بشكل علني…
مستفيدة أيضاً من الأهداف والمصالح التي تجمعها ببعض الدول العربية وفي مقدّمتها السعودية، من حيث العداوة المشتركة بينهما ضدّ إيران وحزب الله وسورية…
وما زيارة عشقي لـ»إسرائيل» إلا لسلخ الشعب الفلسطيني عن أرضه واغتيال حقه في تقرير مصيره… ولإفراغ المبادرة العربية للسلام من مضمونها… والانصياع للشروط «الإسرائيلية» واعتبار أنّ ما تفرضه وما ترفضه هو الشرعية الوحيدة الذي يجب على جميع العرب تقبلها… ولا سيما وسط هذا التشرذم والتفكك والضعف الذي يسود المشهد العربي، سواء في المواقف أو الاستراتيجيات أو السياسات السوداوية المخزية المتبعة في كافة الجوانب والاتجاهات.
صار العرب في زمن الضياع والانحدار وصارت الوحدة العربية من الذكريات المؤرشفة والحديث عنها صار خيالاً وسراباً حتى في المحافل الدولية.
ففي أقرب مشهد تمثيلي معتاد لها في القمة العربية الـ27 غاب عن الحضور العديد من قادة الدول العربية، هذا ليس بمفاجئ بعد أن غيّبت سورية عن سابق تخطيط وإصرار…
ومن غير المتوقع أن تكون قمة ذات قيمة… لأنّ كلّ ما تطرحه ليس فقط مجرد قرارات روتينية مجمّدة بل إنها مضيعة للوقت ومجرد أقاويل… فعند غياب التنفيذ ما من حاجة للقرارات وما من داعي للاجتماعات العقيمة… المفاجئ وسط هذا الغياب واللافت للنظر هو الحجة التي تذرّع بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنّ الذي منع حضوره هو كشفه مخططاً لاغتياله… في حين أنّ وزير خارجيته سامح شكري زار «إسرائيل» قبل ذلك دون أيّ معوقات تذكر…!