الإسلاموفوبيا… هذا ما يريده تنظيم «داعش»!

نشر «معهد واشنطن» تقريراً جاء فيه:

في الثالث من حزيران، توفي الملاكم الأميركي الشهير محمد علي كلاي. ولم تكد تمرّ أيام قليلة على وفاته، وتصدّره عناوين الأخبار الرئيسة التي احتفت به كسفير للإسلام المعتدل والمتسامح، حتى تلاشت تلك الصورة بشكل فجائي، لتطغى محلها صورة مناقضة لها تماماً، وذلك بعدما قام عمر متين بارتكاب مجزرة أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية، ليهيمن ولمدة طويلة على عناوين الصحافة العالمية. وفي ظلّ التباعد الكبير، لا بل التنافر الواضح بين النموذجين، سارعت وسائل الإعلام الأميركية إلى إهمال نموذج كلاي، وتسليط الأضواء على متين الذي أعلن مبايعته لـ«داعش»، وذلك من خلال مكالمة هاتفية خلال اللحظات الأخيرة من الهجوم. من هنا تأتي ظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين إسلاموفوبيا .

لقد ساهم الهجوم في تعزيز موقف تنظيم «داعش» الذي ادّعى تبنّيه عملية أورلاندو، على رغم عدم وجود أيّ دليل يربط بين مرتكب العملية والتنظيم. وقد نجزم بما لا يدع مجالاً للشك، بأن ادعاء تنظيم «داعش» مسؤوليته عن الهجوم إنما هو فقط لحفظ ماء الوجه، خصوصاً بعدما تكبّد عدداً من الهزائم المتوالية على يد القوات العراقية المحلية.

وعلاوة على ذلك، ساهم تصرّف متين في تغذية خطاب «صراع الحضارات» الذي يعتمده تنظيم «داعش» في تجنيده الشباب الساخط والنافر من الثقافة الغربية، والتي يرى أنها ترفضه. ثم، كان لتنامي فكر الإسلاموفوبيا في الغرب، دور كبير في اعتناق أولئك الشباب فكرة التطرّف عبر شبكة الإنترنت.

من هذا المنطلق يمكن القول إن نشر الخوف من الإسلام يعتبر أحد الأهداف طويلة المدى التي يحاول «داعش» تحقيقها، من خلال عملياته اللاإنسانية، مثل مذبحة أورلاندو وغيرها.

أظهرت المعلومات المتواترة حول شخصية متين، مثله مثل حال كثيرين من الأميركيين من أصول إسلامية متدينة سواء مهاجرة أو مولودة في الولايات المتحدة، أنه كان مصاباً بحالة انفصام الهوية أو ما شابه ذلك، والتي تنتج عن أكثر من صراع بين العزلة أو الانفتاح، الشيء الذي أدّى به إلى ارتكاب واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ البشرية، وهي جريمة القتل. وقد بدأ باغتيال ضميره أو ما تبقى منه، ليشرع بعد ذلك في قتل الناس، ليضع نهاية مأسوية له ولأسرته وأقربائه ومحيطه بأكمله. فقد أصبح سفك الدماء الحدّ الفاصل له بين الحياة والموت، فاختار الموت، من أجل الهروب من واقعه، حالماً بحياة أفضل، حتى ولو كانت سراباً بعيد المنال.

لقد بات متين يقف أمام ثلاثة خيارات: إما الاندماج في الثقافة الأميركية وتحرير نفسه من القيود التي فرضتها عليه أسرته، أو التقيد بتقاليد عائلته على حساب الاندماج في المجتمع الأميركي، أو البقاء في المنتصف عالقاً بين هويتين دون تحقيق التواجد التام، والإحساس بالأمان في أي منهما. وهذا النوع من الصراع الداخلي، متفشٍ بشكل كبير بين المسلمين القادمين إلى المجتمعات الغربية من البلدان ذات الغالبية المسلمة. فهو لا ينبع من فراغ، كما أنه يتزايد مع كل حادثة إرهابية تؤجج من مشاعر الإسلاموفوبيا.

لقد اختار متين خيار طريق التطرّف لمواجهة صراعه الداخلي وأزمة الهوية التي عاشها، ما جعله يقوم بارتكاب جريمته الشنعاء. وكما الحال مع كل هجوم إرهابي، تفاعلت المراكز الإسلامية في شتى أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا مع الحدث، فأصدرت بيانات تندّد بتصرّف متين، وتنأى بالإسلام والمسلمين عن تلك الجرائم العنيفة. غير أن هذه التصريحات تضع المسلمين بشكل لاإرادي، في موقف دفاعي، إن لم نقل في دائرة الاتهام بجريمة لم يكونوا طرفاً فيها، فالدفاع هنا، يعطي مبرّراً أكثر للهجوم على الإسلام.

وبالعودة إلى مفهوم الإسلاموفوبيا فهو ليس مجرّد خوف من الإرهاب، فلدى العالم الغربي تاريخ طويل من ربط الإسلام بالعنف. ويتبلور ذلك في نظرية إدوارد سعيد، حيث تعمق في تشخيصها في كتابه «الاستشراق»، بقوله: ليس من المبالغة القول إنه يُنظر إلى العرب المسلمين على أنهم إما مُوَرِّدوا نفط، أو إرهابيون محتملون. وبالمقارنة مع باقي حوادث إطلاق النار الجماعي في الغرب، يدرك المسلمون الحملات الشرسة من المجتمعات الغربية ضدّ دينهم عند كل عملية قتل. ورغم التنوّع، لا بل حتى الاختلاف بين الثقافات والمعتقدات والتفسيرات داخل الدين الإسلامي، إلا أن حالة الإسلاموفوبيا التي يتم إذكاؤها بين الحين والآخر داخل الرأي العام الغربي تضع الدين كله في بوتقة واحدة، إذ إنّ أيّ قاتل يحمل اسماً يوحي باعتناقه الإسلام، يصبح إرهابياً في نظر العالم الغربي، لكونه مسلماً، أكثر من كونه قاتلاً.

وعلاوة على ذلك، كشفت المناقشات الدائرة حول حالات إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة، عن هيمنة النظرة الاستشراقية للعقول الغربية، حيث أصيبت وسائل الإعلام بحالات من الهوس، لتقديم قصص مثيرة لجمهورها حول النزعات الشاذة لشخصية متين. كما أظهرت على السطح قصصاً أخرى، كانت تُردد في الماضي منذ عدة سنوات، مثل: المثلية الجنسية داخل «طالبان»، وزواج المسلم من حور العين في الجنة، إضافة إلى حديثها عن الرغبات المنحرفة لدى محمد عطا، وتركز هذه القصص على الكبت الجنسي الذي تنتجه الثقافة الإسلامية، ما يدفع بعض المسلمين إلى ارتكاب عمليات القتل.

يقول كل من جاسبر بوار وأميت راي، إن الانتقاد الثقافي عنصر بارز أيضاً، في دراسات الإرهاب، وذلك في شكل افتراض وجود بنية أسرية مختلة غير غربية . وتنص هذه النظرية على أن عائلات المهاجرين من غير البيض ـ مثل عائلة متين في أفغانستان ـ لديها تخلّف ثقافي يؤدّي بأبنائها إلى القهر النفسي.

عندما فتح ديلان روف، الرجل المسيحي الأبيض، النار بشكل عشوائي داخل كنيسة في تشارلستون وقتل عدداً من الأميركيين من العرق الأسود، كان لقضيته أكثر من وجه شبه مع قضية متين. فكلاهما مدفوعان بإحساس عميق بالذكورة والتسلط، إذ كان متين يعمل لأكبر شركة أمن في العالم، وكان حلمه أن يصبح ضابط شرطة، في حين رأت أيديولوجية روف أن ضحاياه يشكلون تهديداً للنساء البيض، وبالتالي بات يرى في نفسه «الشخص الحامي لهن.

إن معظم مرتكبي حوادث إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة هم في الواقع، من المسيحيين البيض، لا من المسلمين أو الأعراق الأخرى. وبغضّ النظر عن العرق، فإن الغالبية العظمى من حالات إطلاق النار التي يقوم بها الأميركيون من أصول أوروبية أو ما يطلق عليهم بالبيض، مثل: حالات ديلان روف، وروبرت لويس دير، وآرون آلِكسيس، وجورج زيمرمان، وآخرين، هي حالات مدفوعة برغبة عميقة في استعراض الذكورية أو الفحولة الرجولية. إلا أن التصوير الإعلامي المختلف لكل حادثة، يحجب بشكل أو بآخر، رؤية أوجه التشابه. وبالفعل، فقد قام الرأي العام والإعلام الذي يغذيه بتصنيف هجوم روف على أنه جريمة كراهية وتصرّف شخص مختل عقلياً. وبعكس المراكز الإسلامية التي تتسابق في تبرئة الإسلام من حوادث يقوم بها مسلمون، لم تشعر الطوائف المسيحية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين بأنها ملزمة بالإدلاء ببيانات لإدانة أفعال روف، أو النأي بنفسها عن كراهيته.

لقد عمل الإعلام الغربي على إبراز الاختلافات الدلالية بين الجريمتين، لتبدو اختلافات واضحة المعالم، حيث تعمدت عملية المقارنة التركيز على وجود فردانية، أو إصباغ الحادث بنزعة فردية لدى مطلقي النار البيض، لتصنف جريمة روف على أنها عمل فردي، في حين جرى وضع هجوم متين ـ المشابه لهجوم روف وإن كان ضحاياه أكثر بكثير ـ ضمن سياق أكبر، يجعله جزءاً من سلسلة هجمات إرهابية يقوم بها مسلمون أو شرق أوسطيون، يعملون لصالح تنظيم «داعش» أو تنظيم «القاعدة». وحتى أن تحذيرات الرئيس أوباما من فكرة الربط بين متين و تنظيم «داعش»، واجهت انتقادات لاذعة، ما يؤكّد ازدواج المعايير لدى الإعلام الأميركي بل حتى في أعقاب مجزرة أورلاندو، لم يتحدث أحد بالنبرة الانفعالية نفسها، عندما اعتُقِلَ رجل أبيض ومعه ذخيرة في مهرجان لوس أنجلس للمثليين. ولنتخيل لبرهة، ماذا كان سيحدث، لو أن هذا الرجل ـ والذي كان بالفعل، يخطّط لهجوم مشابه لهجوم أورلاندو ـ كان يحمل اسماً مسلماً؟ بالطبع، ما كان التوجه العام ليتوانى عن الحديث عن هجومه بشكل جنوني، مع وصفه بصفة الإرهاب أو المخطط الإرهابي «الداعشي». وهكذا، يحجب الإعلام عنصر الفردية أو الفردانية عن أفعال الأميركيين المسلمين، ما يساهم في تعبيد الطريق للمتطرّفين لتنفيذ عمليات القتل على نطاق أكبر.

إن هذا التقسيم العنصري للعنف لا يجعل للإرهاب صلة وثيقة بالأشخاص ذوي خلفيات إسلامية أو شرق أوسطية فحسب، بل إنه يقلل أيضاً من هول عدد من عمليات القتل الجماعي في الولايات المتحدة التي يرتكبها الرجال البيض بواسطة الرصاص، بمن فيهم هؤلاء الذين يمتلكون السلطة، كرجال الشرطة مثلاً. كما أن هذه الحالة من ازدواجية المعايير التي يقدمها الإعلام الغربي عن أولئك المعرضين للتطرف، تتعارض مع الصورة التقليدية للولايات المتحدة باعتبارها مدافعاً عن الحرية والديمقراطية، كما أنها تجعل من تنظيم «داعش» مجتمعاً تخيلياً غير محدد بإقليم، الأمر الذي يشجع أي شخص يريد أن يتحدى القواعد الاجتماعية، على التصريح علناً بانتمائه لهذا التنظيم.

تتزايد الحاجة لردّ فعل مجتمعي، ليس فقط لدحض الإرهاب فحسب، بل لتجفيف منابعه واقتلاع جذوره أيضاً. وكما أظهرت الأسابيع القليلة الماضية، لجأ تنظيم «داعش» إلى شن هجمات «الذئب الوحيد» لحفظ ماء الوجه، وذلك بعدما تكبد خسائر على مستوى الأفراد والجوانب اللوجستية والعسكرية. فالحملة التي شنها الجيش العراقي على الفلوجة وتكريت والرمادي وأخيراً الموصل، إضافة لعملية ضبط وتشديد القبضة الأمنية على الحدود التركية، كانت ذات أثر شديد، دفع التنظيم إلى تجنيد مقاتليه عبر شبكة الإنترنت الافتراضية.

ومع انحسار تنظيم «داعش» في تلك البقاع من سورية والعراق، قد يلجأ لشنّ هجمات ما يعرف بـ«الكرّ والفرّ»، إلى جانب العمليات الانتحارية على غرار تلك التي يشنّها تنظيم «القاعدة»، مع التركيز على أهداف ورعايا غربيين في بلدان عربية أو غربية على السواء. ورغم النكسات التي يواجهها تنظيم «داعش»على الأرض، فإن ذلك لن يؤثر بشكل كبير على قدرته على تجنيد وإلهام متطرّفين جدد عبر الإنترنت، خصوصاً أنه حقّق نجاحات لم يسبقه لها مثيل في هذا المجال. كما أن الخسائر العسكرية التي تكبدها لم تمنع مؤيديه في الولايات المتحدة من تنفيذ هجمات دموية أخرى، علماً أنه لا ينوى حالياً مغادرة الشرق الأوسط. ففي فترة زمنية لا تتجاوز السنة، شهدت تونس ومصر وتركيا ولبنان والعراق، عدداً كبيراً من الهجمات التي استهدفت المناطق التي يقطنها المواطنون الغربيون أو الشيعة.

وبالفعل، أثبت تنظيم «داعش» خلال الشهور القليلة الماضية عدم حاجته إلى وجود فعليّ على أراضي الدول المجاورة أو الغربية، لسفك المزيد من الدماء وخلق حالة من الرعب، إذ ليس هناك أسهل من تلك الشبكة العنكبوتية لتجنيد الشباب، فهي وسيلة أقل خطورة، وأرخص مادياً وتحقق نتائج منقطعة النظير. فالخطوط الواهية بين من يريد القيام بعمل فردي، أو التابع لتنظيم «داعش» جزئياً أو كلياً، غير مؤثرة على النتيجة النهائية. ويُظهر ذلك أيضاً أن العيش في منطقة الشرق الأوسط لا يشكل أي فارق في التطرّف، إذ إن من ينشأ في الولايات المتحدة أو أوروبا أو بنغلادش قادر أيضاً، على الحصول على أرض خصبة بما يكفي للتطرّف.

وهكذا، فمن أجل التصدّي بفعالية لهذا الإرهاب المنظّم، لا بدّ من فهم ما الذي جعل متين يختار التطرّف على حساب الاندماج في المجتمع، وفهم الأسباب التي أدّت إلى تزايد شعبية تنظيم «داعش» في المرحلة التي تلت اضطرابات «الربيع العربي». فهذا التنظيم يقتات على شعور الشباب بالظلم مع استمرارية الصراع بين الاستبداد والديمقراطية، واستمرارية الحكام المستبدين في المنطقة العربية، والذين فشلوا في احتواء التطرف الراديكالي الذي يتزايد في المجتمعات المحرومة.

إن الجزء الأكبر من قوات تنظيم «داعش» في سورية والعراق يأتي من محافظات كانت مهمشة لعقود، أي: سيناء، وجنوب تونس، وبؤر التوتر المشتركة في ليبيا وسورية والعراق. ومن ناحية أخرى، أدى سحق الإسلاميين المعتدلين إلى خلق فراغ ملأه تنظيم «داعش» بكل فخر. وحتى مع تراجع قوة التنظيم في سورية والعراق، سيجد المتشدّدون ملاذا آمناً في البلدان المجاورة، خصوصاً تلك التي تنوء بالصراعات.

يمكن للمجتمع الدولي أن يضع استراتيجية مضادة ترتكز على فهم استراتيجيات تنظيم «داعش» التي تتعدد أشكالها وفقاً للمنطقة الموجود فيها. كما يجب الوصول إلى استراتيجيات لوأد عمليات التطرّف في مهدها أو عبر الإنترنت. وثمة وسائل واستراتيجيات يجب تطبيقها لدحض تنظيم «داعش». من ضمنها، على سبيل المثال لا الحصر، الحدّ من ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تبرز إلى السطح مع تواصل هجمات «داعش» البربرية، وبعد ذلك، ينبغي تشجيع المزيد من التكامل والاندماج للمجتمع المسلم في نسيج المتجمع الأميركي، بما في ذلك المهاجرين الجدد.

إن حل تلك المشكلة معقد للغاية، حيث تحتاج منطقة الشرق الأوسط إلى استراتيجيات مبتكرة لتدمير المعاقل العابرة للحدود، ما يعني وجوب التعاون الإقليمي لإغلاق الحدود التي يسهل اختراقها. أما داخلياً، فينبغي على الدول العربية انتهاج سياسة إصلاحية على كافة الأصعدة لدعم الحكم الرشيد وتحسين حالة حقوق الإنسان المتدهورة في مجتمعاتها، مما قد يساهم في الحد من نفوذ التطرّف الإسلامي في المجتمعات الضعيفة.

ومن ناحية أخرى، يتوجب على الغرب تطبيق سياسة عادلة في الشرق الأوسط تشمل الصراع العربي ـ «الإسرائيلي». وعوضاً عن دعم أنظمة استبدادية، يجب على الغرب الضغط على تلك الأنظمة لدعم الديمقراطية ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان. وبالنظر إلى الحالة المصرية على سبيل المثال، زاد تأييد تنظيم «داعش» بشكل كبير بعد أن تحولت المكاسب الديمقراطية المفترضة بعد «الربيع العربي» إلى حكم عسكري يقوده السيسي، وقام فيه باستبعاد القوى الأخرى، وقمع كلاً من الإسلاميين المعتدلين والليبراليين الذين نادوا بالثورة واتبعوا المسار الديمقراطي. ونتيجة لذلك، حصل سفك دماء لم يسبق له مثيل، وأُغلقت كل الأماكن السياسية. وقد أدين السيسي دولياً لارتكابه انتهاكات في مجال حقوق الإنسان ضد شعبه. وفي الوقت نفسه وجد الإسلام الراديكالي تربة خصبة للبحث عن مصلحته. وهكذا نرى كيف أن تنظيم «داعش» يقوم في الغرب بتجنيد ضحايا الإسلاموفوبيا، بينما يقوم في الشرق الأوسط بتجنيد ضحايا الدكتاتورية الوحشية. ويَعِد تنظيم «داعش» المتعاطفين معه بمجال جديد للعدالة التي لا توجد إلا في الآخرة. وبالتالي، ما يدعوه الغرب بالهجمات الانتحارية، يدعوه تنظيم «داعش» بـ«الشهادة» وهي الهدف الأسمى لأيّ مسلم، وكلّما بيّن الشخص عن شجاعة أكبر، كلما زادت المكافآت الدينية التي يحصل عليها.

وفي الواقع، يعتمد «داعش» على ردّ الفعل السلبي ضدّ المسلمين للوصول إلى أشخاص غربيين على استعداد لتنفيذ مزيد من الهجمات الفردية على أساس مفهوم «الشهادة» الذي يتبناه التنظيم. ونظراً إلى التدقيق الصارم في المطارات الدولية، يمثل المواطنون الغربيون الذين تطرّفوا بأنفسهم بإلهام من تنظيم «داعش» ـ خيارات أفضل للتنظيم حيث يصعب على قوات الأمن تعقبهم أو اكتشافهم.

ومن خلال اعتماد ردّ فعل موحّد لمواجهة الهجمات التي يشنّها المتطرّفون الذين ينشأون في مجتمعات محرومة في الغرب، يمكن للولايات المتحدة أن تتفادى المزيد من التهميش وربما منع أولئك المعرّضين لخطر التطرّف.

إلا أن ما سبق يتطلب التعمق في الثقافة الأميركية، وهو أمر هائل. على الأميركيين ـ كمجتمع ـ التساؤل حول المسؤولية التي يتحملها مجتمعهم تجاه عدم الاستقرار والفوضى التي خلفها التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط. قد يكون على الأميركيين أيضاً طرح أسئلة حول دعم الولايات المتحدة للحكومة السعودية التي أصّلت الفكر الوهابي المتطرّف الذي يتبنّاه تنظيم «داعش».

على الأميركيين التصالح مع حقيقة أن ما قام به متين، كان تصرفاً أميركي الطابع مشتقاً من الخوف من المثليين والمتحوّلين جنسياً والعنف المنتشر في الولايات المتحدة. كما يجب عدم التقليل من عنف الجماعات الراديكالية التي تتبنى الإسلام، أو من مسألة الخوف من المثلية الجنسية التي يعاني منها الشرق الأوسط، وبالتالي النظر إلى الهجوم على أنه مثال آخر للإرهاب المحلي الذي يستهدف كل من يختلف عن المنظور الأبوي والجنسي التقليدي. يجب على أولئك الذين يأملون في تقليل حوادث إطلاق النار الجماعي في أميركا التساؤل حول نفاق مبدأ الاستثنائية الذي يعتبر الولايات المتحدة معقل الحرّية والتقدّم.

إن وقوع هجمات فردية إضافية، بتحريض من دعاية تنظيم «داعش»، أمر لا مفر منه. ولكن الأمر متروك للولايات المتحدة وردود الفعل الغربية لتحديد ما إذا كان تنظيم «داعش» سيحقّق أهدافه طويلة الأجل في تحويل الكراهية إلى ثقافة حرب يشرعها الطرف الآخر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى