تفاصيل صغيرة

كم من موقف صادفنا في الحياة، وقفنا أمامه حيارى يتنازعنا مبدآن: الأول يكرّس قاعدة «عامل الناس كما تحبّ أن يعاملوك»، والآخر يرى المنطق في قاعدة «عامل الناس كما يعاملوك»… أين لبّ المشكلة؟

المشكلة تكمن بادئ ذي بدء في الصراع الدائر في داخلنا من جهة، والآثار النفسية وانعكاساتها التي تصيبنا نتيجة تبنّينا أيّ من المبدأين من جهة ثانية.

فالمبدأ الأول يكرّس قاعدة الانتصار لقيم الشخص وأخلاقه، في حين أن انجراره وراء المبدأ الثاني يشعره بالإنصاف. القاعدة الأولى تحوّل الإنسان إلى مثال يحتذى به، أما الثانية فهي نتاج قناعته أن لا أمل في تغيير طباع الناس نحو الأفضل. لذلك «داوِها بالتي كانت هي الداء». الأولى تؤكّد أن السقوط الأخلاقي والإنساني لدى البعض لن يرتفع منسوبه ليصل إليك. والثانية تروّج لفكرة أنّ الأسود أهمّ من الأبيض، والشرّ أقوى من الخير، وأنّ العين بالعين والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم.

لعلّ من المفارقات الصعبة في الحياة أن نحاول إسقاط موروثنا الثقافي والأخلاقي وحتى الديني على سلوكنا. كما أنه في الوقت ذاته من المحال أن نفصل سلوكنا عن ذاك الموروث، إذ إنّ السلوك ما هو إلا ترجمة لتلك الموروثات. إذاً، أين الحلّ؟

الحل أن نتمتّع بالمرونة والقوّة اللتين تجعلاننا نحافظ على قيمنا الإنسانية والأخلاقية من جهة، وتجعلاننا نتصدّى لمحاولة الآخرين جرّنا إلى مستنقعهم من جهة أخرى.

فالأخلاق صارت تسمّى في زمن السقوط ضعفاً، والحقّ لم يعد قائماً بذاته، إنما بحاجة إلى قوّة تحميه وتدفع عنه غربان الباطل… ويبقى أضعف الإيمان ألا نسمح لمن لا يستطيع الارتقاء إلينا، أن ينجح في سحبنا إلى مستنقع فساده.

كن أنت، كن ذاتك. وليكن الآخر كما يشاء… وللحديث تتمة.

منى عبد الكريم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى