هزيمة تموز والفشل في سورية والقلق الصهيوني من تنامي قوة محور المقاومة
حسن حردان
مَن يتابع السجالات والتعليقات ومراكز البحث الصهيونية يلحظ أنّ زلزال هزيمة الجيش «الإسرائيلي» في عدوان تموز سنة 2006، لا يزال مخيّماً على الكيان الصهيوني، الذي لم يتمكّن من تجاوز تداعياته وكسر المعادلة التي كرّستها المقاومة في مواجهته، ويظهر ذلك من خلال تركيز الجهود «الإسرائيلية» السياسية والعسكرية، والأمنية لأجل الخروج من هذا الواقع الذي بات يكبّل القوة الصهيونية ويجعلها في وضع العاجز عن ضمان تحقيق النصر في أيّ حرب مقبلة تقدم عليها، وهو أمر يقلق القادة الصهاينة ويدفعهم إلى البحث عن سبل التحرّر من هذا الواقع الذي لم تعتد عليه «إسرائيل» منذ اغتصابها أرض فلسطين سنة 1948. فالقوة الصهيونية قبل هزيمة تموز كانت تصول وتجول وتعتدي على لبنان متى تشاء، وتشنّ الحروب وهي واثقة من تحقيق النصر، أما بعد حرب تموز فقد انتهى هذا الزمن وتحطمت أسطورة الجيش «الإسرائيلي» الذي لم يعد يثق بقدرته على تحقيق النصر فيما لو ذهب مجدّداً الى الحرب ضدّ المقاومة، وهو ما تأكد في قطاع غزة عام 2014 عندما حاول استعادة قوته الردعية وفشل.
فـ «إسرائيل» التي اعتادت مواجهة جيوش «وجدت نفسها في وضع مربك وهي تواجه مقاومة تستخدم أساليب حرب العصابات على نطاق واسع، وأدائها الرئيسي إطلاق نار منحني المسار بشدة ودقة، وبكميات تتزايد باستمرار»، وفي هذا الإطار ذكرت مجلة الجيش ـ الاستراتيجيا «التي تصدر عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي» «أنّ تخلي «إسرائيل» عن السياسة العسكرية الهجومية قاد إلى تنامي الخطر بشكل لا كابح له، وتجلى في امتلاك حزب الله وسائل إطلاق كثيرة، وفي حرب لبنان الثانية قررت «إسرائيل» عملياً التوقف عن سياسة الاحتواء، ولذلك اضطرت لمواجهة خطر أشدّ تطوّراً من دون عوائق، واليوم لم تعد المستوطنات الحدودية في خط النار بل صار معظم سكان «إسرائيل» في مرمى نيران منحنية المسار».
على أنّ المجلة طرحت سؤالاً، بات هاجساً «إسرائيلياً» دائماً، حول الأدوات التي يمكن لـ «إسرائيل» اليوم استخدامها لتحقيق الأهداف التي رسمتها نظرية الأمن القومي التي صاغها بن غوريون، وتستند إلى توسيع المساهمة الزمنية بين جولات المواجهة، وتقليل مدة وأضرار كلّ جولة بما يعني التركيز على الردع.
ورغم التدريبات، وعمليات التسلح المتزايدة التي يقوم بها الجيش «الإسرائيلي» في إطار الاستفادة من دروس وعبر حرب لبنان الثانية إلا أنه لا يزال يبحث عن كيفية مواجهة «راجمات وذخائر كبيرة جداً، وموزعة على مناطق شاسعة وسبل إسكات نيران المقاومة عن طريق ضرب الراجمات». وهو ما يتطلب حسب المجلة المذكورة «عملاً مشتركاً يشمل أربعة مقومات اثنان منها هجوميان والآخران دفاعيان»، وترى المجلة «أنّ المقوّمين الهجوميين هما توجيه ضربة نارية مدمّرة لقدرات العدو العسكرية، وبناه التحتية والتنظيمية من أجل إبقاء الضرر في الذاكرة لأطول فترة والمناورة بالنار والحركة لتقليص حجم الإطلاقات على «إسرائيل»، أما المقومان الدفاعيان فهما استخدام منظومات اعتراض الصواريخ وتقليص أثر الإطلاقات على الحياة المدنية.
لكن رغم كلّ التغييرات التي أحدثها الجيش «الإسرائيلي» على مستوى أنماط التفكير وطرق بناء القوة وتفعيلها فإنّ الكيان الصهيوني لا يزال خاضعاً لأجواء عدم الراحة والاطمئنان نتيجة تنامي القدرات الكمية والنوعية للمقاومة في لبنان، حيث أشار الكثير من الخبراء الصهاينة إلى أنّ حزب الله قد ضاعف قوته أربع مرات في حين أنّ الكيان الصهيوني لن يُضيف جديداً إلى قوته التدميرية المعروفة.
ومن الواضح أن ليس هناك في الكيان الصهيوني مَن هو مقتنع بأنّ الجيش «الإسرائيلي» قد تجاوز عقدة تموز، أو أنه قادر على تحقيق النصر إذا أقدم على شنّ حرب جديدة ضدّ لبنان، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: الجاهزية العالية للمقاومة التي تجعل الجيش «الإسرائيلي» غير قادر على أخذها على حين غرة، وهذه الجاهزية باتت تشكل أحد مصادر قوة المقاومة التي تجنّبها الضربات المفاجئة، وتحمي قدراتها، وتجعلها في وضع القادر على الردّ سريعاً على أيّ عدوان يستهدفها من دون أيّ ارتباك.
ثانياً: امتلاك المقاومة المزيد من القدرات التي تمكّنها من توجيه ضربات موجعة للكيان الصهيوني في أيّ نقطة من فلسطين المحتلة، وهو ما أعلن عنه أمين عام حزب الله السيد نصرالله الذي كشف عن قدرة المقاومة على الردّ بالمثل على أيّ عدوان صهيوني، ما يؤشر الى تزايد القدرة الردعية للمقاومة.
ثالثاً: عدم نجاح الكيان الصهيوني في إيجاد تقنية عسكرية تستطيع منع سقوط صواريخ المقاومة على المناطق، والمنشآت الحيوية «الإسرائيلية»، وما يُحكى عن منظومة «القبة الحديدية» لا يعدو مجرد كلام للاستهلاك ورفع المعنويات ومحاولة إظهار وكأنّ الجيش «الإسرائيلي» بات قادراً على حماية الداخل الصهيوني.
رابعاً: الفرق الشاسع في الروح المعنوية بين رجال المقاومة، والجنود الصهاينة، فالمقاومون يتمتعون بروح معنوية عالية وهم مستعدون للشهادة دون تردّد، لأنهم ينطلقون في مقاومتهم من إيمانهم بعدالة قضيتهم وأنهم يدافعون عن الحق، أما معنويات جنود العدو فهي منهارة، حيث لا تزال تسيطر عليهم كوابيس المواجهات الصعبة مع رجال المقاومة في بنت جبيل ومارون الراس والخيام وعيتا الشعب والغندورية، والتي تكبّدوا خلالها خسائر جسيمة إلى جانب كون هؤلاء الجنود ليس لديهم الدافع، والاستعداد للتضحية بحياتهم لعدم قناعتهم بأنهم يقاتلون لأجل قضية عادلة.
وإذا كانت هذه الأسباب المذكورة تشكل عقدة بالنسبة للجيش «الإسرائيلي» تجعله مقيّداً ومكبّلاً بفعل معادلة توازن الردع والرعب التي فرضتها المقاومة في الصراع معه والتي تكرّست في حرب تموز، واستطراداً تجعله غير متحمّس لشنّ الحرب على لبنان خوفاً من الفشل مجدّداً ومخاطر ذلك على الكيان الصهيوني ومستقبل وجوده. فإنّ محاولات استبدال الحرب العسكرية بحروب غير مباشرة لمحاصرة المقاومة وإجهاض انتصارها، تواجه هي الأخرى الفشل، ويظهر ذلك من خلال:
ا ـ فشل الحرب الإرهابية التكفيرية في إسقاط الدولة السورية المقاومة كمقدّمة للقضاء على قوى المقاومة في كلّ المنطقة وتعويم مشروع الهيمنة الأميركي على المنطقة والعالم، وتصفية القضية الفلسطينية لمصلحة المشروع الصهيوني، وبدأ هذا الفشل يثير القلق والخوف لدى قادة العدو الصهيوني من تعزيز قوة محور المقاومة وتفاقم المأزق الاستراتيجي والتكتيكي للكيان الصهيوني.
2 ـ نشوء محور إقليمي دولي جديد من رحم الحرب على سورية، تجسّد بالتحالف السياسي والعسكري الروسي الإيراني السوري العراقي والمدعوم من دول «بريكس»، ونجاحه في فرض توازن عسكري استراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها. وهو ما أدّى إلى تعزيز صمود محور المقاومة وزيادة قوته والإخلال بموازين القوى في سورية والمنطقة لمصلحته.
انطلاقاً مما تقدّم بمكن القول بأنّ الكيان الصهيوني، رغم مرور عشر سنوات على هزيمته في حرب تموز عام 2006، ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها لتجاوز تداعيات هذه الحرب، إلا أنه فشل في استعادة قدرته الردعية والثقة بجيشه على تحقيق النصر، وهو ما عكسه موقف المستوطنين الصهاينة في جنوب فلسطين المحتلة وكذلك شهادات الجنود الصهاينة في ذكرى الحرب الذي استذكروا مجدّداً الكوابيس التي عاشوها والمواجهات التي خاضوها في مقابل رجال المقاومة الذين لقنوهم دروساً في القتال لم يواجهوا مثلها في حروبهم السابقة.