تسونامي التحوّل التركي… الميدان السوري لمن صاغ التحالفات وغلب في معركة النار والحطب
د. محمد بكر
تمخضت ثمرة اللقاء التركي – الروسي كالجبل، لتلد «عملاقاً» سياسياً وعسكرياً من التحوّل، بدأ كـ»تسونامي» جارف مهّدت له جملة من الكلام الناعم وطيب القول، لرئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، حول الرئيس الأسد وكيف ترى فيه تركيا لاعباً رئيساً في الأزمة. بدورها، مضت عملية «درع الفرات» قدماً في الشمال، عينها بالفم الملآن، كما قال أردوغان، على «داعش» والأكراد، وحصدت سيلاً من المباركات الغربية، تحوّلت معها كلّ مؤشرات القطيعة والتنافر إلى تبريكات ودعم، من الخارجية الألمانية إلى نائب الرئيس الأميركي جو بايدن…
يكتشف المرء أن لا محرمات في لعبة السياسة، والمستحيل فيها يغدو ممكناً، إعتذر بايدن لأردوغان عن تصريحات كان قد أتهم بها تركيا بدعم تنظيمات إرهابية، مؤكداً دعمه لتركيا في السيطرة على كامل حدودها، ومن عدّه أوباما، في السابق، فاشلاً وديكتاتوراً، أصبحت أميركا، اليوم، من أوفى أصدقائه، بحسب بايدن. في حين دعمت ألمانيا العملية العسكرية التركية، وهي التي أصدرت بياناً من قبل، أتهمت فيه تركيا بالاتهام الأميركي ذاته لأردوغان. وحدها موسكو قلقت من تدخل الأتراك عسكرياً، قلقٌ بعيدٌ في اعتقادنا عن لغة المنتصر والداعم للكرد، وإن كلّ الحمية التركية ثارت بعد أن أوقدت تحتها اليد الروسية.
تدرك الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن العمود الفقري للتحوّل في الأزمة السورية هو تركيا، وانّ نجاح الروس في تعزيز حلفهم بضمّ الجانب التركي تحت جناحهم، سيزيد الحضور الروسي الدولي إقتصادياً وسياسياً، لذا تغدو المراوغة والاستثمار في ورقة «داعش» وغير «داعش» إنتحارا سياسيا. ولذا كان لزاماً على التحوّل والداعم لجديد، أردوغان، أن يتكاثر بهذه الصورة الفريدة، لا سيما عندما ترخي التسويات بأحمالها. هنا تبدو المؤشرات الفعلية، التي تحدثت عنها الخارجية الروسية، لجهة أنّ التعاون الأميركي – الروسي سيكتمل في سورية، بنجاح محطة للوقوف عندها وحولها، وعلى أيّ قاعدة ستنطلق منها، أولها، ما وضعه الروس في الملعب الأميركي لجهة أن تبادر واشنطن للتحرك ضدّ جبهة فتح الشام النصرة سابقاً ، وثانيها، كيفية الصرف السياسي للانجاز الميداني للجيش الحر المدعوم تركياً، في السيطرة على الشمال، لجهة الانخراط في الجديد التركي، على قاعدة ما طرحه يلدريم حول تشكيل حكومة سورية شاملة دون الإشارة لتنحي الأسد ، أيّ حكومة تحت جناح الأسد. ومن هنا نقرأ ونفهم ما جاء في الدراسة التي قدّمها معهد واشنطن، بأنّ أردوغان قد يواجه ضغطاً داخلياً للتخلي عن المعارضة السورية التي تقاتل في حلب، وأنّ بوتين قادر على إغرائه، سواء برفع العقوبات، وكذلك الاستفادة من نفوذ بوتين السياسي في جمهوريات آسيا الوسطى، حيث التواجد الرئيس والقوي لشركات وثقل فتح الله غولن خارج تركيا. وعليه، فإنّ أردوغان مقدم على الارتماء في الأحضان الروسية نهائياً.
في معركة النار الملتهبة في سورية، وفي تقاذف الحمم الدولية في الميدان السوري، لا نعرف إن كانت الولايات المتحدة قد أنهت الاستثمار في «داعش» ضدّ الروس أم لا. وهل إنتهى بالفعل، ما كانت قد هدّدت به الروس، على لسان كيري، بالمستنقع السوري، أم أنّ مياهه قد جفت جزئياً أمام الانعطافة التركية؟
المعلوم في اعتقادنا أنّ لهذه النار حطبها، التي ستشكل «داعش» في النهاية، وكذلك الأكراد، والمعارضة السورية، ممّن لا ينصاع لنواتج الجديد التركي، سيشكلون قوامها الرئيس في لعبة دولية قذرة يفرض حلولها ويرسم خواتيمها من صاغ التحالفات بشكلها الصحيح والمتين، لكن كلّ ذلك، للأسف، جرى تصنيعه وصياغته وتشكيله بعد تدمير سورية وتهجير أكثر من نصف شعبها.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com