هل نعى نواب الحريري تسميته رئيساً للوزراء؟
روزانا رمَّال
يتحدث وزير الداخلية نهاد المشنوق بثقة عن اجراء الانتخابات النيابية في موعدها وهو نفسه الذي كان قلقاً من إجرائها في موعديها السابقين لأسباب «امنية» ما اضطر للتعامل مع تمديدين استثنائيين من تاريخ البلاد. وهنا وقبل الدخول في السؤال عن «الذي تغيّر»، يبدو المشنوق واثقاً أن شيئاً غير قابل لإلغاء هذا الاستحقاق هذه المرة.
وبعيداً عن الحساب الشخصي لكل الساعين لرئاسة الوزراء المستحدَثين والذين يرفضون الإشهار بهذا في «المستقبل» تبدو الانتخابات النيابية ضرورة لإتمام هذه الوصفة السحرية التي اصبحت معضلة اللبنانيين فلم تعد تبدو الازمة الرئاسية معضلة البلاد بوجود ملامح ضياع «سني» إقليمي في المنطقة غير قابل لحلحلة لبنانية منفردة، بالتالي فإن أي إيجابية تجاه طرح أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في مسألة فكفكة العقد اللبنانية بين رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة ليس إلا إحراجاً للفريق السني في المنطقة المتمثل بالفريق السعودي، وليس إلا كشفاً بالمقابل للارتياح الذي يظهره حلفاء إيران مثل حزب الله في تعاطيهم مع استحقاقاتهم الداخلية. بالتالي فإن القيود التي تعرقل تسمية رئيس للوزراء باتت كلمة السر في المعادلة اللبنانية، فلا رئيس للجمهورية حتى اللحظة بسبب عدم الاتفاق على هوية رئيس الوزراء.
وبالعودة الى الانتخابات النيابية المقبلة في حزيران 2017 أكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق امام وفد من «الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات «على اجراء الانتخابات النيابية في موعدها»، مشيرا الى ان الوزارة تبني على إنجاز الانتخابات البلدية والاختيارية في ايار الماضي من اجل اتمام العملية الانتخابية.
لم يشرح المشنوق للوفد ظروف نجاح الداخلية بإنجاز الاستحقاق البلدي، وما اذا كانت المباركة الخارجية حاضرة حينها ام لا، واذا كانت المباركة نفسها هي التي منعت أي خلاف أو حدث أمني يحول دون المضي فيها لتكون بذاتها مقياساً ومفصلاً يُبنى عليه للانتخابات النيابية، كما يُكرّر في مجالسه، وإذا كان المقياس هنا هو العامل الأمني فإن الوجه الآخر له وما يعني المشنوق وزملاءه هو قياس شعبية تيار المستقبل الذي لم يعد هو نفسه، بعد كلّ هذه السنوات الصعبة التي مرّت على المنطقة، وخصوصاً سوريا وبعد كل المتغيرات التي عصفت بالقدرة الداخلية للتيار مالياً وسياسياً في ظل التغيير الكبير الذي تعيشه الإدارة الحاكمة في السعودية، فالوجوه القديمة التي اعتاد عليها المستقبل في زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ذهبت هي الأخرى معه الى العالم الآخر الذي يفترض من الحريري قراءة مغايرة.
يزور الحريري أنقرة وجعبته فارغة من أي إيجابية تجاه الملفين الرئاسي والحكومي وفي وقت تبدو الزيارة بحسب المصادر اقتصادية تتعلق بشركة اوجيه تليكوم الذي يتشارك فيها الحريري مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فإن للزيارة ايضاً دلالات عديدة لا تحمل في طياتها «إخباراً «سعودياً عنها لتبدو رسالة للرياض يخشى الحريري في الإفصاح عن مضمونها الاستفزازي في وقت تنشدّ الأعين نحو انقرة كمرجعية كسرت طوق العزلة السياسية الأحادي الوجه متوجهة نحو استدارة سياسية في الملف السوري يريد الحريري على أساسه فهم النيات السعودية قبل اتخاذ أي قرار متبقٍّ.
واذا كان اردوغان قد اعلن نيته المضي في ما يخدم وحدة الأراضي السورية والاشتراك مع دمشق في المشروع نفسه الرافض لنشوء كيان كردي، فإنه يضع نفسه بطريقة أو بأخرى على أرضية مشتركة مع الرئيس السوري، بالتالي فإن روحية اللقاء الذي يجمع الحريري بأردوغان لن تخرج عن السياق المؤسس لهدنة بالحد الأدنى مع النظام السوري. وهذا ما يقلق الحريري أكثر محلياً في ظل غياب قدرته على حسم دعمه لمرشح رئاسي مقابل عودته رئيساً للحكومة.
يكشف مستشار الحريري النائب غطاس خوري بشكل لافت عن «أن رئاسة الحكومة ليست من أهداف الحريري، والأمر متعلق بالاستشارات النيابية»، مضيفاً ان «تيار المستقبل لا يطلب ضمانات حول الموضوع».. كلام خوري يحمل في طياته أمرين الاول: اما ان يكون الحريري قد نعى لتياره وللبنانيين قدرته على الوصول للرئاسة بشكل استباقي نظراً لاستشرافه للمجهول السعودي بهذا الاطار والامر الثاني ان يكون نواب المستقبل لم يعد يرون في الحريري ممثلا وحيدا لهم أو ربما الاقوى القادر على تنفيذ السياسات السعودية. وهنا تتكشف مسألة «طاعة» نواب المستقبل للحريري الذي تشير مصادر مقربة لـ «البناء» منه الى ازدياد الخلافات الحاصلة بالجلسات حول أكثر من طرح للحريري بين مسألة الرئاسة وقانون الانتخاب وغيرها. وهذا ما لم يكن يحصل في عهد الرئيس رفيق الحريري الذي لم يكن يناقشه أحد في أي قرار أو موقف تسليماً بقدرات الرئيس وقوته محلياً ودولياً.
يحاول المشنوق التركيز على مسألة الانتخابات، وكأن هناك من يريد إبقاء البلاد معلقة حتى تلك اللحظة المصيرية، واذا كان الهدف من الجزم بحصول الانتخابات احتراماً لموعده، فإن هذا الأمر لم يعد يمر عند اللبنانيين الذين شهدوا خرق الدستور مرتين، بالتالي فإن معطيات المشنوق او ربما تعليمات الإدارة السعودية تجد فيه وفي غيره أسماء ممكنة لخلف الرئيس الحريري من دون نسيان الوزير المستقيل أشرف ريفي الذي أثبتت الانتخابات البلدية في طرابلس شعبيته الوازنة، ما يفتح السؤال على امكانية ترك الملف اللبناني عالقاً للحظة الانتخابات او ربما امكانية إجراء انتخابات مبكرة تحدد هي هوية رئيس الوزراء المقبل. فالحريري لم يعد الخيار الاول عند المملكة في سرائها وضرائها.