الوطن والمقاومة والانتصار والحبّ… جوليا بطرس
خطفت الفنانة المقاوِمة جوليا بطرس الأنظار خلال حفلها على مسرح مارينا ضبيّة، الذي بُني خصيّصاً للحفل. هناك، حيث كان الآلاف على موعدٍ مع فنانة استثنائية برقيّها وصوتها الصدّاح، حضرت جوليا وطناً ومقاومةً وانتصاراً.
هناك، استمتع حوالى ثمانية آلاف شخص بصوت جوليا المميّز، وإطلالتها الساحرة، والموسيقى الآسرة التي عزفتها أوركسترا ضخمة مؤلّفة من حوالى 120 عازفاً ومُنشداً بقيادة هاروت فازليان والتي لم نشهد لها مثيل!
تأثّر الجمهور بكلمتها الصادقة عن شهداء لبنان وسورية والعراق، ناقلةً من خلال فنّها الراقي وأغانيها الأزلية صوتَ الشعب والحرّية، وحقوق الإنسان في الحرّية من نير الاستعمار والاحتلال، كما نقلت الوطنَ منتصراً على العدوّ، أبياً لا يرضى القبر مكاناً له تحت الشمس.
تضمّن المهرجان مجموعة من أغاني جوليا القديمة والجديدة، وبالتأكيد، حضر الحفل زوجها دائم الدعم وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب وولداها سامر وطارق. وشكرت جوليا زوجها الوزير بو صعب قائلة: «بدّي قلّك حياتي شكراً لأنّك دايماً بتحقّقلي أحلامي، مثل هالليلة»، كما احتفلت مع الجمهور بعيد ميلاد ابنها سامر.
وكما قال الزميل داني حداد في موقع «MTV» فقد خدعتنا جوليا مرّة جديدة. حسِبنا أنّ ما «ارتكبته» بحقّنا في حفلتها الأخيرة منذ سنتين في «بلاتيا» بلغ القمّة، وما سيأتي بعده سيكون تكراراً أو استنساخاً. حسِبنا أنّ من يصل إلى القمّة يتراجع، أو يمكث فيها، في أحسن الأحوال. لكنّ جوليا خدعتنا، وتجاوزت القمّة، وفي خدعتها شريك متواطئ اسمه زياد بطرس.
فلتسمح لنا لجان المهرجانات التي ازدحمت صيفاً. ما شاهدناه على مارينا ضبيّة لا يمتّ إلى المهرجانات الأخرى بصلة. التي رأيناها على تلك الخشبة الضخمة التي اتّسعت لحوالى مئة وعشرين عازفاً ومنشداً لا تشبه من احتلّ خشبات أخرى، ولو حملت صفة الدولية. نحن هنا أمام فرادة تتخطّى مساحة لبنان والعالم العربي، خصوصاً من حيث المستوى الموسيقي الآسر الذي يتخطّى الإبداع إلى أمر آخر، لم يبتكر له واضعو اللغة صفةً لأنّ ما من سابقٍ له.
بدت جوليا ساحرة مساء السبت، منذ إطلالتها على المسرح، صاعدة من أسفله. بدت ساحرة بعينيها التي ترصد حوالى ثمانية آلاف شخص لم يكفّوا عن التصفيق والهتاف لها والغناء معها. وساحرة بثغرها المبتسم وشعرها المستلقي على الكتفين، وبالكلمات المؤثّرة التي قالتها، خصوصاً حين تحدّثت عن شهداء لبنان، وجرح سورية ونزيف العراق.
لذلك عليك، وأنت تصف هذه المرأة، والفنّ الذي تقدّمه، أن تنهل من الكلمات رحيقها ومن المفردات ما قلّ منها ودلّ، ولو أنّ جوليا تحرّض على الكتابة، تماماً كما تحرّض على الثورة وعلى الغضب والرفض والعشق.
حين تنشد الحبّ، يلوّن صوت جوليا أيّامنا بالأغنيات التي تشعرك بأنّك في صباحٍ دائم. وحين تغنّي الوطن والقضيّة تنقلك على بساط صوتها إلى الميدان، حيث ينتصر المقاومون دائماً ويغلب الضعيف القويّ، ويقف جنديٌّ لبنانيّ على صخرة ليرفع علم لبنان.
غنّت جوليا جديدها وقديمها، وأبدعت الفرقة الموسيقية بقيادة هاروت فازليان أكثر من أيّ مرّة. جعلتنا صاحبة «أنا بتنفّس حرّية» نتنفّس فنّاً نظيفاً، لا يلوثّه نشازٌ في زمن النفايات الفنيّة الملوّثة التي تحتاج إلى مطمرٍ أو محرقة.
ولكنّ الحفلة كانت عائليّة بامتياز. بدأتها جوليا بالسؤال «وينك يا الياس؟»، وتقصد زوجها الوزير الياس بو صعب، لتعبّر له عن حبّها. ثمّ كشفت أنّ تاريخ حفلتها في 27 آب هو عيد ميلاد ابنها البكر سامر، فغنّت له مع الفرقة والجمهور «سنة حلوة يا سامر»، قبل أن تُبلغ ابنها طارق، ممازحة، بأنّه لن يحظى بحفلة مماثلة في ذكرى ميلاده في 9 شباط!
وكانت من جوليا كلمات مؤثّرة عن شقيقها زياد، رافقتها صور على الشاشة الضخمة لتوأم نجاحها الفنّي. ثمّ جاء دور شقيقتها صوفي التي صعدت إلى المسرح وغنّتا معاً «حبيبي». هي سهرة عائليّة إذاً أكملتها عائلة جمهور جوليا الذي حجّ إلى الضبيّة بالآلاف، فغنّى معها ورفع قبضته عالياً وصفّق طويلاً وأعادها بسلاح الحنجرة إلى المسرح مرتين، على وقع الهتاف «جوليا… جوليا…».
كما قدّمت صاحبة أغنية «أحبائي»، أغاني ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان «أنا مين»، وسط تفاعل رهيب من الجمهور الذي حفظ الأغاني عن ظهر قلب مع أنّ فترة طرح الأغاني كانت قريبة من فترة الحفلة، إلّا أن الجمهور البطرسي أثبت وبجدارة حبّه وإخلاصه لهذه الإنسانة ولفنّها الراقي.
حرّضتنا جوليا في غنائها على الحبّ والفرح والأمل والمقاومة، فلا شيء يضاهي هذه القيم بالنسبة إليها، فهي الفنانة التي لا تقدّم أغانيها إلّا وفيها من العمق ما يكفي ليُفرح قلب عشاقها، ويثبّتهم على قيمة الإنسان بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى.
وما بعد ليلة مضيئة، ما زال التوهّج في التعليقات والمباركات لجوليا بطرس على حفلها في أوجه، وكان التعليق الأجمل والأكثر تأثيراً من شقيقها الملحّن زياد بطرس الذي كتب في مواقع التواصل الاجتماعي: «يللي عندو هيك جمهور ما بخاف إلاً من الله… الحمدلله على هالنجاح والشكر لكل مين اشتغل وتعب تنحقّق هالحلم. جوليا أختي، أنا يللي عملته مبارح هو نقطة ببحر محبتي إلك… مبروك يا أغلى إنسانة».