معركة الموصل سوريّة… فهل معركة حلب والرقة عراقيّة؟
هاني الحلبي
يُسجَّل لمخططي الدول الاستدمارية أنهم استطاعوا اكتشاف الوحدة الطبيعية للبيئة المشرقية في الهلال الخصيب، بسبب تقدّم علومهم بما لا يُقاس عما يتخبّط فيه شعبنا والعرب بخاصة، فقرأوا دلالة التضاريس المتداخلة والأحواض المتناسبة والأنهار المتجارية والسهول المتقاطعة وسلاسل الجبال المتكاملة والشطآن المتقابلة ليعرفوا قيمة الموقع الجيواستراتيجي لبيئة سورية الطبيعية كاملة. فتمّ وضع الخطط لتفتيتها بمباضع الحروب وسكاكين التكفير وسجون الأنظمة وعسسها، وما ينتج عن تلك الحروب من اتفاقيات لاحقوقية تفرض معطيات وإجراءات يومية وقانونية وحدودية جمركية سياسية وديمغرافية على الأرض، تصبح مع تأبيدها لأجيال، معطيات مطلقة وقواعد حياتها، بخاصة بعد أن يتمّ استلابها الروحي والفكري والقيمي.
مخطِّطو الاستدمار بعد كشفهم وحدة البيئة والحياة والهوية والوجود المشرقي في الهلال الخصيب وضعوا كلّ ما يعيق أيَّ هدم للسجون والجدران والحدود التي أقاموها بقوة الدبابات الأجنبية، ونفّذوا عليها حراساً ودولاً كانت هذه هي مهمتهم. فحرموا المواطن المشرقي في الهلال الخصيب أبسط حقوقه الطبيعية وهو حق التنقل. وما زالت متداولة في موقع غوغل صورة حافلة نقل الركاب «قاهرة الصحراء» عبر خط بري من بيروت، القدس، عمان، الكويت، البصرة، بغداد، الموصل، الحسكة، دمشق وأنطاكية لتعود عبر طرابلس إلى بيروت.. فضلاً عن حقوق طبيعية وسياسية ومدنية لا تُحصى أصبحت منتهكة كلياً.
وحدة الحياة نفسها تلك التي أتت بالشيخ عزالدين القسام من جبلة محافظة اللاذقية، والشهيد القومي حسين البنا من بلدة شارون قضاء عاليه لبنان، والشهيد القومي سعيد العاص من السويداء في جبل العرب، وفوزي القاوقجي من طرابلس شمال لبنان، والشهيد القومي غسان جديد من قرية دوير بعبدة، قضاء جبلة، محافظة اللاذقية، للقتال في مناطق الجليل والقدس ونابلس في فلسطين، بما لا يقلّ عن دور بطل معركة القسطل عبدالقادر الحسيني المقدسي.
لكن بعد عقود من حرّاس الدول المحلية، ضمن أنبوب رؤية الخطة المعادية أصبح جيش كلّ دولة معنياً بتلك الدولة ومصالحها وحدودها وحمايتها من جوارها، بينما ستكون مستباحة من عدو الوجود دولة الاحتلال اليهودي في فلسطين الطامعة بالتوسّع. فنشأت عصبيات دولية محلية. تغرّب الفلسطيني في لبنان وتصفه بلاجئ وتستنكر وجود الشامي في لبنان وتعتبره نازحاً وكان اتجاه لوصفه بلاجئ أيضاً، لإدامة الوضع واستعماله سكين ضغوط متعدّدة الحدّ ضدّ الدولة اللبنانية وتسعير الفتنة المذهبية الداخلية وتفريغ الجمهورية العربية السورية بما يمكن لإلحاق ضرر كبير بالقدرة الديمغرافية على الدفاع عن مساحتها شبه الخالية وهي كبيرة جداً. فهرب عشرات الآلاف من الالتحاق بالجيش بسبب العروض التي أغدقتها دول العالم لنزف الشباب السوري في مخيمات لجوء مذلّ.
منذ أيام بدرت إشارة قوية من بيان الناطق الرسمي للجيش السوري يصف معركة الموصل أنها معركة سوريّة. ويمكن أن نعزو وصف سوريّة معركة الموصل بسبب ارتباطها بانتشار تنظيم داعش الإرهابي في أحياء من دير الزور ومعظم محافظة الرقة ومناطق في شرق سورية، لاعتبار أنّ القضاء على داعش في الموصل وإغلاق الحدود المشتركة بين دولتي العراق وسورية يريحان الجيش السوري وحلفاءه من عبء كبير تخطط الولايات المتحدة الأميركية لتحميلهم إياه، بنقل أحجار الشطرنج من رقعة الموصل إلى رقعة دير الزور وتدمر تمهيداً لدويلة سنية ترعاها تركيا وتوصل بينها وبين شمال السعودية فيتحقق أول عزل عسكري وأمني وجغرافي في التاريخ بين بغداد ودمشق. ويفهم أنه لما كان الفرس في بغداد وكان الروم في دمشق أو في شمالها خلق حينها هذا الانتشار موانع انتقال بحدود معينة، لكن الفصل بينهما بدويلة إرهابية تنتشر في الصحراء شبه الخالية بين بغداد ودمشق لتوصل بين أنقرة والرياض، ليس لعمران الصحراء بل لاستدمار الدولتين المشرقتين والمدينتين التاريخيتين وفعاليتهما الاستراتيجية والتاريخية والقومية.
لم تتلقّف القيادة العراقية علناً المبادرة السورية، فلم تعلن عراقيّة معارك دير الزور والرقة وحلب وتدمر. فتوضُّع الإرهاب في أيّ من هذه المدن تهديد مباشر وحالٌّ وراهن لبغداد كما كان انتشاره في الرمادي والفلوجة والشرقاط وبيجي وصلاح الدين تهديداً مباشر لدمشق كما هو تهديد مباشر لطهران، ولو مؤجل.
تأخُّر القيادة العراقية عن اعتبار الحرب ضدّ الإرهاب شأناً قومياً شاملاً كلّ البيئة الاستراتيجية الواحدة للمواجهة. فوفق القاعدة الذهبية للبيئة الاستراتيجية الواحدة المستهدفة تصرفت قيادة داعش الميدانية والمباشرة والخلفية، فاخترقت الحاجز الترابي المستقرّ منذ عشرة عقود وكانت تُزهق فوقه روح من يعبره، لتحتلّ الموصل بساعات وتغنم وتسيطر وتنطلق للسيطرة على ستين في المئة من العراق خلال أشهر. وحالياً هذه القيادة الخبيرة جداً تتذرّع وتتدرّع بأنّ معركة الموصل الحالية هي «حرب إبادة للسنة على يد الروافض»، ويتتردّد هذا الصدى في غزة وفي دول عدة، داعية لـ «الجهاد دفاعاً عن كتب الله وأهل السنة والجماعة».
خلط المقصود منه تسعير الفتنة. لكن العراقيين تخطوه بإجماع فصائل المقاومة ومباركة كبار العلماء المسلمين السنة في العراق على تحرير الموصل.
ما يلزم، قيادة عليا مشتركة استراتيجية عسكرية سياسية اقتصادية مقاومة تجمع العراق والجمهورية العربية السورية ولبنان وفلسطين وقوى أردنية وطنية لتدير حرب التحرير القومية المقدسة، كميدان واحد وخطة عملانية واحدة وأهداف واحدة، وتلغي أيّ اعتراف سابق بأيّ معاهدة استهدفت وحدة أمتنا ومعاكسة لمصلحتها وهويتها…
من سوريّة معركة الموصل إلى عراقيّة معركة حلب والرقة ودير الزور وتدمر إلى مشرقية تحرير جرود عرسال وفلسطين…
وقول المعلم المؤسس أنطون سعاده مصداق «إنّ إنقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات».
وأرفق تأكيده المطلق على وحدة الهوية ووحدة الحرب المقدسة بدعوته الملحاح حتى اللحظة، وكلّ لحظة، حتى تحقيق أهدافها: العودة إلى ساحة الجهاد القومي… الجهاد الفعلي المنظم لإنقاذ الأمة كلها…
الاستدمار: اشتقاق موفق. أول ما قرأته في مقال للدكتور وليد زيتوني، منذ أيام في جريدة «البناء». ويلزم رواجُه لأنه معبّر بدقة تامة عما يخطط له أعداؤنا بصفتهم طلاب دمارنا وليسوا طلاب عمارنا، كما يتوهّم بسطحية، متداولو المصطلحات التي يروّجها الغربيّون.
باحث وناشر موقع حرمون haramoon.org/ar وموقع السوق alssouk