إضاءة
اعتدال صادق شومان
«الشحرورة صباح… نجمة النهضتين المصرية واللبنانية»، عنوان اختاره المؤرّخ فيكتور سحاب لكتابه الجديد عن حياة الفنانة صباح، الصادر عن «دار نلسن»، بوصفها حالة فنية متميّزة، حاملة إرث فنّي متنوّع بين الغناء والسينما والمسرح الغنائي.
يتناول الكتاب حياة شخصية صاخبة، عصت معايير مجتمع زمانها، فكانت المختلفة في الزمن الرتيب، شغوفة بحبّها للحياة، مسكونة بالفنّ، باكراً خاضت التحدّي، فحصدت المكانة الفنية المرموقة، وواكبت مسيرة الأفلام الغنائية في مصر، والمسرح الغنائي في لبنان في زمن الكبار، فساهمت في كلا المسارين مساهمةً واسعةً في باكورة نهضتهما.
يُسجّل لصباح أنّها المساهمة الوحيدة في حركة تطوير الموسيقى بين مصر ولبنان، في حقبة الأربعينات ونهاية الخمسينات من القرن العشرين، وذلك قبل رجوعها «عالضيعة» على إثر خلاف مع مصر في ظاهره عائلي، وسياسي في المحصلة.
«جلسة»، جمعت صاحب «السبعة الكبار» فيكتور سحاب بالفنانة صباح في «أوتيل كومفورت» في الحازمية حيث كان مكان إقامتها في سنواتها الأخيرة، وبحسب تقديره ومقاربته تاريخ ولادتها، استقر به التخمين إلى أنها من مواليد عام 1921، وبذلك تكون في الثالثة والثامنين من العمر حين أجرى معها الحديث المطوّل عام 2004.
بدايةً مع جانيت فغالي من بدادون قرب وادي شحرور، في تفاصيل معروفة للجميع لا جديد فيها لكثرة ما ردّدتها في مقابلاتها الوافية على مدى العمر المديد، وعلى حدّ قولها له: «شو الفايدة من الحكي؟ ما كل الناس بتعرفها. بس يلي ما بيعرفوا، وحدي، كنت وحدي شقّيت طريقي».
يجول المؤلف معها، في دفء الحكايات المتوارية خلف ستائر مسرح مخملية أوشكت على الانسدال الأخير، متسلّحاً بفائض من المعلومات ينعش بها ثقوب الذاكرة في منعطفاتها الموغلة في الزمن. فيعيد على مسمعها أسماء وتواريخ ومحطات، من أولى اغنياتها «يا هويدا هويدالك» من ألحان نقولا المني، إلى «القلب له واحد» بداية انطلاقنها السينمائية عام 1944، لتبدأ الموهبة بالتنامي، ويثقل الصوت على مداه، ويصدح بمقدرة متفوقة، وتطول «الأوفـ« وتتصاعد المسيرة، بما توفر لها من كاريزما أنثوية فائقة الأناقة، وشخصية مغناج تميّزت بها عن مطربات جيلها، إلى جانب رعايتها من قبل كبار أهل الفن، إذ تمكّنت الصبوحة من «استدراجهم» بدءاً من «كبيرهم» محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، زكريا أحمد، الأخوين رحباني، فيلمون وهبي، وزكي ناصيف. وللمفارقة، شيّعت يوم رحليها على وقع أغنينة من ألحانه «تسلم يا عسكر لبنان».
ويغوص المؤلف في «جلسته» مع الصبوحة في غمار علاقاتها الشخصية وزيجاتها ثم طلاقها، وما ربطها من علاقة وشيجة مع رجال سياسة، ملوك، وأمراء، ورؤساء. فحضرت أسماء وبانت خلافات، وفُضّت أسرار و «اخبار أخبار» من قصص ذلك الزمان.
حوار هو في مجمله ليس إلا مقدمة، لأصل الكتاب الهادف إلى توثيق تراث الفنانة صباح في جلّ أعمالها الفنية، غناءً وأعمالاً سينمائية ومسرحية، وطبعاً مهرجانات بعلبك بمواسم عزّها.
حوار فيه استحضر فيكتور سحاب مع الصبوحة كلّ شواهد العصر المنصرم بما تجلّى، او اححتجب. وإن بقي مستغرباً لماذا تأخر فيكتور سحاب في إجراء هذا الحوار مع الفنانة صباح طوال هذه السنوات، حتى بلغت في العمر عتيّاً؟
لكن، يبقى في مجمل الأحوال، كتاب «الشحرورة صباح نجمة النهضتين المصرية واللبنانية» تكريماً يليق بصاحبة «آلو بيروت» و«سفرني معك» و«عالضيعة يمّا عالضيعة»، و«وطني حبيبي»، وهذه السمفونية من إعداد فكتور سحاب، وفيها بدا جلياً الجهد المبذول في استعراضه على مدى 143 صفحة مجمل أعمال الفنانة صباح في إحاطة كاملة تعداداً، تصنيفاً، وتوصيفاً، توزّعت على تسعة ملاحق: ملحق أفلام صباح بالترتيب الأبجدي 46 فيلماً حتى عام 1960، يتبعه ملحق أفلام صباح بالترتيب الزمني بعد عام 1960، أغنيات صباح، 280 أغنية بالترتيب الأبجدي ، مهرجانات صباح الغنائية، مسرحيات صباح الغنائية، أزواج صباح، وأرشيف صور.