الأمين عبدالله قبرصي: الرفيق منح قربان كان قدوة في الإيمان والسلوك والأخلاق والعطاء
عندما نتحدث عن الحزب في فنزويلا، لا بد ان نضيء على العديد من الامناء والرفقاء الذين عرَفتهم ساحات النضال القومي الاجتماعي، امثال الراحلين منهم الامناء: شفيق مفرج، منير الشعار، محمد القاضي، محمد امين ابو حسن، دهام دهام، والرفقاء: داود ابو عنق، رياض الحسنية، رفيق غرز الدين، عبدالله جبيلي، نقولا بردويل، محمد حموي، عفيف صعب، الشاعر رضا طعان صعب وشقيقه الشاعر سعيد، عباس دهام، نقولا شريقي 1 .
نحكي ايضاً عن الامين عبدالله قبرصي وقد تواجد في فنزويلا في الستينات من القرن الماضي، واصدر فيها مجلة «الندوة» 2 ، والأمين جبران عريجي الذي تولى المسؤولية الأولى، وأوجد حضوراً متقدّماً على الصعيدين الحزبي، وفي الجالية.
ونحكي كذلك عن الكثيرين ممن يصعب تعدادهم، ومن بينهم الرفيق منح قربان الذي يقترن اسمه بكلّ النشاط الحزبي في كراكاس، وبمجلة «الندوة» التي كان معتمدها في العاصمة، توزيعاً ومراجعات.
عرفت الرفيق منح منذ العام 1971 عندما كنت أتولى مسؤولية رئيس مكتب عبر الحدود، فعلى عنوانه في كراكاس كنا نوّجه البريد الحزبي والمطبوعات ومنها جريدة «البناء» عندما باشرت الصدور وكانت لي مراسلات عديدة معه، ودون أن اعرفه شخصياً، ولاحقاً توطدت أواصر المودة وعرفته جيداً.
دائماً كنت أسمع عنه كلّ جميل، من الأمين عبدالله قبرصي ومن رفقاء فنزويلا إذ يحضرون الى الوطن. جميعهم كانوا يثنون على نشاطه وعلى حضوره الحزبي وتفانيه، الى ان التقيتُ به في التسعينات عندما قام بزيارة الى الوطن.
عندما عاد الأمين قبرصي الى الوطن ورحت أزوره في منزله، كما رفقاء عديدون، كان اسم الرفيق منح قربان حاضراً في العديد من اللقاءات، وكلما تحدث الأمين قبرصي عن «الندوة» او عن نشاط الحزب في فترة تواجده في فنزويلا.
منذ مدة تمكنت من زيارة شقيقه. رجل الأعمال، الرسام والموسيقي حليم قربان.
اول ما لفتني، الى اطلالته البهية الحلوة، مكتبه الواسع الغني باللوحات والايقونات، وفاجأني:
– انا رفيق وكنت مدرّباً في مرجعيون، تلك البلدة التي عرفت الحزب منذ الأربعينات، وانتمى المئات من أبنائها.
وحكى لي الكثير عن رفقاء مرجعيون الذين عرفهم. منهم من رحل، منهم من هاجر، ومنهم من زال مقيماً،
من الرفيق حليم قربان هذه المعلومات عن شقيقه الرفيق منح:
الوالد: قيصر قربان
الام: نهى طعمة
تخرّج من جامعة هايكازيان
درّس في الكلية الوطنية في بعقلين
عام 1967 غادر الى كراكاس حيث تقيم عمته سلمى قربان.
عمل في تجارة المواد الغذائية تحت اسم «زنوبيا»، ثم افتتح محلاً للمجوهرات والساعات، فباتيسري.
دائما كان الرفيق منح في صلب المسؤوليات الحزبية، وناشطاً دون توقف.
تعرّض الرفيق منح الى سطو مسلح عام 1985 الا ان ذلك لم يحُل دون استمراره في حضوره المميّز الى ان وافته المنية في 30/12/1998.
بتاريخ 30/01/1999 نشرت مجلة «البناء» في العدد 957 هذه الكلمة الصادقة المهداة من الأمين عبدالله قبرصي الى روح الفقيد الغالي الرفيق منح قربان.
الموت في الغربة
عرفته في فنزويلا في أميركا الوسطى، التي أصبحت لنا وطناً ثانياً،
يمكن ان يكون الإنسان محروماً في دنياه معذباً، مقهوراً،
ولكن العذاب الأكبر والقهر الأكبر ان يموت بعيداً عن وطنه وأحبائه، ان يموت غريباً.
صحيح انّ منح قربان دفن في مرجعيون في تراب الآباء والأجداد،
ولكن اين كانت مرجعيون وأهله وأحباؤه، عندما كان يلفظ أنفاسه الاخيرة، وهو يحترق شوقاً إليهم؟
كم فقدنا من الأمناء والرفقاء في الأوطان البعيدة؟
في فنزويلا وحدها، توفي الأمينان الكبيران محمد القاضي وشفيق مفرج،
كما توفي الرفقاء والعاملون المخلصون، نقولا بردويل ورامز القاضي، واخيراً الرفيق الشجاع حكمت محمود،
ألم نشعر بالحرقة والأسى، على هؤلاء الأحباء الذين بذلوا الجهود والتضحيات رغم غربتهم الطويلة من أجل الحزب والوطن؟
هؤلاء الاخوة المؤمنون، رحلوا الى الأبد دون ان نرى لهم وجهاً، دون ان نقول فيهم كلمة رثاء؟
عشر سنوات وأنا في المنفى،
محكوم بالإعدام غيابياً،
أصرخ مستغيثاً:
لبنان لبنان، الى متى يظل قلبك حجراً؟
الى ان عدت الى لبنان بعد ذلك المنفى الطويل،
أركع خاشعاً، عند وصولي الى المطار، وأقبّل التراب، انه تراب وطني المقدس.
ماذا اكتب عن منح قربان؟
لم يكن عضواً عادياً،
كان عضواً قدوة، إيماناً وسلوكاً وأخلاقاً وعطاء.
كان مجبولاً من الطيب والخير والمحبة والمناقب القومية
ما طُلب لخدمة الّا لبى، ما طُلب لتضحية إلّا لبى
انا نفسي كنت اشعر انه يدي اليمنى، في مجلتي الندوة وفي النشاط الحزبي.
أمس عاد جثمان منح قربان الى الوطن،
يا لعودة المناضل لا حراك فيه ولا حياة
انها عودة عزاء وبكاء، لا عودة لقاء،
من يستطيع ان يداوي جراحنا، وقد مات رفيقاً غريباً.
يا منح قربان، يا رفيقي،
مؤلم هو الجرح الذي ينزف عليك حزناً،
ولكن العزاء الأكبر، انّ امثالك من العاملين يظلون في قلب النهضة القومية، يظلون في قلب الحياة.
جواباً على سؤال لماذا انشأتَ مجلة «الندوة» في المهجر، ومن هم كتّابها؟
أجاب الأمين عبدالله قبرصي:
«لأقل لك الحقيقة، أنا انسان طُبعت على ان أكون صادقاً. لم أنشئ هذه المجلة لغرض سياسي، او لغرض قومي. أنشأتها لغرض مادي صرف إذ كان يجب عليّ ان أجد، وأنا في المهجر محكوم بالإعدام، مورد رزق أحيا بوساطته معزّزاً غير مضطر لأيّ وسيلة محطِّة بكرامتي وقدري، لكنّ هذه المجلة أدّت دوراً إعلامياً تبشيرياً حزبياً كبير الاثر على أبناء الجاليات العربية في كندا وأميركا وخصوصاً في أميركا الجنوبية.
والحقيقة أنّ اكثر الذين اشتركوا في تحريرها همّةً رفيق قومي اسمه إبراهيم طنوس 3 وهو مؤرخ وأديب من طراز ممتاز، فكان يغذّي مجلّتي بالأبحاث التاريخية. أما المادة الأساسية، فكنت انا أتوّلى تأمينها من خلال الجرائد الآتية من العالم العربي وخصوصاً من دمشق وبيروت، إذ تمرّ على مكتبي فأنتقي من المقالات ما يوافق توّجهاتي السياسية فأصوّرها على «الاوفست» وأجمعها في مجلة، والمغتربون، وأقول ذلك بأسف، لا يهتمّون كثيراً بالأبحاث الفكرية لأنّ أكثرهم شبه أميّ، فالسواد الأعظم يهمّه ان تنشر خبر سفره، ومقدمه، وزواج أحد أولاده او أهله، وحفلة عماد أطفاله، إنها اخبار اجتماعية بحتة. وكنت انشر هذه الاخبار من أي جهة أتتني لأصطاد الناس قرّاء لمجلّتي التي استمرت ست سنوات من العام 1966 حتى العام 1972 لكي يظلّوا على صلة بتفكيرها الحزبي».
هوامش
1 – نقولا شريقي: اقام في حزيرة «سانتا لوسيا» في البحر الكاريبي، وكان على تواصل مع الرفقاء في جزيرة «مرغريتا» في فنزويلا. بقي على ايمانه ونشاطه الى ان وافته المنية.
2 – نشرت صحيفة «محكمة» في عددها حزيران 2016 حواراً كان اجراه الاعلامي علي الموسوي مع الامين عبدالله قبرصي.
3 – ابراهيم طنوس: من دير دلوم عكار ، أقام في مدينة «اراشا» المثلث الميناوي البرازيل . من اوائل الرفقاء في البرازيل. له كتابات في التاريخ والادب. نشرت عنه نبذة تضيء على سيرته ومسيرته، مراجعة قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info