دريان مفتياً للاعتدال الأزهري الوسطي في لبنان
يوسف المصري
حفل حدث تنصيب الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً للجمهورية بعناية مصرية خاصة وإن كانت الرياض حاولت إثبات حضور لها فيه. فبالأساس كانت القاهرة عبر سفارتها في بيروت هي التي هندست إنهاء حالة التشرذم داخل دار الفتوى اللبنانية، لمصلحة مصالحة سنية – سنية سياسية ودينية في لبنان أدت إلى الاتفاق على الإتيان بدريان مكان الشيخ محمد رشيد قباني بالتوافق مع الأخير.
وفكرة المصالحة كما سعت إليها القاهرة، قامت على أساس أن يكون الخاسر الأكبر فيها هو امتدادات الدوحة داخل دار الإفتاء وداخل الحركة الإسلامية اللبنانية.
وتم تجسيد الهدف الآنف من خلال إلحاق هزيمة بمرشح تحالف السلفيين والإخوان المسلمين في لبنان في انتخابات الوصول إلى منصب دار الإفتاء، وذلك بفارق كبير من الأصوات التي صبت كلها لمصلحة الشيخ دريان الذي تم تقديمه بحسب المبادرة المصرية، كمرشح إجماع خط الاعتدال الإسلامي.
لقد اقترع لمصلحة مرشح إجماع الاعتدال- بحسب مصدر مصري مطلع على المبادرة المصرية-، كل أطياف الاعتدال السني داخل المجلس الشرعي خلال اجتماعه كهيئة ناخبة. وسهلت عملية ترشيحه كل القوى السياسية اللبنانية الإسلامية ذات الصلة بالهيئة الناخبة، من حزب الله إلى تيار المستقبل إلى الأحباش، مضافاً إليهم سفارات السعودية وسورية ومصر.
وبنظر المصدر المصري فان تجربة إنهاء الخلافات داخل دار الإفتاء بالطريقة التي جرت فيها، تعتبر أول تحرك إقليمي لمصر بعد دخولها حقبة الانتقال من عصر الثورة إلى عصر الدولة. وحرصت مصر خلال مبادرتها تجاه دار الفتوى على أن تدفع كل القوى السياسية المختلفة المناهضة للإرهاب التكفيري، أحزاباً وأنظمة، إلى سلوك اتجاه يغلب توحدها في مواجهة الإرهاب على حساب خلافاتها السياسية البينية.
ومن جهة ثانية كان لافتاً أن حفل تنصيب المفتي دريان تميز بحضور دولي وعربي ولبناني واسع. ولم يكن ذلك من دون دلالات كان مقصوداً أن يضيء الحفل عليها، وأهمها بحسب مصادر مطلعة ما يلي:
أولها – إن دار الفتوى في حقبة الشيخ دريان سيلتحق بمسعى الأزهر الساعي لخوض أوسع منازلة دعوية إسلامية بمواجهة الفكر الدعوي التكفيري، وذلك فوق مساحة كل الدول العربية والمغتربات.
ثانيها – إن دار الفتوى في مرحلتها الجديدة التي بدأت أمس ستكون فقهياً وسياسياً منسجمة ومتناغمة مع الأزهر صاحب الخط الإسلامي الاعتدالي الوسطي وذلك سواء على مستوى مواقفه الخاصة بالعالم العربي أو اللبناني الداخلي . وبالأساس فان عملية انتقاء دريان ليكون مفتى المرحلة الجديدة أخذت في الاعتبار أنه خريج المدارس الدينية المصرية وجامعة الأزهر.
ثالثاً – إن السقف الفقهي والدعوي الذي سيتحرك تحته الشيخ دريان هو وثيقة الأزهر الموقعة في 8 كانون الثاني عام 2012 والتي بشرت بأربعة مبادئ تدشن مرحلة تنويرية جديدة على مستوى الفكر الإسلامي السياسي والدعوي، وهي:
حرية العقيدة والعبادة
حرية الرأي والتعبير
حرية البحث العلمي
حرية الإبداع الفني والأدبي.
وليس خافياً أن انتخاب دريان جاء في ظرف انطلاق مصر في استراتيجية توحيد صف الاعتدال الإسلامي العربي ضد الإرهاب التكفيري، وإعطاء أولوية لهذا الهدف على كل الخلافات العربية السياسية البينية… وأنه أيضاً يأتي في ظل قرار دولي بتحجيم دور المؤسسات الدينية السعودية إقليمياً وعالمياً، لمصلحة الأزهر.
وفيما يدخل دار الفتوى عصر الأزهر، فان المؤسسات الدينية السعودية بدأت تدخل عصر الانطواء والإنصات للائحة مطالب الغرب منها ذات الصلة بتغيير مناهجها التعليمية والفقهية المعتمدة واستبدال كادرها العلمائي المتشدد، وممارسة عملية تغيير كبير لبنية تفكيرها.