لماذا وصف ظريف قرار ترامب بـ«الهدية»؟

روزانا رمّال

بدأ الرئيس الاميركي دونالد ترامب تنفيذ سلسلة وعود كان قد أطلقها عندما كان مرشحاً للرئاسة، وكان ضمنها ما اعتبر عنصرياً ومقلقاً بالنسبة للشعب الأميركي الذي يدرك تماماً أن الحفاظ على «الحلم الأميركي» هو في حماية «الأمة» المتعددة الأعراق والأديان، ليأتي قرار حظر دخول الولايات المتحدة لمواطني سبع دول ذات أغلبية إسلامية كالصاعقة على المجتمع الأميركي.

يكسر الرئيس الأميركي هنا المحظورات الأميركية بوضوح وينتهج سياسة شديدة في الجرأة متناغماً مع شخصيته التي كان قد اعتقد كثر أنها لن تبقى كما هي بعد فوزه بالرئاسة، ما يطرح علامات استفهام حول قرارات أخرى كان قد لمّح إلى اتخاذها, وهو ما يعني ان العلاقة مع أميركا ستتغير بشكل منهجي مع أكثرية الدول وأن السياسة الخارجية لواشنطن ستشهد تحولاً كبيراً.

هل سيتقدّم ترامب بخطوة مشابهة نحو إلغاء او الضغط بما يطال الاتفاق النووي الإيراني؟ هل ستصبح السفارة الأميركية في القدس أمراً واقعاً؟ هل سيتخذ إجراءات محددة بخصوص بيع السلاح لمن سماهم اصدقاء الولايات المتحدة وقد غضبت حينها «إسرائيل»؟

الواقع ان الرئيس الأميركي خطى خطوة أبعد من مسألة حماية بلاده من مخاطر الارهاب، كما يروّج بعد تعديه على الهوية الأميركية التي يتباهى بها سكان الولايات الذين أتوا من خلفيات متعددة وجنسيات وأعراق، وبنوا الولايات المتحدة على أساسها وعن هذا يتحدث أستاذ في جامعة واشنطن لـ»البناء» عن مخاطر مثل هذا القرار على النسيج الأميركي، لافتاً النظر الى ان الولايات المتحدة تعيش أصلاً في مرحلة تشبه النار تحت الرماد فالغضب والحساسيات بين أصحاب البشرة السوداء والبيضاء تصاعد في الفترة الماضية، وقد شوهدت في هذا الإطار سلسلة احداث واشتباكات مع الشرطة, اضافة الى ان هذه التعقيدات ادت الى التأثير على نتيجة الانتخابات الأميركية فامتنع بعض اصحاب البشرة السوداء عن تأييد المرشحة كلينتون المدعومة من «اوباما» ذات البشرة السوداء «فانتخبوا ترامب بديلاً». وأضاف «المجتمع الاميركي أصبح مجتمعاً متفككاً، وهو ما يغيب عن معظم الشرق أوسطيين, فنسب البطالة والفساد في بعض الولايات تكاد تشبه ما هو موجود في بعض الدول العربية التي تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية كبرى».

خطوة ترامب قد ترفع مستوى الاحتقان بالداخل، وتأخذ نحو انقسام جدي يقود إلى الصدام بين أهل البلد الواحد والتحريض المحلي، خصوصاً أن استنفاراً شديد اللهجة ظهر على السنة الحركات الحقوقية والصحافيين وكبار الفنانين والشخصيات الجماهيرية العامة التي تؤثر على الرأي العام الأميركي، يُذكر منها مؤسس فايسبوك مارك زوكربرغ.

بالعودة للقرار فقد وجّهت الخارجية الأميركية نداء لمواطني العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن فيه حجبت فيه تأشيرة الدخول عن الدول المذكورة 3 أشهر «تطبيقاً للقرار التنفيذي بشأن الحماية من الإرهاب». وكان ترامب أصدر قراراً يحظر دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة حتى إشعار آخر.

اللافت أن ترامب علّق بالآتي «أضع إجراءات تدقيق جديدة لمنع الإرهابيين الإسلاميين الراديكاليين من دخول الولايات المتحدة الأميركية».

النقطة الأهم في مضمون القرار وحيثياته التي تستدعي سؤالاً اساسياً، ربما يكشف عن مكنونات القرار بشكل أوضح هي «لماذا لم يمنع ترامب منح مواطني الدول الخليجية ذات الخلفية الإسلامية بالمطلق دخول الأراضي الأميركية؟ لماذا لم تُضَف الى اللائحة دولٌ مثل السعودية وقطر والبحرين أو اندونيسيا مثلاً عملاً بمبدأ الحرص على عدم وقوع البلاد في المزيد من مخاطر الإرهاب الإسلامي المتطرف؟».

صرّح الرئيس ترامب أكثر من مرة أن داعش هي أحد التنظيمات المدعومة من السعودية. وهذا موثق في مناسبات عديدة حشد فيها ضد المرشحة كلينتون وإدارة أوباما التي اتهمها بقبض الأموال من الخليجيين مقابل تعزيز قدرات «داعش».

هل باتت المملكة العربية السعودية اليوم واحدة من الدول التي لا يشكل مواطنوها خطراً على أميركا؟ ماذا عن قانون «جستا»، اذاً الذي من المفترض أن يكون قد دان مواطنين من المملكة متهمين بحادثة 11 ايلول 2001؟ ماذا عما صرّح به الرئيس الأميركي في شهر شباط من عام 2016 لمجلة اتلانتيك الأميركية معترفاً بأن الأصوليين هم مشايخ، بعضهم سعوديون واندونيسيون مدعومون من السلطات السعودية وغيرهم؟

القرار اذاً, موجه لدول أساسية تصنف بأكثريتها حليفة لإيران او تحتضن حركات مقاتلة الى جانبها, سورية اولها, العراق بجزئيته المعروفة «الحشد الشعبي» ثانيتها, إيران بطبيعة الحال أيضاً مشمولة بالقرار، رغم ندرة الحوادث التي يُتهم بها إيرانيون تابعون للنظام او معترف فيهم كعملاء للدولة الإيرانية, اليمن أيضاً التي تضم الحوثيين الذين أعربوا عن استيائهم كحركة من القرار وصولاً الى دول لا تشكل ثقلاً سياسياً وازناً في العالم الإسلامي مثل ليبيا أو الصومال.

قرار ترامب مزدوج المعايير، يسحب مصر والسعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت واندونيسيا وباكستان، وحتى افغانستان من التصنيف الإسلامي، أو كدول تضم أي نوع من التطرف الاسلامي!

قرار ترامب ليس موجهاً بتاتاً للمسلمين او الراديكاليين المتطرفين الذين يغزون الخليج «الوهابية», « الإخوان المسلمين «، بقدر ما هو موجّه لإيران ومداها الحيوي بالدرجة الأولى.

إيران التي تلقت الإشارات، وصفت القرار بلسان وزير خارجيتها بـ«الهدية الكبيرة» للمتطرفين. وهو أوفى تعبير عن نتائج تحييد الإرهاب الحقيقي عن الاتهام هوية ومكاناً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى