الكذبة الدولية في يوم السلام العالمي…
جمال العفلق
إنه الحادي والعشرون من شهر أيلول من كل عام، يحتفل العالم بيوم أعلنته الأمم المتحدة تحت اسم يوم السلام العالمي. وللسلام قصة عند الأمم المتحدة، تلك المنظمة التي تدّعي أنها على حياد ومسافة واحدة من قضايا شعوب المعمورة كلها، وكما جاء في ميثاق الأمم المتحدة فإن الحفاظ على السلم الدولي هو واجب، وحلّ النزاعات بالتفاوض وعدم تغذية التطرّف والقتل كما أكد الميثاق على قضايا ألا وهي: احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية والقيم الديمقراطية. ولمواجهة الخطابات الداعية للكراهية التي تسعى إلى تحريض الثقافات ضد بعضها بعضاً، هذا هو الكلام الدبلوماسي والشعري الذي كتب بكل لغات العالم حيث بلاد العم سام الحنون على شعوب الأرض والساعي إلى تأمين حياة كريمة لها طبعاً بمساعدة شركاء دوليين.
ولكن ماذا لدينا على أرض الواقع؟
لن نبتعد بالتاريخ كثيراً فتكفي البداية من حرب فيتنام التي شاركت فيها الولايات المتحدة الأميركية، وكانت نتيجتها مليون ومئة ألف قتيل وثلاثة ملايين جريح وثلاثة عشر مليون لاجئ، والراعي هو العم سام والمجتمع الدولي، ويكفينا هذا المثال للانتقال إلى القضايا العربية التي كانت دائماً سبب تهديد السلم الدولي، والشعب الفلسطيني كان يطلق عليه اسم «المخرب» ويُعتبر مصدر قلق للسلم الدولي كما ترى الولايات المتحدة الأميركية والغرب، بينما ما يسمى «إسرائيل» والتي تتلقى مساعدات مالية وعسكرية بمليارات الدولارات وما زالت هي الضحية وشعبها مشرّد عن أرضه هو الجلاد. ولا يمكن أن يتسع المقال لقصص عن السلم الدولي الذي ترعاه الأمم المتحدة دائماً ولا يمكن أن نسجل ونوثق جرائم المجتمع الدولي بحق العالم الثالث «بحسب تعريفهم له»، ولكن يكفي أن نضع نقاط استدلال، ربما تدفع بالناس للسؤال كيف تشترك الحكومات بمنظمة هي عدو لشعوبها؟!
في قضية العراق التي دفع شعبه ثمناً باهظاً وكانت حجة الحرب حماية السلم الدولي من جنون «صدام حسين وترسانته النووية»، التي ثبت فيما بعد أنها غير موجودة إلا في الإعلام الذي كرّسها في عقول الناس، وتأتي الجريمة الكبرى في أن الوثائق وضعت في صناديق لا يحق لأحد فتحها إلا بعد مضي سبعين سنة.
هذه هي الأمم المتحدة التي ترفع شعار الحمامة الوادعة الأمانة المسالمة في يوم السلام العالمي. ولا أستغرب أن تتم دعوة أحد ممثلي عصابات وقطعان الصهيونية لإلقاء كلمة حول أهمية السلام العالمي، ولا يمكن أن يكون شيئاً غير طبيعي أن يلقي ممثل السعودية خطاباً حول التطرف وخطره على السلم الدولي، كيف لا؟ وطوال ثلاث سنوات والسعودية وقطر تلقي خطاباتها في مجلس الأمن والجمعية العمومية ومجلس حقوق الإنسان وتتحدث عن ضرورة الديمقراطية وحقوق الانسان!
نعم، إنه يوم السلام العالمي الذي يتحدثون عنه ويدفعون المال من أجل نشر صور عنه، ولكنه السلام الذي يريدونه هم فقط، السلام لما يسمى كياناً صهيونياً، السلام لما يسمى حماية مصادر الطاقة والنفط، السلام للسيطرة على معابر البحار والممرات المائية، السلام بأن يقتل ألف ألف إنسان في الشرق ولا يتحدث أحد، وعندما قتل صحافي أميركي قرروا تدمير الأرض والحجر بحجة السلام.
السلام الدولي وهم أُجبرنا على اتباعه على رغم علمنا جميعاً أنه سلام تحكم القوي بالضعيف وسلام تدمير الإنسان.
كيف نتحدث عن السلام وكيف نحتفل به؟
هل المطلوب منا تقديم آلاف الضحايا قرباناً لمجد أوباما؟ وهل المطلوب منا أن نسلم بأمر واقع ونقول إن فلسطين أرض بلا شعب ومن حق مرتزقة الأرض الاستيلاء عليها، وأن سورية يجب أن يذبح ثلث شعبها لترضى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن العراق يجب أن ينقص عدد سكانه حتى لا يستهلكوا من ثرواته شيئاً، وأن لبنان يجب أن يمزق حتى يبقى أرض حروب إقليمية؟ ومن شروط السلام الدولي أن لا يقترب لبنان من ثرواته البحرية إلا إذا استسلم للسعودية و«إسرائيل»، ومن شروط السلام الدولي أن يوافق السوريون على تقسيم بلادهم. هذا هو يوم السلام العالمي الذي ندفع له ونشارك فيه في يومه من كل عام.
ومن وقاحة هذا العالم أنه يحملنا دائماً المسؤولية القانونية والأخلاقية إذا ما حدث خلل ما على هذه الأرض، ومن وقاحة العالم أن الأسلحة التي يصنعها ويعطيها للمرتزقة ليست سبباً في الحروب ولكن الدفاع عن الأوطان هو الجريمة!