لا حلّ في سورية يغيّب وحدتها وعروبتها
أحمد المرعي
العلاقات العربية الروسية هي قديمة بحكم الواقع الجغرافي الذي يمتدّ عبر التاريخ، لأنّ هذه المنطقة تشكل نقطة الحماية الأساسية لأدوار دولية يسعى الغرب الاستعماري إلى إخراجها من المعادلة الدولية وفرض هيمنته الأحادية على العالم.
وانّ مشروع الدستور المقدّم من روسيا لسورية يتوقف عنده العديد من المراقبين السياسيين وخلفية تقديم هذا المشروع، وهل يرتبط بانعقاد مؤتمر جنيف وتلبية العديد من مطالب المعارضة السورية على حساب هوية سورية ودورها التاريخي؟ في ظلّ ترافقه مع ما أعلنه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب من إيجاد مناطق آمنة في سورية، فهل انّ ذلك هو تلبية لإنجاح المساعي الروسية في إنضاج حلّ سياسي على الأراضي السورية؟ ام رداً على ما أعلنه الرئيس الأميركي لقطع الطريق على الرغبة الأميركية في تقسيم سورية؟
إلا أنّ سورية وما تواجهه من مؤامرة كونية وما تعانيه من مشكلات وأزمات لا يمكن حلها بالتقسيم وتبني مشروعات المعارضة الحالمة في القيام بأدوار على حساب سورية الموحدة رضوخاً لنزعات انفصالية عند البعض وبإضاعة هوية سورية وتحويل مساراتها، علماً أنّ بعض المطالب الإصلاحية للمعارضة الداخلية يمكن فهمها والتعاطي معها بإيجابية ومنها التأكيد على انّ الحلّ في سورية هو حلّ سياسي وليس امنياً أو عسكرياً.
فلبنان الذي واجه حرباً ضروس استمرت لمدة طويلة كانت القوى الوطنية في لبنان ترفع برنامجاً وطنياً عنوانه الأول وحدة لبنان وعروبته، وعندما دنت ساعة التسوية مرحلت بعض القوى مطالبها الإصلاحية في الدستور الجديد من أجل تأكيد وحدة لبنان، وهو ما يحدث أيضاً في سورية، فمهمة كلّ القوى الوطنية الحريصة على دور سورية وتاريخها ان تعمل من أجل التمسك بهوية سورية القومية، لأنّ سورية هي قلب العروبة النابض وحاملة قضايا الأمة بعد ان تهاوت أسوارنا العربية على وقع ربيع عربي كاذب، فبقيت صامدة تقاوم محاولات إخضاعها واستلاب إرادتها.
وليس مقبولاً تغيير هوية سورية، أياً يكن الطرف الداعي إلى ذلك، فمنذ اندلاع الأحداث السورية، كان هدف المجموعات الإرهابية الأول هو تغيير هوية سورية وإخراجها من معادلات القوة التي ترتكز عليها الأمة في صراعها مع أعدائها وعلى رأسهم العدو الصهيوني وحلفائه، فبقيت سورية عبر تاريخها الطويل تشكل العمق التراثي والثقافي للحركة القومية، والحامية للثقافة العربية من محاولات التغريب وتشويه هذه الثقافة وإحلال ثقافات انقسامية وقطرية مغرِّبة مكانها.
إنّ نزع صفة العروبة عن سورية هو إضعاف لمقومات المواجهة مع الإرهاب التكفيري ومشغّليه، كما هو إضعاف لمقوّمات صراع الأمة مع العدو الصهيوني وحلفائه، لأنّ مواجهة هذا الإرهاب والصهيونية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر مشروع سياسي يحمل قيم الترابط بين أصالة الانتماء والوحدة الوطنية ببعدها العربي الحضاري المستقلّ، فالعروبة هي الحلّ للمشكلات التي تعانيها أقطارنا والحاضنة لكلّ التنوّع، فهي ليست انتماء عنصرياً وإنما تشكل الهوية الثقافية والوعاء الحضاري الجامع لكلّ المكونات الوطنية.
وفي الوقت الذي تعتمد العديد من الدول الإسلامية الحرف العربي في كتابة لغتها الوطنية، تكريماً للأمة التي أسهمت في نشر الرسالة الإسلامية وقيمها الحضارية، ومع احترامنا للعلاقات التاريخية مع الاتحاد الروسي وإسهامه الجدي والفعلي في محاربة الإرهاب على الأراضي السورية، إلا أنّ استئصال الإرهاب يستدعي عودة سورية في إطار ثوابتها وقيمها الثقافية والحضارية متعافية من محاولات تشويه قيمها وحضارتها التي يعبق التاريخ بصفحاتها المضيئة والتي أنارت دروب البشرية والمسبّبة لنهضتها الحاضرة.
وإذا كانت الرغبة الروسية تنطلق من تلبية بعض مطالب المعارضة، وخاصة الكردية منها، المرتبطة بثقافات الغرب وقيمه، فإنّ الصداقة بين سورية والاتحاد الروسي لا يمكن أن تكون على حساب هوية سورية وفي عمقها لغتها الرسمية، فيبدو أنّ هذه الصداقة أمام امتحان جديد يتطلب من الصديق فهماً أعمق لطبيعة الأحداث الجارية في سورية، وإنّ مواجهة مشروع تقسيم سورية الذي تشكل بداياته ما طرحه الرئيس الأميركي من إقامة مناطق آمنة، يكون بالإصرار على تثبيت هوية سورية ووحدة أراضيها، وليس الانصياع لمطالب بعض المعارضات التي تريد أخذ سورية وإلحاقها بالمشروع الغربي للسيطرة على الأمة، وكلّ ما يخالف هذا التوجه إنما هو خدمة للعدو الصهيوني أياً كان من يدعو إليه أو يسعى إلى تحقيقه.
نائب رئيس حزب الاتحاد