الأردن يتموضع… لاستباق مصر!

ناصر قنديل

– خلافاً لكل المؤشرات التصعيدية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبدو الدبلوماسية السرية تشتغل بفعالية، فخلال يومين من عودة الملك الأردني من واشنطن، كان الأردن يتحرّك لضربات تستهدف داعش في الحدود السورية الأردنية القريبة من فلسطين المحتلة، قرب منطقة اليرموك والشجرة، ثم يتوجّه بطلب انضمام عاجل إلى مسار أستانة الذي ترعاه موسكو وطهران وأنقرة لوقف النار، ويشارك في الاجتماع التنسيقي عارضاً ضمّ الجماعات المسلحة جنوب سورية لوقف النار وإعلان الحرب على داعش والنصرة، وهي الجماعات التي تديرها غرفة الموك الأميركية من عمان، وتموّلها السعودية.

– لا يمكن تخيّل التحولات الأردنية السريعة بالتزامن مع زيارة الملك الأردني لواشنطن، من دون توافر ثلاثة شروط، الأول طلب أميركي أو مباركة ودعم على الأقل لهذا التحوّل، الثاني الحصول على تشجيع سعودي أو قبول على الأقل، الثالث ضوء أخضر «إسرائيلي»، وخصوصاً لتنفيذ غارات بسلاح الجو الأردني في مناطق حساسة ودقيقة، أو عدم ممانعة على الأقل، والثلاثة محورها واحد بالضرورة قرار أميركي بدعم مسار أستانة، ريثما ينضج مسار جنيف والمشاركة الأميركية الفعالة في الحرب والمسار السياسي بعد قمة الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.

– المعلومات المتداولة تقول إن السعودية وتركيا تعاونتا لدفع الأردن للقيام بالتحوّل والتموضع قطعاً للطريق على ما تعده واشنطن وموسكو لمنح مصر المقعد العربي في مسار أستانة، وأن الرياض التي وقفت بإيجابية لتشجيع مسار التسوية في لبنان، وقد استطاعت الرياض رغم صراخ قادتها عن النفوذ الإيراني وحربهم المعلنة على حزب الله، اكتشاف طريقة تشجيع مواربة لحليف يقوم بمبادرة تخترق جدار الجليد ولا يتحمّلون مسؤوليتها، بل يباركون نجاحها، ويقفون في صفوف متلقي التهنئة في حال النجاح، ويبدو أن الاختيار وقع على الأردن الذي يعرف أنه لا يملك قدرة تنفيذ غارات من دون غطاء دولي إقليمي كبير، ولا يملك قدرة جلب الجماعات المسلحة لمسار أستانة والحرب على النصرة وداعش من دون مثل هذه التغطية وأكثر، وأن مكاسبه بضمان أمنه من هذا التموضع كبيرة، عدا عن عائداته المعنوية، والأهم ما يرافق ذلك كله من علامات ضمنية لتعاون وتطبيع للعلاقات السورية الأردنية الحكومية لا تملك السعودية القيام بها مباشرة، الآن على الأقل.

– تباطأت مصر في التحرك نحو ملاقاة مسار أستانة والاستعداد لملء الفراغات في آليات وقف النار، وهي الأكثر أهلية ومقبولية، وتريح الجميع من مشاركين ومعنيين، وهي التي ترمز للغطاء العربي الذي يحتاجه مسار أستانة، ومع أهمية الخطوة الأردنية ومعانيها، يبقى أن الوقت لم يفت على خطوة مصرية سيكفي حدوثها ليحمل معه تحوّلات كبرى في التوازنات ويمنح المسار نحو الحل السياسي والحرب على الإرهاب قوة دفع كبيرة، ويصير الأردن واحداً من دول الجوار التي تنضم للمسار ومثلها يفعل لبنان والعراق، بينما تشكّل مصر الشريك العربي الذي يقيم التوازن الإيجابي مع تركيا وإيران.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى