السعودية وإيران: ماذا بعد اليمن؟
عامر نعيم الياس
تطوّرات متسارعة وضعت صنعاء في قبضة جماعة «أنصار الله»، أو الحوثيين كما جرت تسميتهم منذ سنوات. يوم جديد في تاريخ المنطقة عموماً والخليج خصوصاً. السعودية التي خاضت مواجهات دامية مع جماعة عبد الملك الحوثي كانت آخر جولاتها عام 2009، والتي ولّفت والأميركيين تنازل علي عبد الله صالح عن الحكم وإبقاء شكل النظام اليمني على حاله. المملكة الهرمة وجدت نفسها يوم 21/9/2014 في مواجهة الحوثيين في صنعاء مسيطرين على الأوضاع فيها وفارضين على الرئيس، المعيّن بتوافق سعودي ـ أميركي محض، اتفاقاً برعاية من المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر، رفض فيه الحوثيون «التوقيع على الملحق الأمني الذي ينصّ على تسليمهم المؤسّسات الحكومية التي استولوا عليها إلى الحكومة وإخراج مسلّحيهم من صنعاء ومن محافظة عمران».
وصل الحوثيون إلى صنعاء، فالتقى وزيرا خارجية إيران والسعودية في نيويورك لمدة ساعة، لقاءٌ هو الأول من نوعه منذ وصول الرئيس حسن روحاني إلى السلطة في آب 2013 وإعرابه عن استعداده زيارة المملكة السعودية والبدء بخطوات تقارب معها، فهل اجتماع ظريف ـ الفيصل مجرد صدفة؟ أو أنّ للأمر أبعاداً أخرى؟ هل بالإمكان الفصل بين توقيت سيطرة الحوثيين على صنعاء والحراك القائم في المنطقة والعالم في شأن الحرب الكونية الجديدة للرئيس أوباما على تنظيم «داعش»؟
تصريحات الجانبين الإيراني والسعودي بُعيد لقائهما تحمل في طيّاتها بوادر تحوّل في مقاربة الملفّات الخلافية المتعدّدة بين البلدين، أو بالأحرى البدء بمحاولة مراجعة سياسات الاشتباك في أكثر من ساحة في المنطقة. فوزير الخارجية الإيراني قال حرفيّاً: «باعتقادي ووزير الخارجية السعودي أنّ هذا اللقاء سيشكّل فصلاً جديداً في العلاقات بين البلدين». فيما ردّ سعود الفيصل بالقول: «إيران والسعودية بلدان نافذان في المنطقة والتعاون بينهما سيؤدّي إلى تأثيرات لا يمكن إنكارها في إرساء الأمن والسلام إقليمياً وعالمياً… آمل أن نجتمع المرّة المقبلة في السعودية».
هذه التصريحات تفتح الباب أمام سيناريوات متعدّدة يأتي في مقدّمها اندفاع الرياض تحت ضغط الوضع الجديد في اليمن إلى إبرام تهدئة من نوعٍ ما في ساحات اشتباك أخرى مع طهران. بدءاً من العراق مروراً بلبنان وليس انتهاءً بسورية. هنا يتحرّك الموقف السعودي بالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية، كون صفعة اليمن موجّهة إلى المبادرة الخليجية والرعاية الأميركية لها التي أفرزت السلطة الحالية والتي انهارت تحت استراتيجية تحرّك «أنصار الله». استراتيجية منسّقة، تدقّ جرس إنذارٍ بالنسبة إلى المحور السعودي ـ الأميركي في ساحات أخرى في المنطقة يأتي لبنان على رأسها. فهل تتحرّك الرياض لتغيير من نوعٍ ما في سياستها في سورية لتلافي حدوث تحرّك مماثل في لبنان في ضوء الاستفزازات الأخيرة للمقاومة والجيش اللبنانيين من جانب «جبهة النصرة» التي تقع في قلب الاستراتيجية الأميركية ـ السعودية للحرب على «داعش»؟
في العراق، تتحرّك المرجعية الدينية الشيعية لتحديد هامش مناورة الإدارة الأميركية في حربها على تنظيم «داعش»، ووضع نقاط محدّدة لتقاطع المصالح الأميركية العراقية الإيرانية في القيام بحرب على تنظيم «داعش»، بغضّ النظر عن إمكانية التعاون المباشر في هذه الحرب بين محور المقاومة والمحور الأميركي.
وفي لبنان تبدو تجربة الحوثيين مستقاة من تجربة 7 أيار عام 2008، لكن بحسابات خاصة بالوضع الداخلي اليمني من ناحية، ومن ناحية أخرى الحرب الأميركية الجديدة على تنظيم «داعش» والتي تهدف إلى عودة البيت الأبيض لضبط التراجع في مواقع حلفاء واشنطن وقيادة عمليات إعادة التوازن من الصفوف الأمامية. حسابات وضعت حلفاء طهران على مضيق باب المندب شركاء أساسيين في حكم اليمن من صنعاء لا من صعدة. تطورٌ تدرك الرياض أبعاده في حديقتها الخلفية إن صحَّ التعبير، فاليمن صار بين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة والمعادي بالمطلق لحكم آل سعود، وبين الحوثيين الذين واجهوا الجيش السعودي قبل سنين. فهل يضمن الحكم الجديد في اليمن الهدوء مع الرياض مقابل بعض الهدوء في دمشق؟ أو بالحد الأدنى التنسيق المباشر مع حلفها في ما يخصّ ملفّ الضربات الجويّة المزعومة لأوباما داخل الأراضي السوريّة؟
كاتب سوري