دبلوماسية «برّي» تسقط عند الخطوط الحمراء

روزانا رمّال

رجّحت أوساط دبلوماسية متابعة لـ»البناء» أن لا يمرّ تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري في مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية الذي أقيم في طهران، ودعا فيه إلى إغلاق «السفارات في واشنطن» اللبنانية والعربية والإسلامية المعنية، حال تنفيذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعوده بنقل السفارة الأميركية الى القدس, مروراً عادياً عند كل من الخارجية الأميركية في واشنطن والسفارة الأميركية في بيروت لأسباب «دبلوماسية» و»سياسية»، خصوصاً لما يمثّله برّي من رمزية عربية وازنة تمثّل حيثية انبثقت عن مقاومة الاحتلال منذ عقود. وتابعت الأوساط «يعتبر كلام الرئيس بري تهديداً مباشراً للأميركيين بأن العلاقات الأميركية مع بعض الدول لن تكون على ما كانت عليه، وأن الدبلوماسية الأميركية مهدّدة. فهذه مسألة لن يتساهل فيها أكثر من كانت تعتبرهم واشنطن مفاوضين بارعين أو دبلوماسيين مخضرمين يفقهون ماهية إدارة العلاقات الدولية كالرئيس بري». وهي خبرت التعاطي معه لعقود طويلة في مسائل أساسية وكبيرة تتعلق بحرب تموز بشكل خاص، حيث كانت حركة الوفود الأميركية تقصد بري للبتّ في شكل بنود وقف اطلاق النار وغيرها من مصير قوات اليونيفيل والقرارات الأممية التي لا يمكن للإدارة الأميركية تجاهل دوره الفاعل والكبير فيها. وعليه تختم الأوساط نفسها «سيكون أمام واشنطن مهمة متابعة الملف بجوانبه كافة، فالرئيس بري وما يمثله كرئيس الاتحاد البرلماني العربي، ونافذة المفاوضات بين الأوروبيين والأميركيين في لبنان، قادر على التأثير في هذا الإطار، لذلك لن تتجاهل الخارجية الأميركية أبعاد كلام بري على الإطلاق».

حاولت الإدارة الأميركية الالتفات إلى مسألة الثنائية الشيعية التي شكّلها حلف حزب الله وحركة أمل بإطارات متعدّدة الأوجه، مركّزة على مسألة التفريق بين حزب الله الشيعي الذي يقاتل ميدانياً وعسكرياً وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يفاوض الوفود الغربية التي توافدت على لبنان في حرب تموز من أجل التوسط لإنهاء هذه الحرب ومن أجل متابعة مسألة العراقيل التي حالت دون إصدار قرار أممي بات لاحقاً 1701 بالشكل الذي أرادته «اسرائيل» والمضمون أيضاً الذي كان مفترضاً ان يكرس القوات الدولية قوة عسكرية ضمن الفصل السابع الذي يبيح استخدامها، فيقع المحظور.

المفاجأة تجسّدت أميركياً بذهاب بري بعيداً جداً عما كان متوقعاً، ففي حين يوصَف بري بالدبلوماسية «المحنّكة» و»الخلاقة» عند الدبلوماسيين الأجانب، ومعهم العرب، وجدت واشنطن أن هذه الدبلوماسية سقطت فوراً عند حدود «خطوط حمراء»، يراها بري كما يراها كل مؤيّد لحزب الله محلياً كحركة مقاومة لأي اعتداء «اسرائيلي» مقبل، وليس وارداً أن يكون كلام استثنائي من بري من هذا العيار نوعاً من الواجب الخطابي أو الكلامي عند شخصية وازنة مثله.

يدرك الأميركيون صعوبة أي مهمة دبلوماسية محلية في حال وقوع أي اشتباك بين لبنان و»اسرائيل» من دون العلاقة الجيدة بين مع لبنان، وخصوصاً مع بري المفوَّض من حزب الله لإدارة العملية السياسية، كما كان الحال في تموز 2006. هذا كله يُضاف إلى إمكانية أن تتطوّر مسألة سحب سفير لبنان من أميركا لطرد سفيرها من بيروت، إضافة الى ما يمكن لدول عربية أو إسلامية وكل مَن يؤيّد القضية الفلسطينية من الحكومات في بعض دول أميركا اللاتينية أن تحذو حذوَ لبنان، فلا شيء مضمون بهذا الإطار أميركياً، وهو الأمر الذي ستدرسه جيداً.

رفع بري الصوت عالياً من دون شكّ عن سابق تصوّر وتصميم، على الأقل بالشق الذي يعنيه شخصياً، ويعني ما يمثله تاريخياً بقطع العلاقة مع واشنطن وهو يدرك أن هذا الخطاب سيصل المعنيين من دون إغفال ضرورة أن يُقدّم دعم لبنان الرسمي اللازم في مسألة من هذا النوع ومناسبة تحتضن فيها طهران ما تبقّى من أمل لانتفاضة فلسطينية كبلد إسلامي يناصر قضيتها.

يقول بري من طهران «نقول للإدارة الأميركية، مجرد التلاعب بالألفاظ ونقل السفارة أمر يشجّع «إسرائيل» على اتخاذ المزيد من القرارات الاستفزازية لإشعال الشرق الأوسط. وأنا أدعو لتحرّك عربي في حال اتخاذ هذه الخطوة بإغلاق جميع السفارات في واشنطن. فقد آن الأوان لوقف المجاملات وتحقيق الإجماع حول فلسطين».

عملياً, الحديث عن حلّ الدولتين يغيب تلقائياً، بمجرّد نقل السفارة الأميركية إلى القدس. الأمر الذي يصعّد الأمور ويزيدها تعقيداً على أن لا تعود عقارب الساعة إلى الوراء فترتفع إمكانية اندلاع انتفاضة في الشارع الفلسطيني، بشكل مباشر لحظة التوقيع على هذا القرار. وهنا فإن جدوى هذه الخطوة، حسب المعلومات من واشنطن لا تزال قيد الدرس، خصوصاً بعدما أشيع أن بعض المسؤولين الأميركيين و»الإسرائيليين» نصحوا ترامب بالتروي ما يؤكد على القلق الذي قد يغزو «إسرائيل» بالرغم من «استماتتها» لتحقيق الإنجاز.

الأكيد أن الإدارة الأميركية ومعها الحكومة «الإسرائيلية» ستدرسان كلام بري جيداً ليُضاف خطابه الى مجمل الملفات المتعلقة قيد الدرس، وإذا كانت مسألة العلاقات مع الدول العربية مضمونة بالنسبة لواشنطن جراء هذه الخطوة «في ما لو حصلت»، فإن بري أكد بوضوح أن هذا الأمر لا ينسحب على لبنان الذي سيكون له موقف خاص من القضية مستخدماً ثقله وما يتمتع به من وزن سياسي ودبلوماسي عربي، مع ما يتمتع به من موقع استراتيجي من صلب الصراع مع «إسرائيل» وقدرته على تشكيل عامل استقرار إقليمي.

هكذا تُسقط خطوط القدس «الحمراء» دبلوماسية بري…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى