تفجيرات حمص ورسائل عين الحلوة مؤشرات تصعيد محتمل
روزانا رمّال
يتخوّف اللبنانيون من رسائل جاءت قاسية هذه المرة بدلالات تزامنها مع زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي تم استقباله على وقع الاشتباكات الخطيرة في المخيم مع ما حُكي عن ان الاشتباكات ليست فلسطينية فلسطينية، فهل هذا يعني أن أمن المخيم خرج من يد الفلسطينيين، وأن هذا هو الواقع الجديد الذي على الدولة اللبنانية التعاطي به على أساسه؟
يتحسّب رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري من مخاطر الاشتباكات التي اندلعت في مخيم عين الحلوة في هذا التوقيت، واصفاً إياه بالخطر الكبير قائلاً «أخشى أن يكون افتعال المعارك في المخيّم هدفه قطع طريق الجنوب». قلق بري لا يوضع ضمن إطار معارك محلية بحتة يمكن ضبطها كإشكالات خاصة او فردية بين سكان المخيم أو بعض المسوؤلين فيه، بل تتعلق بقرارات إقليمية بحجم اللجوء الى تصعيد يأخذ الى قطع طريق الجنوب الحيوي الذي يتكفل أن يؤدي الى اشتباكات قد تخرج عن نطاق عين الحلوة لتصل الى تلك المشابهة لمعارك عبرا في صيدا التي لم تكن الا نتيجة ارتباطات المجموعات الإرهابية بأجندات إقليمية وعربية أخذت على عاتقها في ذلك الوقت دعم الحركات المتطرفة، ابرزها حركة «الأسير» وغيره من الفصائل التي تشكل اليوم جزءاً كبيراً من سكان المخيم. يدرك بري أن اللحظة مؤاتية لتصعيد من هذا النوع مع فوضى إقليمية وديبلوماسية تحيط بالملفات كافة منذ وصول ترامب الذي لا يزال في مرحلة تمتين إدارته الى سدة الحكم.
الخشية تكمن في صفارة انطلاق نحو عملية عسكرية يستدرج إليها الجيش اللبناني، بحيث لن يبقى بمقدوره البقاء على الحياد فتفح معه جبهات قتال غير محسوبة النتائج مع ما يشكل وجود الجماعات الإرهابية المتطرفة في جرود عرسال البقاعية من أخطار وتوافق أهدافه مع تعليمات إقليمية في ذلك، فهذه القوى المدعومة لا تتحرك محلياً بدون غطاء يحفظ حركتها ويحدد توجهاتها.
في هذا الوقت تصف مصادر سياسية لـ«البناء» زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمخيم بالزيارة الفاشلة كنتائج عملية، نظراً لما تكشف فيها من عجز عن ضبط أوضاع المخيمات وتوضيح حيثية حركة فتح في المخيم، كما انه لم يلاحظ حسب المصادر نفسها بذل مجهود لجهة عقد اجتماعات مكثفة مع قادة فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية لتحييد المخيمات وتحديد المهام والأدوار المطلوبة من الفصائل في حال تدهور الأوضاع، إضافة الى ان الرئيس عباس ذهب من دون الاطمئنان على مصير المخيم الذي استعرت فيه الاشتباكات فور مغادرته، فما هو إنجاز الزيارة اذاً؟
أسئلة كثيرة طرحت ومن بينها مخاطر ان تتحوّل مخيمات لبنان الى ملاذ كثيف للإرهابيين على غرار مخيّمات سورية للاجئين الفلسطينيين، وأبرزها مخيم اليرموك، التي دخلت الصراع السوري من دون أن يكون هناك توجه فلسطيني لتحييدها كما تصرح القيادة الفلسطينية اليوم عن عين الحلوة. وقد يُعزى ذلك لوجود حماس في سورية بدلاً من فتح في ذلك الوقت كحضور وازن، لكن الاهم ان الامور خرجت عن سيطرة الفصائل الفلسطينية بشكل كامل وتحوّلت مخيمات سورية الى مخيمات تأوي الارهاب وتصوّب على الجيش السوري واعوانه.
في هذا الوقت تلفت التفجيرات الضخمة التي هزت مدينة حمص على وقع مفاوضات جنيف بعملية مؤلفة من ستة انتحاريين استهدفت قيادة الأمن العسكري المركزي في حمص وأوقعت ضحايا بأعداد كبيرة، بعدما كانت الامور بدأت تتوجه نحو تهدئة اعادت الحياة الى طبيعتها تدريجياً في المنطقة، كما غيرها من المناطق المحررة.
الأكيد ان حركة «جبهة فتح الشام»، النصرة سابقاً، مقيدة بارتباطات إقليميةن حيث يستحيل الإقدام على تفجير من هذا النوع والمتعدد الأهداف والرسائل والقادر على نسف المحادثات السلمية من دون «غطاء» وازن بحجم توازنات القوى الكبرى. وهنا تتكشف رغبة الولايات المتحدة بالتصعيد عبر أيدي المجموعات الإرهابية والدول الراعية والحليفة لواشنطن بطبيعة الحال. اعترف الجولاني بمسؤولية «فتح الشام» عن العملية مهاجماً المعارضة السورية قائلاً إن هجمات حمص «هي درس للمنهزمين في جنيف وأستانة»، في إشارة منه إلى جهود التسوية السلمية للأزمة السورية.
التصعيد الواضح في الأزمة السورية ورسائل التصعيد الممكنة في لبنان تعيد الحسابات الى مربعها الاول، وتشرح امكانية انزلاق الأمور على المستوى اللبناني بشكل مقلق، خصوصاً ان لبنان الذي تقع على عاتقه مسؤولية إثبات قدرة العهد الجديد على مسك زمام الامور وحماية التوافقات استقبل رسالة عين الحلوة لتنفي وقوعه ضمن حسابات التحييد الإقليمي او الدولي، كما أشيع في مرحلة سابقة وعليه فإن إمكانية تحويل مخيم عين الحلوة الى قنبلة بوجه الجيش اللبناني ومرحلة التوافق الجديدة التي تصب في خانة العهد الحليف لحزب الله ممكنة في أي لحظة تقرّر فيها القوى الإقليمية إطلاق صفارة انطلاق الاشتباك من بوابة جنوب لبنان التي تؤثر مباشرة على المدى الحيوي لحزب الله وقاعدته الشعبية بعدما فشلت في هزيمته بأكثر من جبهة محلية وخارجية في سورية مع استمرار الضغط الدولي عليه للخروج منها. وهنا فإن توقع مزيد من الضغط على الحزب هو المجرح في أي جبهة قادرة على إخراجه بثقل الضغوط من المعادلة السورية.
تفجيرات حمص المتقاطعة مع مفاوضات جنيف أكدت رفع منسوب الخلاف الاميركي الروسي الذي لم تقدم ادارة ترامب على تقليصه، كما وعد فعاد الكباش الكبير في سورية والجوار الى الارتفاع لأعلى المستويات ما بين التأهب والانتظار.