هل من رهان على عقلانية تركيا الأردوغانية؟
يوسف الصايغ
ثمّة أمور تفرض على تركيا أن تنعطف بين الحين والآخر، فقد خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليعلن أن بلاده مستعدة لمشاركة روسيا في القتال ضد داعش في سوريا، إذا اقترحت موسكو ذلك، وقال أردوغان في حديث مع الصحافيين في الطائرة التي نقلته من باكستان إلى أنقرة: «إذا قدمت روسيا اقتراحاً بخصوص القتال المشترك ضد داعش، فمن المحتمل أن يتحقق ذلك».
وأشار أردوغان الى أن الزيارة التي سيقوم بها إلى روسيا بعد أيام والتي ستظهر إمكانية لمناقشة هذا الموضوع من الجهات كافة»، وبناء عليه يبدو تصريح أردوغان الأخير بمثابة محاولة جديدة لخطب ودّ الروسي بهدف تحسين العلاقات بين البلدين بدرجة أكبر، وذلك استكمالاً لما بدأه في آب من العام الفائت، عندما زار روسيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وعقد لقاء قمة مع الرئيس فلاديمير بوتين في مدينة سان بطرسبورغ، والتي كانت بمثابة إعلان عن استعادة العلاقة بين أنقرة وموسكو بعد رسالة الاعتذار التركية من موسكو، والتي جاءت على خلفية إسقاط السوخوي الروسية بذريعة دخولها المجال الجوي التركي.
الواضح أن الظروف التي حصلت بين موعد زيارتَيْ أردوغان الى روسيا اختلفت إن لجهة التطورات الميدانية والعسكرية أو على صعيد المتغيّرات والمواقف السياسية، لا سيما في ضوء تبدّل الإدارة الأميركية، وما ظهر على أنه عودة تركية إلى الحضن الأميركي بحسب ما ترى مصادر متابعة، لكن هناك مَن يفسّر الغزل التركي لموسكو وقيصرها، بأنه تيقّن من قبل أردوغان أن رهانه على الرئيس الأميركي دونالد ترامب بات رهاناً خاسراً، وبالتالي لا مصلحة لأنقرة بالاصطفاف في خندق ترامب ضد روسيا ومعها إيران والصين، ومَن معهما.
ولعل ما يعزز هذه النظرية الانعطافة التركية السريعة باتجاه إيران والتي تجلّت باللقاء الذي جمع أردوغان ونظيره الإيراني الشيخ حسن روحاني على هامش قمة الإيكو، وما سبقه من كلام إيجابي لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي أعلن أن بلاده لن تنسى دعم إيران ووقوفها الى جانب تركيا، حكومة وشعباً، أثناء الانقلاب الفاشل، كما أشار الى أن «هناك قواسم مشتركة كثيرة بين إيران وتركيا والتعاون القائم بين الشعبين الإيراني والتركي ساهم في تطوير العلاقات الأخوية».
الموقف التركي الأخير والذي اتسم بالإيجابية تجاه إيران، جاء بعد الكلام الشديد اللهجة الذي ورد على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، رداً على اتهامات أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش اوغلو لإيران بالعمل على تقسيم سورية والعراق وتشييعهما»، وبأنها تتصرّف من منطلقات قومية فارسية، وتتبنّى سياسات تؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة»، لكن الرد الإيراني الصاعق كان كفيلاً بجعل أردوغان يستفيق من غيبوبته ومراجعة حساباته، وعليه يبقى الرهان على حدّ أدنى من العقلانية التركية في قراءة التطورات الميدانية في سورية والعراق، من أجل حسم أمرها والتخلّي عن مغامراتها التي لم توصلها الا الى حائط مسدود، خصوصاً لجهة الرهان على الدور الأميركي في المنطقة والذي ثبت فشله على أكثر من مستوى.
ومن هنا يجب على تركيا أن تعمل لاستعادة شعار «صفر مشاكل» مع جيرانها بما يحفظ أمنها واستقرارها ويمنع تقسيمها وانهيارها.