اللغة فسيفساء كنبض بلاد الشام معرض «حروفيات» يجمع الجمال والأصالة احتفاءً بلغة الضادّ
عبير حمدان
اختارت الحركة الثقافية وغاليري «ق Art»، الاحتفاء باللغة العربية بطريقة خاصة، فجمعت فنانين من لبنان وسورية وفلسطين والعراق تحت مظلة معرض «حروفيات»، الذي بدا كفسيفساء تشبه بلاد الشام بما فيها من جمال وأصالة.
ولأنّ الخط العربي يحمل بُعداً فنّياً غنيّاً، بدت اللوحات مشبعة بالنبض المقيم بين الفواصل، ما يدفع الناظر إلى عمق كلّ لوحة، للبحث عن السرّ الكامن في هذه اللغة، ومدى تأثيرها على الخطوط التشكيلية لدى أرباب هذا الفنّ.
معرض «حروفيات» الذي افتُتِح في الأول من آذار احتفاءً باللغة العربية، قدّمت الجهة المنظّمة له التحية إلى الفنانين الراحلين وجيه نحلة وزهراب، وكان افتتاحه برعاية سفير فلسطين.
ناصر الدين: اللغة ما زالت موجودة
تتحدّث الزميلة أحلام ناصر الدين عن المعرض بحماسة، وهي التي جهدت لتنظيمه، وتواصلت مع الفنانين المشاركين فيه، وواكبت كافة التحضيرات ولم تفارق اللوحات التي حفظتها عن ظهر قلب، بما تضمّه من تفاصيل، فتقول: يوم اللغة العربية في بلاد الشام يصادف في الأول من آذار ، واحتفاءً بهذا اليوم قرّرنا بعد الاجتماع التواصل مع عدد من الفنانين التشكيليين من لبنان وسورية وفلسطين والعراق. وكان الحدث برعاية سفير فلسطين لأنّ اللغة العربية ما زالت تقاوم اللغة العبرية في فلسطين المحتلة، وما زالت صامدة وكذلك القضية الفلسطينية التي يريدون طمسها كلّ يوم.
وعن علاقة الفنّ باللغة والرؤية التي أراد المعرض ترجمتها، تقول ناصر الدين: لم يعد لدى المتلقّي الشغف بالتأمل باللوحات والاهتمام بسراديب فنّها. واللغة العربية تواجه صعوبات مقابل الكرشونية… والجيل الصاعد ما عاد يهتمّ بلغته. أصبح التواصل الاجتماعي أسهل كتابة بالكرشونية التي هي وليدة العولمة. العولمة في الفنّ التشكيلي هي باختصار أن نرسم لوحاتنا بعيداً عن كل ما يمتّ بِصِلة إلى تراثنا وإلى حضارتنا وإلى موروثنا الشعبي وإلى لغتنا، أي أن نتخلّى نهائياً عن الهوية التي تميّز وطننا عن باقي الأوطان في العالم. نرسم مساحات وألواناً وخطوطاً بلا أيّ موضوع وبلا أيّ مضمون، ونسمي ذلك فنّاً معاصِراً، فنّاً حديثاً، فنّاً يقرّب العالم من أجزائه المبعثرة، فنّ التجريد من كلّ قيمة تشكيلية حقيقية، والاكتفاء بهذه العبثية في اللوحة. ولذلك سعينا في معرضنا إلى أن نجمع أكثر من موضوع فنّي وأكثر من مدرسة : كلاسيكي وتجريدي وتعبيري ونحت على الخشب وإعادة تدوير بهدف إيصال رسالة واضحة إلى المتلقّي بأن اللغة العربية ما زالت موجودة ولها صدى في الفنّ، ويتناولها الفنانون بأكثر من أسلوب فنّي. فنّ الخط العربي هو فنّ إعطاء شكل للعلامات بطريقة معبّرة ومتناغمة وماهرة، وهو أحد فنون كتابة الكلمات العربية. وأحد فنون المراسلة التجريدية. لذا، الحروفيات أصبحت هاجس غالبية الفنانين لما تضفيه من قيم جمالية للعمل التشكيلي، ولا يشترط الآن أن يكون الفنان الحروفي خطّاطاً. والدليل على ذلك أن غالبية الذين شاركوا في معرض «حروفيات» ليسوا خطّاطين.
ميا: الوطن
يشارك الفنان السوري ذوالفقار ميا في حروفيات من خلال رؤية محدّدة تعمّدها، ويرى أن لوحاته تختصر الفكرة التي يضيء عليها المعرض، وهذه المشاركة هي تجربته الأولى وعنها يقول: حين تواصلت معي الصديقة أحلام ناصر الدين وأخبرتني عن فكرة المعرض، أوّل ما تبادر إلى ذهني ارتباط الشاعر أو الكاتب باللغة. لذلك اخترت أربعةً من أعلام اللغة العربية ومن أعلام الشعر العربي المعاصر، ممّن كان لهم الأثر الكبير حتى اليوم بالخطّ والشعر. ولأن المعرض يجمع لبنان وسورية وفلسطين والعراق جمعت هذه الكوكبة من الأسماء تحت عنوان «وطن»، وهل هناك أعظم من ربط الوطن بالكبار أمثال نزار قباني ومظفّر النواب وجوزف حرب ومحمود درويش؟!
ويضيف ميا: بيروت قدّمت إليّ الفرصة الأولى. وسيكون هذا المعرض خطوتي الثابته لأكمل مسيرتي الفنية التي تأثّرت سلباً بالواقع السوري الذي نأمل أن يتبدّل نحو الأفضل.
الحاج حسن: فلسفة التعالي
نرى السواد في لوحة الفنان اللبناني طلال الحاج حسن الذي يعتبر التناقض بين الألوان حالة خاصّة. ويؤكد أن تجربته لا تقوم على السوداوية، إنما هي نوع من الترفّع الذي يقارب التصوّف. وعن مشاركته يقول: لوحتي الصغيرة هي كلمة «الله»، وفيها نزعة تصوّفيه كما الكثير من تجارب الحروفية التي جسّدت كلمة «الله» بأبعاد مختلفة.
أما في خصوص اللون، فهو مرتبط بتجربتي القائمة على التناقض اللونيّ بين الأبيض والأسود كونهما لونين حياديين، بل إنهما لا يُعتَبران لونين. ومن هنا انطلقت، ومن مبدأ تقشّف للون كنزعة تصوّفية، أنا لست ضدّ اللون ولكنّني أستعمله حين أرى أنّ وجوده ضرورة، وما عدا ذلك أتمسّك بنزعتي الفنّية الخاصّة، إنها فلسفة التعالي والترفّع فوق كل شيء.
يذكر أنّ الفنانين الذين شاركوا في المعرض هم: من لبنان: د. عادل قديح عماد يموت، طلال الحاج حسن خيرات الزين فادي يقظان حمدي طبارة علي عاصي رانيا عمرو حسين يونس، حسن خضرة عباس مكّي ساجدة شاهين وقمر عمري. ومن سورية: أكسم طلّاع غسان اسماعيل سعاد الحسيني نضال آغا هادي قاصوص ذو الفقار بدر ميا. ومن العراق: حسن المسعود و مختار الأنصاري. ومن فلسطين: روان جبّارين.
وقد تمّ على هامش المعرض تقديم درع تكريمية لعائلة فقيد الفنّ الراحل عدنان المصري. ويستمرّ المعرض حتى 12 آذار الحالي.