كتاب مفتوح إلى فخامة رئيس الجمهورية
أسامة العرب
فخامة الرئيس،
لعلّ المسافة التي تفصلنا عن انتهاء ولاية مجلس النواب تسمح لي بأن أقارب الشؤون والمعضلات الوطنية بمزيد من الصفاء والموضوعية، وفي أي حال هذا ما أتمنى.
بينما الشعب يتشوّق أن يرى إقرار قانون انتخاب عصري في هذه المناسبة، وسلسلة رتب ورواتب عادلة للمعلمين والإداريين والعسكريين، وتخفيض لنسبة الضرائب الملقاة على عاتق الطبقات الفقيرة، إذ به يرى أن الهوّة بينه وبين السياسيين في مزيد من الاتساع، والخطابات الرنّانة والوعود الفارغة والمواقف الدونكيشوتية، التي تُفقد الثقة بالطبقة الحاكمة والطبقة السياسية.
أنتم تعلمون يا فخامة الرئيس، أن الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني هي من الطبقات الفقيرة، والتي لا تستطيع أن تتحمّل مزيداً من الضرائب على سعر ربطة الخبز وفواتير الكهرباء والهاتف ورسوم كتاب العدل وعلى القيمة المضافة ورسوم مغادرة المسافرين وحمولة المستوعبات والودائع الزهيدة في المصارف والمواد الغذائية وغيرها.
كما تعلمون بأن 70في المئة من الأسر اللبنانية تشهد هجرة أحد أفراد عائلتها، بعدما بلغ معدّل البطالة في لبنان 60 في المئة ، ناهيك عن وصول أعداد الفقراء إلى إجمالي 50 في المئة من السكان، وتركّزه في صفوف العاملين والمياومين والموسميين.
هذا عدا أنّ فقدان الرعاية الصحية بات يطال شريحة كبيرة من اللبنانيين تمثل 60 في المئة منهم، فيما تحذّر وزارة الصحة بأنها باتت غير قادرة على تلبية المزيد من حاجات المساكين التمويلية، والمستشفيات تخلق آلاف الأعذار لكي لا تستقبل المزيد من المشتركين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
أما الرواتب التي يتقاضاها 85 في المئة من الموظفين فتكاد لا تكفيهم حتى اليوم الخامس من كل شهر، فيما الحصول على راتب تقاعدي وتأمين طبي عند الكبر، أشبه بورقة لوتو أو يانصيب، لا تطال سوى نسبة 20 في المئة من العمّال المحظوظين.
إيجارات العقارات في مزيد من الارتفاع، ومع تحرّر عقود الإيجار القديمة قريباً يخشى قدامى المستأجرين أن يفترشوا الأرض في غياب سياسة إسكانية تنصف محدودي الدخل.
ولأن الإصلاح لا يمكن تصوّره إلا من خلال مجموعة من القواعد التي تفتح الباب أمام أفق جديد للاقتصاد، وتساهم في مناعته وقدرته على النمو ورفع مستوى المعيشة بالنسبة للفئات المهمّشة والمستضعفة، فإنّ الشّعب في محنته هذه، يتطلّع إلى رأس الهرم، إلى رمز الوطن ووحدته وحامي الدستور وحارس استقلال لبنان.
الشعب يتوق إلى إجراء معالجة إصلاحية جذرية، إلى خطّة اقتصادية شاملة تؤسس لسياسة أمان اجتماعي مبنية على تأمين حد أدنى من الخدمات لمليون عاطل عن العمل وآلاف العجّز والمشرّدين ولجميع الحالات الاجتماعية المستعصية، فضلاً عن سياسة نقل عام قليلة التكلفة وتعميم لخدمات الضمان الاجتماعي ودعم لسياسات الإسكان وتفعيل للتعليم الرسمي المجاني ومساعدات تؤمّن وصول المواد الغذائية الأولية إلى كل منزل وكل جائع وكل مسكين، واعتماد سياسات تدعم القطاعات الإنتاجية الوطنية، لا سيما الزراعية والصناعية.
نحن نعلم بأنكم يا فخامة الرئيس تحلمون منذ أمد بعيد بإجراء نقلة إصلاحية نوعية في مؤسسات الدولة وإداراتها، وهذا ما نأمل أن يتحقق قريباً. كما أن الجميع يدرك جيداً بأن هذا الأمر يحتاج الى تفاهمات تفصيلية مع الطبقة السياسية على أسس محددة. إلا أن أي حوار إصلاحي يجب أن ينطلق من أهداف أساسية يسعى لتحقيقها، ومن خطة متكاملة يجري الإعداد لها والسعي مع سائر الفرقاء لإقرارها، وبما يمكّن من مصارحة الرأي العام عن لبّ المشاكل التي قد تواجه الرئاسة في شؤون شتى.
ومن البديهي بأن اتّخاذ التدابير التي تحسّن الشؤون الاجتماعية في الدولة، وتقلّص الهوّة بين الفقراء والأغنياء، سوف تمنع تفاقم النقمة الاجتماعية كما أن تهيئة البيئة الحاضنة لإجراء إصلاحات بنيوية فورية على أساس خفض الدين العام بشكل كثيف خلال 5 سنوات، هو أمر ضروري، وكذلك رفع الضرائب بشكل عشوائي، واعتماد سياسة ضرائبية على الشطور لكونها تدخل في صلب تصحيح خلل التوازن في ميزان العدالة الاجتماعية.
إن الاقتراحات التي قدّمتموها يا فخامة الرئيس إلى مجلس النواب على مرّ سنوات عديدة، تصلح لأن تكون مثل هذه الخطة التي من الممكن أن يصار لطرحها والتباحث في بنودها بنداً بنداً على طاولة حوار مخصصة لهذا الشأن، بما يساهم بتحقيق توافق سياسي واسع على مقوماتها الإصلاحية كلها وتحديد شروطها وطريقة تنفيذها كما يساهم بإشراك كل الأطراف في النقاش لكي يتمتع الحوار بإجماع وطني ومدني كاملين، وهذا ما سوف يشكّل «وثيقة تفاهم اقتصادي -اجتماعي» تستطيع أن تنهض بالبلد وتعطي قوة وشرعية للعملية الإصلاحية فيه.
الأزمة في جوهرها وعلى اختلاف وجوهها ومظاهرها تكمن في أننا لم نستعِن حتى الآن بتجارب الدول الأجنبية، ولا بالخبرات الدولية في هذا المجال، فضلاً عن أننا لم نشرك المجتمع المدني ووسائل الإعلام بهذه الورشة الإصلاحية وبالتالي فإن النهوض بالاقتصاد الوطني ليس أمراً مستحيلاً، وإنما يحتاج لمن يسعى إلى إيجاد إرادة وطنية جامعة حول الإصلاح وإعادة بناء مؤسسات الدولة ضمن عملية تحديث وتطوير لمواجهة الصعوبات وتجاوز المشاكل والأزمات التي نعيشها.
ولا يخطرنّ في بال أحد أن باستطاعة المسؤولين أن يقفوا بوجه الرئيس والرأي العام ليقولوا لا للإصلاح، ولا للعدالة الاجتماعية المبنيّة على أسس من شأنها أن تُنصف جميع الطبقات الاجتماعية وتنقذ الاقتصاد الوطني من الانهيار
عقيم أي حوار يفرّق بين السياسة والاقتصاد، فالقاعدة الشعبية لأي حزب أو تيار تنطلق من اعتبارات اجتماعية واقتصادية قبل أي اعتبارات أخرى، ناهيك عن أن الاقتصاد الحرّ من شأنه أن يضع حداً للحروب وللفتن الطائفية والمذهبية ويرسي دعائم الوحدة الوطنية ويبني المؤسسات الدستورية على أسس سليمة وثابتة.
فخامة الرئيس، لقد استهلك السياسيون بخفتهم المتزايدة الحيّز الأكبر من رصيدهم في التعامل مع الرأي العام، فأصبح هامش تحرّكهم محدوداً لا محل فيه لتحقيق النهضة المرجوّة والازدهار المطلوب، كما أن أزمة عدم استطاعتهم التوصل لإقرار قانون انتخاب عصري، امتدت جذوره إلى الاختلاف حول المسائل الأخرى جميعها، ما أدى إلى شعور المواطنين بخيبة أمل وحرمان وهواجس، نتيجة عدم تمكّنهم من ممارستهم حقهم الدستوري بالاقتراع طيلة السنوات المنصرمة.
ولئن كانت الفئات المختلفة والطوائف المتعددة قد تقدّمت على غيرها في التعبير عن نقمتها بالشارع، إلا أن أنظار الجميع متجهة اليوم إلى فخامتكم لممارسة الضغوط على الطبقات السياسية بهدف وضع سياسة اجتماعية – اقتصادية شاملة، بما يمكّن من زيادة نسبة الوظائف العامة وزيادة الإنتاجية والمردودية وإطلاق الحكومة الالكترونية وزيادة القوة الشرائية ومعالجة مشاكل التضخم وغلاء المعيشة، لإعادة الثقة من جديد بالحكومة والمؤسسات الدستورية.
ونحن نتساءل: هل تعطيل الحوار البنّاء لمفاقمة الاحتجاجات في الشارع وتكرار تجربة الإفادات المدرسية، وتضييع فرصة إقرار قانون انتخاب عصري، وطرح فكرة التمديد غير التقني لمجلس النواب، أمر يُراد به خيراً للعهد الجديد؟
أياً تكن النتائج، فإن مجرد مبادرتك يا فخامة الرئيس، للمّ شمل الأطياف السياسية كافة على طاولة حوار اقتصادية -اجتماعية، سوف تأتي بمثابة مبادرة إنقاذ وطني، ما من شأنه أن يحصّن العهد الجديد من كل المحاولات التي قد ترمي لإفشاله، ويدافع عن وجه لبنان المقاوم والمستقل!
بادر يا فخامة الرئيس! كلنا معك!
محام، نائب رئيس الصندوق الوطني للمهجّرين سابقاً