البيت الأبيض: يجب قبول الواقع السياسي في ما يتعلق بالرئيس الأسد الحريري في بروكسل لمؤتمر النازحين يطلب تمويل التوطين بدل العودة

كتب المحرّر السياسي

انتهت الجولة الخامسة من محادثات جنيف الخاصة بالحل السياسي في سورية، من دون أن تتمكن جماعة الرياض من نيل ما تمنت من انتصارات ميدانية، كان مرسوماً لها أن تتضمّن سقوط مدينة حماة بيد جبهة النصرة، فترفع من صوت جماعة الرياض الداعي لرحيل الرئيس السوري، وتمنحه أسباب قوة تجعله مسموعاً، فكان فشل الهجمات التي شنتها النصرة ورمت فيها ثقلها الذي قدّرته هيئة الأركان الروسية بأكثر من خمسة عشر الف مقاتل شاركوا في معارك دمشق وحماة قتل قرابة الثلاثة آلاف منهم، الصفعة التي غيّرت اتجاه البوصلة وثبتت انتصار حلب، ونتائجه السياسية.

خرج السفير بشار الجعفري منتصراً يتحدّث بلغة الواثق عن أوراق قدمت ولم تلق جواباً، لأن وفد جماعة الرياض الذي تهرب من اتخاذ أي موقف من الإرهاب الذي يضرب في سورية، بل وقف يقدّم التغطية للإرهاب، يردد أوهاماً تختصرها معادلة «سلّمونا مفاتيح دمشق والحكم فيها». وهذا لن يحدث على الإطلاق.

وزير خارجية فرنسا يتحدّث بعد جولة جنيف وغزوة النصرة التي شاركت فرنسا برعايتها عن الحاجة للسعي لمصالحة سورية واقعية تخرج من عقدة البحث بأحادية مستقبل الرئاسة السورية، وكلام الوزير الفرنسي جاء محاولة لتقبل المتغيرات التي حملها الموقف الأميركي الجديد، بعد فشل حرب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، التي عاشت سورية فصولها في الأسبوعين الأخيرين، بعد زيارتين متتابعتين لكل من بن سلمان وبن يامين إلى واشنطن، وسقوط آخر أحلام تغيير الواقع الميداني بعد حرب حلب، ما رتب خروج موقف أميركي جرى التحضير له كبديل للفشل، عنوانه ما قالته ممثلة واشنطن في الأمم المتحدة عن تغيّر زمان السعي لأولوية إزاحة الرئيس السوري، وما قاله وزير الخارجية الأميركية عن كون مصير الرئيس السوري شأن يقرّره الشعب السوري، ليتوجّه البيت البيض بالدعوة لقبول التعامل مع الواقع السياسي للرئيس السوري بشار الأسد.

لبنان المتعب بمناقشات الموازنة، واللاهث وراء استيلاد قانون انتخاب، لم ينتبه رئيس حكومته لما يجري حوله في العالم وطبيعة المتغيّرات، فيذهب للمشاركة في مؤتمر عالمي في بروكسل تحت عنوان مواجهة مشاكل النازحين السوريين وفي طليعتها دول الجوار لسورية، ومنها لبنان، ليطلب تمويلاً لمشاريع بنى تحتية نصح الأوروبيون مجلس الإنماء والأعمار بتبنيها لوجود فرص للحصول عليها، طالما هي تندرج في إطار حزمة تسهيل شروط اندماج النازحين في بلاد النزوح، والوفود الأوروبية الناصحة هي ذاتها التي جاء وزراؤها إلى بيروت يروّجون لتوطين النازحين، بينما الوقائع تقول إن تمويل عودة النازحين إلى بلدهم أقل كلفة من استيعابهم ودمجهم، وأكثر واقعية وأقل خطورة على لبنان. والعودة صارت ممكنة إلى أكثر من ثلاثة أرباع الجغرافيا السورية، وممكنة أيضاً لمخيمات تُقام بالتعاون الثلاثي، بين لبنان وسورية والرعاة الدوليين.

أمن المطار ذريعة غربية للضغط

بينما تتقلب الصيغ والاقتراحات الانتخابية على جمر المهل الدستورية وتستمر القوى السياسية بالتمترس خلف طروحاتها ومواقفها، تغيب جلسات مجلس الوزراء لحين عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من بروكسل ووزير الخارجية جبران باسيل من أستراليا، على أن يملأ المجلس النيابي الوقت الضائع بمحاسبة الحكومة بجلسات مناقشة عامة سيكون قانون الانتخاب طبقها الرئيسي.

وفي ظلّ الجمود السياسي والانتخابي، تقدّم الأمن من بوابة مطار بيروت، وبعد أن أقرّ مجلس الوزراء الأسبوع الماضي دفتر الشروط لإجراء مناقصات لتجهيز المطار، رأس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس اجتماعاً أمنياً موسعاً في قصر بعبدا، بحضور رئيس الحكومة ووزراء الدفاع يعقوب الصراف، الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، وقادة الأجهزة الأمنية.

بعد الاجتماع، أكد المشنوق أن الاجتماع بحث الخدمات في المطار وطريقة إدارته والجهوزية الأمنية وسط ضغوط دولية كبيرة في مسألة أمن المسافرين والطائرات، خصوصاً من قبل الاتحاد الاوروبي في الفترة الاخيرة، ومسألة المعابر الحدودية كافة.

وأوضح أن «الاجتماع لم يكن استجابة لتهديدات أمنية جديدة، بل بسبب المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع في موضوع أمن المعابر البرية والبحرية، وفي مقدّمتها المطار، لأنه بمثابة واجهة للبلد وهناك مطالبات دولية برفع مستوى الحماية الأمنية».

وقالت مصادر أمنية لـ«البناء» إن «الاجتماع جاء بعد رسائل أميركية – أوروبية نقلها بعض السفراء والمسؤولين الغربيين الى الجهات اللبنانية تحذّر من ضعف الإجراءات الأمنية في المطار تحديداً»، مشيرة الى أن «الاجتماع الرفيع المستوى برئاسة الرئيس عون جاء لسحب الذرائع من يد الغرب واستعمال مسألة أمن المطار للضغط وابتزاز لبنان، ليؤكد أنّ الوضع الأمني مضبوط وتفعيل إجراءات التفتيش والمراقبة كافية»، مشدّدة على أنّ السلطة اللبنانية تمارس سلطتها على حرم المطار وليس أيّ قوى أخرى».

وأضافت أنّ «مخاوف غربية وردت في الآونة الأخيرة من أن يؤدّي تصعيد الوضع في سورية والعمليات العسكرية ضدّ التنظيمات الإرهابية الى تهريب أسلحة وتجهيزات تستعمل في تنفيذ عمليات إرهابية فضلاً عن انتقال مسؤولين في تنظيم داعش الى لبنان بأوراق مزوّرة لاستهداف سفارات الدول الغربية في لبنان».

وجزمت المصادر بأنّ «الإجراءات والتدابير الأمنية في المطار تراعي معايير الأمن والسلامة في العالم، من ضمنها منظومة كاميرات وتنصت على الاتصالات وسكانير مزدوجة ومنظومة النشرة والتصوير وآلات لكشف تزوير المستدات الشخصية وتهريب الممنوعات، وبالتالي فإن الضغوط والمخاوف الغربية مبالغ بها».

وأكد عون «أهمية التنسيق بين الأجهزة الأمنية كافة وفقاً للانظمة والقوانين المرعية الإجراء»، منوّهاً بـ«الجهود التي تقوم بها الاسلاك الامنية في حفظ الامن والاستقرار في البلاد، لا سيما على المعابر الحدودية البرية والبحرية والجوية عموماً». وأشار الى «ضرورة اعتماد إجراءات أمنية ولوجستية تجمع بين المحافظة على الامن والسلامة العامة، وتوفير التسهيلات اللازمة للقادمين الى لبنان وللمغادرين منه، وذلك مع اقتراب عطلة الاعياد والموسم السياحي في الربيع والصيف المقبل»، مشدداً على «تطبيق القوانين على الجميع من دون اي استثناء او تمييز».

التواصل مع سورية بداية الحلّ لأزمة النزوح

على صعيد آخر، تتجه الأنظار الى مؤتمر بروكسل للاجئين الذي سيُعقد في 5 نيسان المقبل ويشارك فيه الرئيس الحريري الذي يغادر مساء الأحد في جولة أوروبية، ولهذه الغاية ترأس الحريري في السراي الحكومية، اجتماعاً للبحث في سياسة الحكومة بشأن ملف النازحين السوريين، تمهيداً لعرضها في مؤتمر «بروكسيل للنازحين». وتخلل الاجتماع عرض للخطة التي أعدّها مجلس الإنماء والإعمار بشأن احتياجات لبنان على صعيد البنى التحتية.

وعلقت مصادر مطلعة معنية بملف النازحين لـ«البناء» بأن «الحلول للأزمة السورية ليست مستحيلة وتعجيزية ونقطة البداية لهذه الحلول تبدأ بالتواصل مع الحكومة السورية وبالتالي لا حلّ من دون التنسيق مع سورية ووضع آلية مشتركة لإيجاد الحل المناسب للدولتين». وأكدت المصادر أنه لم يتم أي اتصال أو تواصل مع السلطات السورية من قبل الحكومة اللبنانية الحالية حتى الآن للتنسيق لوضع خطة مشتركة»، مشيرة الى أن «الجانب اللبناني لا يزال يرفض أي نوع من التواصل مع الحكومة السورية في هذا الملف»، مؤكدة أن «السلطات السورية حاضرة منذ ثلاث سنوات وتمّ إعداد مشروع وتشكيل لجنة مشتركة ووضعت أسس الحلول، لكن الجانب اللبناني تراجع».

وأوضحت المصادر نفسها أن «المناطق الآمنة بين لبنان وسورية لنقل النازحين اليها هو الحل الأفضل والأمثل في هذه المرحلة، ريثما تتم إعادة النازحين الى مناطقهم»، معتبرة أن «الحكومة السورية هي الجهة الصالحة والمرجع الضامن الذي يحدد المناطق الآمنة وليس أي جهة دولية أخرى». مضيفة: «سورية تستوعب ثمانية ملايين نازح داخل سورية وتؤمن لهم كامل احتياجاتهم وحمايتهم الأمنية بالتنسيق مع المنظمات الدولية»، وترى المصادر أن «لا إرادة جدية لدى الحكومة اللبنانية بإنهاء هذا الملف، أما التوجّه الى المجتمع الدولي بخطة مساعدة لبنان على تحصين وتدعيم البنية التحتية لاستيعاب النازحين، فلا يمكن أن تشكل حلاً عملياً وجذرياً لأزمة النزوح بل التواصل مع سورية وهي جاهزة للتعاون والتنسيق عبر سفارتها في لبنان».

ارتفاع اللهجة الجنبلاطية

وفي حين ستكون الحكومة على موعدٍ مع جلسات ماراتونية لمناقشة قانون الانتخاب منتصف نيسان، بحسب ما قالت مصادر وزارية لـ«البناء»، فإنّ لهجة جنبلاط سترتفع في معارضة قوانين انتخاب لا تتماشى ومصالحه الانتخابية والسياسية، خصوصاً أنّ قانون الانتخاب يحتاج لإقراره في الحكومة الى ثلثي الأعضاء، الأمر المتوفر في ظلّ الموازين الحكومية في حال سار الحريري بأيّ قانون ذات نسبية وازنة.

وأمس، أعلن النائب وليد جنبلاط أنه «لا يمكن القبول بمشروع انتخابي يقسّم بين اللبنانيين ويلغي الشراكة والتنوّع»، بينما جدّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تمسك الحزب بـ«النسبية الكاملة».

وتشير مصادر لـ«البناء» إلى «أنّ جنبلاط يتخوّف من التصويت على قانون الانتخاب في مجلس الوزراء، كما من التصويت في المجلس النيابي الذي يحتاج الى أكثرية عادية أيّ النصف زائداً واحداً، حيث يمكن أن يُقرّ أي قانون بـ 33 نائباً في حال كان النصاب 65 نائباً»، لكن المصادر تستبعد «فرض قانون على القوى الأخرى لأسباب ميثاقية وسياسية».

لا تمديد خارج القانون

وفي سياق ذلك، قالت مصادر نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» إنّ «المهل الدستورية ضاقت كثيراً ولم تعُد متاحة أمام إجراء انتخابات في موعدها في 17 تموز، لا سيما وأن ملف القانون سينتقل إلى مجلس الوزراء الذي يحتاج الى وقت لإقراره وإرساله الى المجلس النيابي، لكن في الوقت عينه ليس صعباً في حال توفرت النية السياسية لذلك».

وأشارت الى أنّ «القوى السياسية تواجه إشكالية حقيقية في إقناع المواطنين ورئيس الجمهورية بالتمديد، فلا يمكن تمرير التمديد من خارج قانون جديد»، أما المخرج الآخر بحسب المصادر فهو «التمديد ضمن اتفاق على صيغ القانون والبحث بالتفاصيل في وقت لاحق، لكن في جميع الأحوال لا تمديد من دون قانون وعلى أسس واضحة».

وتضيف المصادر أن «الفراغ هو أسوأ الاحتمالات»، مرجحة أن «يعقد المجلس النيابي جلسة عامة لتعديل المهل دعوة الهيئات الناخبة وإنشاء هيئة الإشراف على الانتخابات والاعتمادات المالية المخصصة للانتخابات .

أما في حال نفدت المهل ووصلنا الى 20 حزيران، تقول المصادر: «في هذه الحالة يصبح المجلس النيابي منتهي الولاية والصلاحية، لكن الدستور يلحظ أن تستمر هيئة مكتب المجلس في إدارة شؤون المجلس، لكن لا تستطيع عقد جلسة للمجلس النيابي، لذلك يبقى الحل الأخير بإجراء الانتخابات على القانون النافذ، كما يقول الدستور، إذا وقع رئيس الجمهورية مرسوم الهيئات الناخبة، فهل سيعطّل الرئيس عون الانتخابات؟». تضيف المصادر: «لذلك الجميع محكوم بالتوصل الى قانون جديد، فلا عون يريد الفراغ ولا رئيس المجلس النيابي نبيه بري ولا الرئيس الحريري».

وتعتبر المصادر أنّ «النائب جنبلاط ليس الطرف الوحيد الذي يعارض صيغاً انتخابية ليست لمصلحته، بل لا قواسم مشتركة لدى القوى السياسية الأخرى حتى الآن»، لكن المصادر رجّحت أن «يحصل الاتفاق في ربع الساعة الاخيرة كما حصل في تسوية رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة».

وفي ملف الموازنة، توضح المصادر أنّ «مشروع الموازنة سيُحال الى المجلس النيابي فور توقيعه من رئيسي الجمهورية والحكومة وكلّ الوزراء المتوقع خلال الاسبوعين المقبلين ويناقش في لجنة المال والموازنة ثم كلّ لجنة ووزارة على حدة». وتشير الى أنّ «مسألة قطع الحساب هي المشكلة الرئيسية في الموازنة ولم تحلّ حتى الساعة وتحتاج الى وقت طويل واتفاق على إنجازها، وتمرير الموازنة من دون قطع الحساب لموازنات السنوات السابقة مخالفة للقانون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى