هل سقط ترامب في سورية؟
زياد حافظ
يخوض الرئيس الأميركي دونالد ترامب مواجهة قاسية مع الدولة العميقة في الولايات المتحدة. والدولة العميقة هي مجمع مؤسسات داخل الجهاز الإداري والعسكري والأمني متحالفة مع النخب الحاكمة أو «الاستابلشمنت» والإعلام المهيمن المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع المؤسسات الأمنية. فصحيفة الواشنطن بوست على سبيل المثال وليس الحصر مملوكة من جامس بيسوس صاحب شركة التوزيع بالمفرّق «أمازون». والمعروف أن بيسوس وقّع مع وكالة الاستخبارات المركزية منذ فترة قصيرة عقداً قيمته 600 مليون دولار تلته سلسلة عقود مماثلة مع المؤسسات الأمنية. فمن يتابع مواقف الصحيفة يرى مدى التوافق مع «التسريبات» الأمنية التي تضرب مصداقية الرئيس الجديد.
هذا وكنّا أشرنا سابقا إلى أن أجندة الرئيس الجديد لا تتوافق مع أجندة الأطراف المختلفة في الدولة العميقة التي لم يرق لها خسارة ممثلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية هيلاري كلينتون. والحملة التي تقودها الدولة العميقة تستهدف أجندة ترامب على صعيد السياسة الخارجية بالدرجة الأولى، كما تستهدف شخصه ومعظم المقرّبين منه الذين ساهموا في نجاحه في الحملة الانتخابية في المرحلة التمهيدية، كما في السباق الرئاسي مع منافسته هيلاري كلينتون. كما أن الدولة العميقة حاولت وما زالت تستهدف شرعية انتخاب ترامب عبر زرع الشكوك في الدور الذي قامت به التسريبات المضرّة بالمرشحة كلينتون. وينهمك الإعلام المهيمن في سردية مفادها أن التدخّل الروسي هو الذي سبّب خسارة كلينتون وليست رداءتها كمرشّحة أو وسوء تقديرها لشعور المواطن الأميركي.
استطاعت الدولة العميقة أن تسجّل أهدافاً عدّة في مرمى ترامب. الهدف الأول كان الإطاحة بمستشار الأمن القومي مايك فلين. الهدف الثاني كان في لجم ترامب من التقارب مع روسيا عبر تلفيق اتهامات له ولمساعديه بالتواطؤ مع روسيا في التأثير على الانتخابات الرئاسية. وما زالت الحملة قائمة رغم تريّث الرئيس في إجراء لقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. الهدف الثالث هو إبعاد المستشار الاستراتيجي ستيف بانون من عضويته في مجلس الأمن القومي وقد يكون ذلك تمهيداً لإخراجه من البيت الأبيض نهائياً. أما الهدف الرابع فهو هزيمة مشروع ردّ قانون الرعاية الصحّية المعروف بـ«أوباماكير». الهدف الخامس هو رفض المستشار الأمن القومي الجديد الأميرال غير المتقاعد هربرت مكماستر من قبول التعيينات التي يرسلها البيت الأبيض لملء المراكز الشاغرة في مجلس الأمن القومي. كما كان عاملاً في إسقاط عضوية ستيف بانون من المجلس بحجة عدم الخبرة بشؤون الأمن القومي! أما الهدف الأخير المستجدّ فهو تنحّي رئيس لجنة الاستخبارات في الكونغرس المكلّفة بالتحقيق حول العلاقات بين ترامب وفريقه من جهة وروسيا من جهة أخرى. استطاع تحالف الحزب الديمقراطي والإعلام المهيمن وبقايا إدارة أوباما من الضغط على دافين نونييز للتنحّي عن متابعة التحقيق بعد أن فضح دور مستشارة الأمن القومي للرئيس أوباما سوزان رايس في تسريب المعلومات عن العلاقات الهاتفية لفريق ترامب مع روسيا، ما أكّد أن الرئيس السابق أوباما أمر بالتجسّس على ترامب وفريقه. فما يساعد الدولة العميقة في تحقيق أهدافها غوغائية قرارات وتصريحات ترامب التي تجعله شخصاً غير متوازن في عين الكثيرين. إضافة إلى ذلك الصراعات الداخلية بين المقرّبين. فالمعلومات المتداولة تفيد أن صهر الرئيس جارود كوشنير هو أحد «المسرّبين» لمحطة «أم أس أن بي سي» المعادية لترامب بشكل عام وعمل على إخراج بانون من مجلس الأمن القومي.
المواجهة مستمرة وتتّسم في المرحلة الحالية في محاولة القضاء نهائياً على التقارب الممكن مع روسيا، كما القضاء على محاولة إنهاء دور جماعات التعصّب والتوحشّ والغلو في كل من العراق وسورية. فوجود هذه الجماعات مبرّر لوجود عسكري متزايد في كل من العراق وسورية في محاولة لخلق وقائع تلغي إنجازات كل من الجيش العربي السوري وحلفائه الإقليميين والعرب، ولكبح نفوذ الحشد الشعبي في العراق في مواجهة تلك الجماعات، وطبعاً للحدّ من نفود ودور الجمهورية الإسلامية في إيران في كل من العراق وسورية. فليس من الصدف أن تتصاعد العمليات الهجومية لهذه الجماعات في كل مرّة تقترب جهود روسيا في إنجاز تقارب بين الفصائل المسلّحة في سورية.
الدولة العميقة تريد إطالة الحرب في سورية. لذلك استطاعت أن تجهض اتفاقية لافروف وكيري بشأن سورية في خريف 2016 عبر الهجوم «عن خطأ» على مواقع الجيش العربي السوري في دير الزور، ما أدّى إلى تقدّم داعش. كما أن نجاح الجيش العربي السوري في صدّ هجمات جماعات التعصّب والغلو والتوحّش في كل من محيط دمشق وحمص وصولاً لريف حماة أجبر كلاً من ترامب ووزير خارجيته وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بالإعلان عن أن رحيل الرئيس بشار الأسد لم يعد من أولويات الإدارة. فالأولوية هي القضاء على الإرهاب. أعربنا عن شكوكنا في ثبات ذلك الموقف الصريح والمتعارض مع توجّهات الدولة العميقة، فكانت فاجعة خان شيخون التي تمّ اتهام أولاً روسيا ثم الرئيس الأسد. والجدير بالذكر أن تصريح ترامب في التغيير في أولوية اهتمامات الإدارة جاء بعد زيارة عضوة الكونغرس الأميركي تولسي غبّارد إلى سورية ولقائها بالرئيس الأسد وقبوله بالرد على مكالمة من الرئيس ترامب. والمعلومات تفيد أن وزارة الخارجية وسفيرة الولايات المتحدة في لبنان بذلتا جهوداً لإجهاض تلك الزيارة ولم تفلحا. فكان لا بدّ من حادثة كبيرة تلجم الدفعة التي بدأت ملامحها.
الرئيس الأميركي يواجه مقاومة أكثر شراسة على صعيد السياسة الخارجية بسبب ارتباط مصالح الدولة العميقة وكل من الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية وتركيا في تدمير سورية وقطع التواصل بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمقاومة في لبنان. الميل الغريزي للرئيس الأميركي هو نحو الانكفاء والتفاهم مع القوى الفاعلة على الأرض في مواجهة جماعات التعصّب والغلو والتوحّش. وهذا ما يتناقض مع مصالح الدولة العميقة. الجدير بالذكر أن داخل الإدارة وبين النخب الجمهورية في الكونغرس من يؤيّد عرقلة التفاهم. فحتى نائب الرئيس الأميركي مايك بينس من أشدّ المؤيّدين للمواجهة المباشرة مع كل من روسيا وإيران وبالتالي مع سورية. ويصبح السؤال هل يستطيع ترامب الاستمرار في تلك الأجواء؟ الإجابة ليست سهلة فللرئيس أوراق عديدة يستطيع أن يلعبها أهمها ربما تواصله المباشر مع مؤيّديه وشرائح واسعة من الجمهور الأميركي. كما أن عدم انتمائه لأي فريق سياسي صاحب عقيدة معيّنة يتيح له الفرصة لعقد صفقات من دون أفكار مسبقة ومستندة على ما يعتقده هو مصلحة الولايات المتحدة وليست الدولة العميقة. فقد استطاع إسقاط مصداقية الإعلام المهيمن، كما استطاع ضرب مصداقية أجهزة الاستخبارات. المسرح أصبح جاهزاً لانقلاب ناعم في الحد الأدنى يحتوي بشكل نهائي توجّهات ترامب. أما في الحد الأقصى فالمجهول هو العنوان.
أمين عام المؤتمر القومي العربي