داعش: جماعة وظيفية من اغتيال الإسلام… إلى اغتيال الأوطان! 1
دراسة من إعداد د. رفعت سيد أحمد
يتناول الباحث والمفكر المصري المعروف د. رفعت سيد أحمد في كتابه هذا وبالوثائق والمعلومات الجديدة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف إعلامياً بـ«داعش» قبل وبعد الحرب التي يخوضها مع التحالف الدولي بقيادة أميركا، ويقدم الكتاب عبر ثمانية فصول ومئات الوثائق والصور النادرة، جذور النشأة للتنظيم في العراق على عهد أبو مصعب الزرقاوي 2004 وصولاً إلى أبي بكر البغدادي القائد الحالي للتنظيم 2014 والذي قدم نفسه باعتباره خليفة المسلمين مطالباً إياهم بالبيعة. يكشف الكتاب عبر دراسة معمّقة، مستندة إلى المعلومات الدقيقة دور واشنطن في صناعة هذا التنظيم من أجل تفكيك كلّ من العراق وسورية باسم الثورة الزائفة ، وسرعان ما ينقلب السحر على الساحر، يذبح التنظيم عشرات الأجانب بمن فيهم صحافيون أميركيون وبريطانيون ومئات المسلمين والمسيحيين والأقليات، مستنداً إلى فتاوى دينية شاذة، ومرفوضة أورد الكتاب نماذج له .
يقدم الكتاب، الأسرار الكاملة عن قادة التنظيم ومذابحه وصراعاته مع التنظيمات الأخرى من «القاعدة» إلى «النصرة» إلى «الجيش الحر»، كاشفاً النقاب عن كون تلك التنظيمات والدول وأجهزة الاستخبارات التي صنعتها، كانت تستهدف بالأساس خدمة المشروع الأميركي الصهيوني، لإشغال جيوش المنطقة وإنهاك قواها، وتفتيت وحدتها بعيداً عن العدو الاستراتيجي للأمة «إسرائيل».
في الكتاب، معلومات، وأسرار، ووثائق، لا غنى عنها لمن يريد أن يعرف من أين وإلى أين يذهب «داعش».
إنها القصة الكاملة لأخطر تنظيم ديني في عالمنا العربي، تنظيم لاغتيال الإسلام … بعد أن تمّ له ولصانعيه اغتيال الأوطان باسم «الربيع العربي»!. ونقدم هنا على حلقات بعضاً من محتويات الكتاب الذي ستنشره خلال أيام دار الكتاب العربي.
لا شك في أنّ تنظيم ما يُسمّى بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف اختصاراً باسم «داعش»، قد حظي قبل وبعد ضربه أميركياً أو لنقل تحجيم دوره وليس القضاء عليه باهتمام دولي كبير وصار ملء السمع والبصر، فلا حديث في الإعلام الغربي، والعربي، مقروءاً أو مسموعاً أو مرئياً، إلا أنّ «داعش»، ذلك التنظيم الذي صنعته واشنطن على عينيها، ثم عندما تجاوز حدود دوره ووظيفته، بدأت في ضربه. لقد كان الهدف من إنشائه هو ونظائره من التنظيمات الإرهابية النصرة أحرار الشام القاعدة في بلاد الرافدين هو تفكيك كلّ من العراق وسورية، وعندما عجزوا هم وصنّاعهم عن ذلك تحديداً في سورية، التي بدأت تتعافى من جراء المؤامرة الإقليمية الدولية عليها والمستمرة منذ ثلاث سنوات منذ 2011 ، وعندما بدأ «داعش» يهدد مصالح واشنطن وشركائها الإقليميين، هنا فقط اتخذ قرار التحجيم وقصّ الأظافر وبدأ ضرب «داعش» وحصاره، وإعادته إلى دوره كجماعة وظيفية تعمل في وظيفة محدّدة داخل استراتيجية التقسيم الاستعماري الجديد للمنطقة، ولكن دعونا نتأمّل أقدم بيانات «داعش» عندما أعلنت الخلافة في حزيران 2014 ، وأحدث بياناتها عندما بدأ الضرب الأميركي لها، لنعرف عمّن نتحدث، ونسجل ملاحظاتنا الرئيسية.
لقد طرح التنظيم في بيانه الأول السؤال الآتي: «هناك من يقول: من أنتم؟ الجواب: نحن جنود الدولة الإسلامية، أخذنا على عاتقنا إرجاع أمجاد الخلافة الإسلامية ودفع الظلم والحيف عن أهلنا وإخواننا المسلمين… نعامل الناس بما ظهر لنا منهم، ونكلُّ سرائرهم إلى الله، فمن أظهر لنا شعائر الإسلام، ولم يتلبّس بناقض من نواقضه عاملناه معاملة المسلمين، ولا نأخذ أحداً بالظن والتهمة، بل بالبيّنة القاطعة والحجة الساطعة، والمقدَّم عندنا إحسان الظنّ في المسلم، ما لم يكن عدواً للمسلمين وعوناً للمجرمين». وأضاف التنظيم: «الناس في ظلّ حكمنا آمنون مطمئنون، فوالله لا رغد للعيش إلا في ظلّ حكم إسلامي يضمن للرعية حقوقهم وينصف المظلوم ممن هضم حقه، ومن كان علينا بالأمس ناقماً فهو اليوم رعية آمن إلا من صدَّ وندَّ وارتدَّ… الأموال التي كانت تحت قبضة الحكومة الصفوية المال العام ترجع جميعها لبيت مال المسلمين، وأمرها عائد إلى خليفة المسلمين، وهو الذي يتولى تصريفها في مصالح المسلمين، وليس لأحد أن يمد إليها يده بنهب أو سلب أو حول ذلك، وإلا عرض نفسه للمثول أمام القضاء الشرعي والمساءلة ثم إنزال العقوبة الرادعة به، وكذلك الملك الخاص من مال وأثاث ومتاع، من سرق منها نصاباً من حرز لا شبهة له فيها، كان عليه القطع… ونتعامل مع عصابات السطو المسلح على أنهم مفسدون في الأرض ونوقع عليهم وعلى من يروع المسلمين بالتهديد والابتزاز وأخذ المكوس والإتاوات وأخذ المال من الناس قسراً بغير حق، أنكى العقوبات الرادعة».
إن هذا الإعلان عن بدء عصر الخلافة الجديدة، والخليفة الجديد أبو بكر البغدادي ، بقدر ما أثار من سخرية لأوهام وتناقضات عادة بين القول والسلوك تضمنها البيان بقدر، أثار علامات استفهام حول قوة هذا التنظيم، وجرأته وكيف تصل به إلى حد مجابهة من صنعوه، ليهددهم هكذا، إن الأمر لا يكتمل، دونما تأمل أحدث وآخر بياناتهم المنشورة، وهو يُضرب من الطائرات الأميركية والغربية ومن تحالف دولي تجاوز الـ40 دولة، إن البيان يكشف من خلاله التنظيم عن خطته للحرب على الولايات المتحدة الأميركية، معلناً عن عدة أهداف يخطط لضربها خلال الفترة المقبلة، على رأسها البيت الأبيض في واشنطن، وأكد استهدافه لجنود الجيش الأميركي، والشرطة، والعاملين في مكتب التحقيقات الفيديرالية FBI، والأمن القومي، ووكالة الاستخبارات المركزية، وأعضاء النيابة والقضاء، خصوصاً الذين حققوا في قضايا متعلقة بعناصر جهادية، وانتهت إلى إدانتهم، والسفراء، وموظفي وزارة الخارجية، وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، لا سيما الذين أقروا توجيه ضربة عسكرية للتنظيم، والعاملين في منظمات التبشير، وشركات تصنيع الذخائر والأسلحة بمختلف أنواعها، وإدارة تحصيل الضرائب والهجرة، والمسؤولين في البنوك وشركات الاستثمار، والإعلاميين الذين ثبت عدم حيادهم كل هؤلاء دفعة واحدة سوف يواجههم التنظيم… ولا ندري من أين له الإمكانات والقدرات لتلك المواجهة الواسعة!! .
وطالب التنظيم، في الخطة التي نشرتها مواقع قريبة منه، أعضاءه ومؤيديه المقيمين في أميركا بامتلاك أسلحة نارية شخصية اعتماداً على الحق الذي يكفله الدستور للمواطن الأميركي بامتلاك السلاح، داعياً مَن يواجه أزمة في شراء السلاح إلى أن يلجأ إلى طرق غير تقليدية، سواء معارض السلاح، أو السوق السوداء، أو قتل أحد المواطنين الأميركيين باستخدام سلاح أبيض وغنم ما يمتلكه من سلاح، وطالبهم باستخدام «كواتم الصوت» من خلال الشراء أو الإطلاع على طريقة تصنيعها على شبكة الإنترنت.
ونصح «داعش» عناصره بالتركيز على الأهداف البشرية، لأن الأهداف المادية يمكن تعويضها واستردادها بالمال، أما الأهداف البشرية فـ«هي التي تقض مضاجعهم»، على حد قوله، واستعرض التأصيل الفقهي لضرب ما وصفها بـ«الأهداف الشرعية» في الولايات المتحدة الأميركية، قائلاً إن أميركا في حالة حرب مع الإسلام والمسلمين، وأهل الكفر والنفاق يحاولون تمرير خطاب جاهل يتضمن التحذير من قتل الأبرياء، مشيراً إلى أن التنظيم يتعامل وفق تصنيف واحد للناس، إما مؤمنون وإما كفار.
هذا الفهم السطحي للإسلام هو السبب الرئيسي في اغتيال الإسلام وتشويهه لأنه قسم الدنيا إلى فسطاطين من دون أدنى محاولة للتحليل وللمقارنة الموضوعية لكل معسكر أو فسطاط من الفسطاطين على حد القول الشهير لبن لادن .
وتابع البيان: «ربما يقول قائل، وقد قيل فعلاً، إن الكفار الأميركان أو غيرهم، سواء الموجودون في بلاد المسلمين، وبخاصة جزيرة العرب، والكفار الموجودون في بلادهم، يظنون أن معهم عقد أمان من ولي الأمر المسلم، ولا يعلمون شيئاً من هذه الأحكام الشرعية، فهذه الحجة داحضة، والشيخ بن لادن، والشيخ الزرقاوى، والشيخ عبدالعزيز المقرن، صدعوا بهذه الأحكام على الملأ وحذروا الأميركان الموجودين في جزيرة العرب، أو في بلادهم، بأنهم أهداف مشروعة، وإن كانوا يريدون السلامة فعليهم مغادرة بلاد المسلمين، والكف عن التدخل في شؤون المسلمين، وعلى المواطنين الأميركيين الضغط على حكوماتهم، لتتوقف عن محاربة الإسلام والمسلمين».
ولنتأمل مدى ضحالة الفكر ومحدوديته خاصة ومراجعه الرئيسية هو بن لادن والزرقاوي والمقرن، وليس أحد من العلماء الثقاة!! .
وقال التنظيم مخاطباً عناصره في أميركا: «ابدأ بالتدبر في حالة أمة الإسلام، وكيف أن كل قوى الشر، بقيادة هُبل العصر، أميركا، وبمشاورة ومباركة من حكامنا المنتسبين للإسلام والإسلام منهم براء، اجتمعت على قلب رجل واحد، ولا تنخدع برواية محاربة الإرهاب أو مناصرة والدفاع عن الإسلام المعتدل، فاعلم أن حكام العرب والمسلمين العجم، عدا المناطق التي تسيطر عليها حركة طالبان في أفغانستان، أو المناطق تحت سيطرة الدولة الإسلامية، أو ما هو تحت سيطرة حركة الشباب بالصومال، كلهم في حالة كفر أكبر وأعظم من الكافر الأصيل».
يعني ركز البيان على أفقر ثلاث مناطق في العالم الإسلامي والأكثر بؤساً وفوضى واعتبرها هي أرض الإسلام الطاهرة… أي خلل في الفكر هذا؟ وأي اضطراب عقلي أصاب هؤلاء ليصلوا إلى هذه الحالة من السطحية وهل الإسلام وحكمه العظيم قرين لديهم بالفقر والفوضى؟! .
أضاف بيان داعش الأخير ناصحاً الانتحاري من أنصاره: «استحضر من ذاكرتك الخلفية صوراً لأطفال ونساء وشيوخ من أهل الإسلام قُتلوا وحُرقوا وقُطِّعوا إرباً على أيدي الصليبيين بأسلحتهم الفتاكة، وعليك أن تفعل نفس الشيء، واستحضر صوراً لبيوت هُدمت فوق ساكنيها، ثم قم باختيار هدفك بعد عمل مسح لمنطقتك ورصد عدة أهداف على فترة من الزمن، ثم حدد طريق الذهاب وطريق العودة، واحرص على السير أو السفر بالسيارة في هذه الطرق مرات عدة، خصوصاً إذا كانت غريبة عليك، حتى تتأقلم عليها، ثم احرص على التعرف إلى طرق فرعية أو طرق أخرى حتى لا تفاجأ بأن طريق العودة إلى قاعدتك أُغلق لأي سبب، وقبل مغادرة مكان انطلاقك، قم بالصلاة ركعتين، وعندما تقترب من الهدف أو نقطة ترصد الهدف، قم بالدعاء وألحّ فيه واسأل الله أن ينزل السكينة على قلبك وأن يُخضع عدوك لك ويجعل على بصره غشاوة، ويجعله ينظر إليك كالذي يُغشى عليه من الموت، فتقوم أنت بقتله، واحرص على أن تسجد لله شكراً بعد انتهاء عمليتك في التو والحين، وأن تترك رسالة تكون معدة مسبقاً، إن أمكن، ولكن سلامتك ومغادرتك مكان الغزوة !! أهم من ترك الرسالة، وإن تمكنت من ترك رسالة فنقترح العبارة الآتية: فلتعلموا يا عبّاد الصليب أن التراب الذي تطأه نعال أي مسلم على وجه الأرض أغلى وأقيم وأطهر من دماء كل من كفر في أميركا وغيرها».
وطبعاً هنا تجارة رخيصة باسم الإسلام وخلط للأوراق بين القضايا والمواقف وبين أتباع الديانة المسيحية وبين العدوانية الأميركية التى لا علاقة لها بالدين!! .
واختتم التنظيم خطته وتوصياته بتوجيه رسالة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، قال فيها: «ربما قرأت تاريخ الأمة الإسلامية ومعاركها مع الصليبيين الأنجاس مثلك، وسمعناك تقول إنه ليس هناك متسع لدولة الخلافة في القرن الواحد والعشرين، ما شاء الله!.. كيف قررت أنت هذا؟، وتابع: «اعلم يا أوباما أن دولة الخلافة باقية بحول الله وقوته في القرن الواحد والعشرين، وما بعده، إلا أن يشاء ربنا شيئاً».
هكذا بدأت داعش بيانها الأول وهكذا أنهت بيانها الأخير… وهكذا تطور فكرها البائس واختلطت فيه القضايا، وانطلاقاً من المفاهيم والقيم الشاذة التي انطلق منها هذان البيانين، وحول هذا التنظيم المثير للجدل، والمعركة الدائرة حوله، دعونا نسجل الملاحظات الرئيسية التالية:
أولاً : أثبتت الوثائق ومنها اجتماعات وصور موثقة لقادة ومسؤولين أميركيين أمثال السيناتور المتعصب جون ماكين مع قيادات داعش أمثال أبو بكر البغدادي عند بدء إنشاء التنظيم في سورية وهي صور لاجتماعات موثقة إعلامياً وسياسياً والتي ننشر بعضها في الجزء الوثائقي من كتابنا عن داعش .
إن الحقائق والوثائق تؤكد أن هذا التنظيم صناعة أميركية غربية بامتياز، ولعبت الأموال والفتاوى الإقليمية والاستخبارات التركية دوراً رئيسياً في تخليقه في كل من العراق إبان عصر أبو مصعب الزرقاوي 2004 وسورية إبان المؤامرة الدولية والإقليمية عليها باسم الثورة ، لقد كان في سورية قرابة الـ1800 تنظيم مسلح بعد عام 2011 وفقاً لشهادة الأخضر الإبراهيمي استطاع ثلاثة منهم أن يتفوقوا في الإرهاب وأن يبتلعوا الآخرين بداخلهم وهم النصرة أحرار الشام داعش أما ما يسمى بالجيش الحر، فهو أساساً ليس جيشاً، وليس حراً، وكان من البداية مرتهناً بإرادات إقليمية ودولية سرعان ما أذابته وأنهت على الأرض دوره، وكان مصيره مثل مصير أي جماعة مرتزقة، تنتهي بانتهاء دورها من قبل من يدفع لها ويمولها.
إلا أن داعش وأخواتها من التنظيمات المسلحة التي صنعها الغرب والإقليم المعادي بدأت تخرج عن الوظيفة التي صنعت من أجلها وبدأت تتمدد، دوراً ووظيفة وبدأت تهدد بجهل العميل المصنوع وبوهم القوة المفترضة أمرين رئيسيين يمثلان خطاً أميركياً أحمر. الأول: منابع النفط العراقي الثاني: منطقة أكراد البرزاني الحليف الاستراتيجي التاريخي منذ والده لـ«إسرائيل» وأميركا، وتهدد محطات التجسس الأميركي و«الإسرائيلي» على الحدود بين كردستان وكل من إيران وروسيا. ويضاف إلى هذين الأمرين، اقتراب داعش من خلاياها النائمة في الصحراء من منابع النفط الخليجي عندما وصل الحال إلى هذا المستوى، بدأ الأميركيون في التحرك ومن خلفهم الحلفاء والأصدقاء!!.
ثانياً: لا يمكن عزل المشهد السوري عن الصعود المفاجئ لداعش في العراق، إذ يذهب البعض من المحللين الاستراتيجيين المقدرين، إلى أن الفشل الغربي والإقليمي في إسقاط النظام السوري وتفكيك الجيش والدولة عبر وسائله المسلحة من المجموعات ومن معارضة الفنادق مدفوعة الأجر بدأ يخطط للتدخل العملي لمواجهة وإسقاط النظام السوري عبر حجة مواجهة داعش في العراق ثم الامتداد إلى تواجدها في الرقة بسورية وبدأت الدعاية الأميركية تسرب معلومات من عينة أن تعداد داعش في العراق لا يتجاوز 17 ألفاً، أما في سورية فهو يقترب من الـ25 ألفاً وأن بها قواعدها المسلحة الرئيسية، لذلك وجب ضربها من دون إشراك النظام في التحالف ومن دون حتى استئذانه، الأمر الذي دفع القيادة السورية للحديث عن قرار سيادي بالرد على أي عدوان على أراضيها بالقوة.
ترى هل يكون هذا هو الهدف الخفي لكل هذه الضجة التي أثيرت حول داعش ؟ وهل ستتورط جيوش عربية على الأرض لمواجهة الجيش السوري؟ خصوصاً أن داعش – وفقاً للخبراء الاستراتيجيين – لن يقضي عليها بضربات جوية مجردة كما هو الحال الآن ولا بد من مواجهات برية واسعة؟ أسئلة مهمة لم يجب عليها حتى لحظة كتابة هذه السطور.
ثالثاً : أياً كانت الإجابة على التساؤلات المتعلقة بتنظيم داعش فإننا بلا شك أمام ظاهرة تحتاج إلى دراسة معمقة وهو ما حاولنا أن نقدمه في كتابنا عن داعش: القصة الكاملة لتنظيم صنعته واشنطن لاغتيال الإسلام وتفكيك الأوطان ، فهذه الظاهرة ليست فحسب مخالفة لروح العصر، ولسماحة وعدالة الإسلام ولكنها أيضاً تمثل لدينا «إسرائيل» العربية مثلما «إسرائيل» تمثل داعش العبرية ، إنها لا تخدم استراتيجياً سوى أعداء هذه المنطقة، مهما ادعت بياناتها زوراً الدفاع عن الإسلام، الذي تغتاله بأفعالها وفهمها المتخلف لمراميه ومقاصده وشريعته النبيلة.
إن تنظيمات كهذه، لا تجد في الاحتلال الصهيوني لفلسطين مبرراً للحرب المقدسة ضده ولم تضبط مرة واحدة فقط توجه رصاصها للعدو الصهيوني طيلة تاريخها الدموي الطويل، ومعها الدول وشيوخ الفتاوى الذين أرضعوهم بالمال والجهاد المزيف، ولكنها توجه حربها للمسلمين ولمواطني بلادهم من الأقليات الأخرى، وهو نفس حال التنظيم الإرهابي في مصر المسمى بـ أنصار بيت المقدس ومثل عشرات التنظيمات في البلاد العربية، وهذا هو تحديداً ما كان يهدف إليه صناع هذا التنظيم وممولوه من التحالف الدولي الحالي وهنا نضع عدة علامات استفهام على رأسها كيف لمن صنع الإرهاب ووظفه أن يقضى عليه!! . إن داعش وأخواتها من التنظيمات الإرهابية الملتحفة خطأ برداء الإسلام، قد تكون لنشأتها أسباب سياسية واجتماعية وإقليمية، ولكن العامل الخارجي في تخليقها وتوظيفها كان هو الأبرز. إنها باختصار جماعة وظيفية تماماً مثل «إسرائيل» في إطار المشروع التقسيمي الغربي للمنطقة، وأي ربط بينها وبين الإسلام أو الثورات أو الربيع العربي الخادع هذا هو من قبيل التزييف البائس للحقائق.
إن داعش كظاهرة، لن تنتهي، صحيح قد تتقلص ويتراجع دورها والضجيج الإعلامي من حولها بعد أن يكون التحالف الدولي قد حقق أهدافه في سورية وفي النفط العربي ، وفى عزل محور المقاومة الممتد عن بعضه البعض، قد تتراجع ولكنها كظاهرة لن تنتهي وستنتج معامل الغرب دواعش أخر مستغلة بيئتنا العربية والإسلامية الخصبة بعوامل الفساد والاستبداد والفقر والجهل بالدين وبالتواطؤ المبتذل مع عدو الأمة الاستراتيجي: الكيان الصهيوني.
من هنا وجب التأمل والمقاربة المعمقة لداعش وأخواتها ممن أُبتلي الإسلام بهم فحاولوا اغتياله مجدداً بعد اغتيال وحدة الأوطان ، خدمة لأعداء أراهم يفركون أيديهم سعادة بحالنا وزماننا الداعشي البائس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
Email:yafafr hotmail.com
ما بعد «زلزال» اليمن… خريطة لعالم متعدّد الأقطاب أم حرب باردة جديدة؟
نسرين الديماسي
تحالف أُسمي دولياً شكلته الولايات المتحدة الأميركية لمحاربة ا رهاب، أعقبه مؤتمر باريسي تحت عنوان «الأمن والسلام»، ثم التئام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحراك دولي يتسارع، كما ا حداث… والغموض يكتنف المشهد العام، مع تلمّس إشارات تشي بإمكانية حدوث تبدّلات في القرارات والمواقف.
واشنطن برغم مواقفها المتعنّتة حيال طهران، فهي تُصدر بين الحين والآخر إشارات غير متعنّتة، على خلفية المحادثات بشأن الملف النووي، وأرسلت إشعاراً إلى سورية بموعد تنفيذ ضربات «التحالف» ضدّ «داعش» على الأراضي السورية، وذلك تحت مرمى أنظار روسيا الاتحادية التي تراقب جيداً مسار عمليات التحالف لإبقائه في دائرة عدم الانفلات والانفلاش.
في موازاة ذلك، تبدو كلٌّ من موسكو وطهران ممسكتان جيداً بخيوط اللعبة، فما هي تلك الخيوط التي دفعت ا ميركي والسعودي إلى التراجع عن مواقف اتخذاها بصلف وغرور؟
لا شك أنّ تبدّل المشهد اليمني بعد إحكام «انصار الله» سيطرتهم على العاصمة صنعاء، كان السبب الرئيس في دفع واشنطن والرياض الى تليين مواقفهما، فما حصل في اليمن، أكد أنّ إيران تملك من عناصر القوة والنفوذ ما يمكنها من تهديد المصالح الأميركية تهديداً مباشراً ومؤلماً، ويجعل المملكة السعودية تحت مرمى الحصار، خصوصاً إذا ما استكمل «انصار الله» اندفاعتهم إلى «باب المندب».
لم تكن واشنطن وحلفاؤها يتوقعون حصول انهيار سريع لنفوذهم في اليمن، فما حصل فاجأ السعودية، فخلال أيام قليلة، تهاوت التركيبة السلطوية التي صاغتها الرياض وواشنطن من خلال ما عرف بالمبادرة الخليجية في شباط 2011، وما زاد الحنق الأميركي والسعودي، أنّ «أنصار الله» لم يجهزوا على السلطة، بل أبقوا عليها، وهذا ما دفع بالرياض وواشنطن إلى الاعتراف بالواقع والتسليم بنتائجه وضرورة السير في طريق الحلّ السياسي. خصوصاً بعدما أعلن «أنصار الله» بلسان أحد القياديين البارزين بأنه مبرّر للخوف السعودي وأنّ ما حصل جاء في سياق حراك لتحقيق مطالب اليمنيين، وأنّ الواقع الجديد يشكل خطراً على ا شقاء والجيران.
لكن، اذا أمعنّا النظر في المشهد اليمني المستجدّ، لا يمكن قراءته من زاوية حراك شعبي يستهدف مطالب شعبية وحسب، بل يجب قراءته من زاوية الأهداف الاستراتيجية المتصلة بالمحاور الدولية والاقليمية، إذ لم يسبق أنّ فريقاً أو جماعة أو حراكاً شعبياً حقق انتصارات وتعفّف عن السلطة؟
الحدث اليمني ليس معزولاً عن سياق المعادلات الدولية والإقليمية التي ترسم، ونتائج هذا الحدث تعيد خلط الأوراق السياسية والأمنية، ولا شك أنّ السعودية جزعة، رغم أنّ ولي العهد السعودي حاول التخفيف من وطأة الجزع بإعلانه في مناسبة اليوم الوطني الـ84 للمملكة، انّ المملكة تنعم بااستقرار وسط منطقة تعجّ بالفوضى.
والسؤال كيف يمكن أن يُقرأ المستجدّ اليمني في ضوء تعفّف «أنصار الله» عن السلطة وانحيازهم إلى الحوار وإنتاج سلطة توافقية، وكيف ستتعامل السعودية مع هذا الواقع بعدما خسرت نفوذها؟
إنّ حرص «أنصار الله» على الحوار مع السلطة القائمة وإنجاز اتفاق الشراكة معها، له مدلولات تتخطّى الساحة اليمنية، ومن هذه المدلولات أنّ إيران لها تأثير حاسم، وأنه بإرادة إيرانية أتيح للسعودية وكذلك لواشنطن أن يكونا جزءاً من حلقة الحوار واتفاق الشراكة، وربما يمتدّ هذا الحوار إلى الكثير من العناوين الدولية والإقليمية.
وهنا تبدو السعودية أمام امتحان صعب، فهي إما أن تكون ضمن معادلة الشراكة، وهذا ما يبدو راهناً، وأما أن تكون خارج حلقة الحوار والشراكة، وهذا يرتب عليها أعباء كبيرة وكبيرة جداً، فموقع اليمن له تأثير بالغ على المصالح السعودية والآمن السعودي في آن. عدا أنّ المملكة السعودية تواجه تحديات داخلية قد تشهد تطوراً متسارعاً إذا لم تسارع السعودية إلى احتواء هذه التحديات بسياسة وتوجهات مرنة، حتى لا تُفاجأ بنتائج غير محسوبة بالنسبة لها.
هنا تجدر الإشارة إلى أنّ ما حصل في اليمن قد لا يخرج عن كونه رداً مباغتاً على الهجوم الإرهابي الذي تمثل باجتياح «داعش» لمناطق عراقية واسعة، وهو الاجتياح الذي يحمل بصمات أميركية ـ سعودية. لكن ما حصل في اليمن يفوق بتأثيراته ما حصل في العراق. إذ أنّ اليمن يحاذي بحدوده مناطق سعودية قد تنتفض في لحظة ما، في وجه المملكة السعودية، كما أنّ أيران أثبتت أنّ لها حضوراً يستطيع التحرك في اللحظات الحاسمة، وهو حضور قادر على تغيير قواعد اللعبة كما حصل في غزة وسورية ولبنان. وهذا ما سيحقق مكاسب لإيران إنْ من خلال إعادة إحياء اللقاءات الإيرانية السعودية، أو لجهة حدوث اختراقات على اتجاهات أخرى، منها الملف النووي وموقف واشنطن حيال ايران.
ما أحدثه «زلزال اليمن» بدأ يظهر بوتيرة سريعة، فهناك اتصالات أميركية إيرانية، وسعودية إيرانية، ويبدو أنّ وزير خارجية السعودية سعود الفيصل أخذ بالنصح الأميركي بضرورة التقرّب من إيران نها الجهة الوحيدة والقادرة على إدارة تفاوض سريع للتوصل الى تفاهمات تحدّ من الخسائر الجسيمة بعد سقوط اليمن في حضن حلف المقاومة، وما سيرتّبه هذا الأمر من تداعيات على الداخل السعودي وعلى الوضع داخل دولة البحرين.
ويرى متابعون أنّ واشنطن فشلت في ابتزاز طهران بالملف النووي والعقوبات المفروضة عليها، وأنّ طهران أثبتت بأنها عب إقليمي دولي بامتياز تمسك بخيوط اللعبة بإحكام وغير مستعدة لتقديم ايّ تناز ت، فالخطر بعيد عنها وأقرب الى جيرانها و يؤثر على حلفائها في الدول العربية، خصوصاً في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن.
كلّ ما تقدّم دفع با ميركي عبر وزير خارجيته جون كيري الى التراجع عن النظرية القائلة بأنه حاجة للتحدث مع إيران في الحرب على «داعش» والتحدث عن ضرورة مشاركة إيران. وقد حدّد إيران بااسم حين قال: «هناك دور لكلّ دولة في العالم تقريباً بما في ذلك إيران». وهناك حديث عن أنّ واشنطن وحلفاءها الأروربيين يمكن أن يتوصّلوا الى اتفاق حول الملف النووي ا يراني ورفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، وذلك بموازاة العمل على إخراج يفضي إلى حلحلة موضوع استبعاد ايران وروسيا وضمناً سورية من لقاء جدة، وهو الاستبعاد الذي أفقد اللقاء كماله الدولي وا قليمي، وجعله لقاءً يخدم الإرهاب أكثر مما يحارب «داعش».
اما في ما يتعلق بروسيا، فموقفها كان حاسماً، فقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية بأنّ روسيا تنتظر من أحد دعوة للمشاركة في التحالف الدولي ضدّ تنظم «داعش» ا رهابي، وروسيا تدعم بأشكال مختلفة الدول التي تحارب هذا التنظيم. كما أنّ الموقف الروسي لا يزال حاسماً برفض توجيه ضربات هداف على ا راضي السورية من دون موافقة الحكومة السورية. وقد لقي موقف روسيا مؤازرة من الصين التي أعلنت للمرة ا ولى منذ قيام التحالف ا ميركي، رفضها الإرهاب بكلّ أشكاله، وأشارت إلى ضرورة ان يكون موقف المجتمع الدولي واضحاً ودقيقاً من ناحية احترام سيادة الدول في اي تحرك ضدّ ا رهاب في إشارة ضمنية الى رفضها الاعتداء على سيادة الدولة السورية والقيام بأيّ تحرك من دون موافقتها، وهذا مواز للموقف الروسي، ما يدلّ الى دعم الصين يّ قرار روسي – إيراني.
وحيال قوة وصلابة الموقف الروسي وكذلك الصيني والإيراني، فإنّ القادم من الأيام لا بدّ أن يحمل جديداً. فروسيا ليست عاجزة عن القيام بحراك في الداخل الأوكراني يقوّض كلياً النفوذ الأميركي، وهناك حديث روسي ألماني عن تسوية خاصة بأوكرانيا. ويدرك الأميركي هذا الأمر جيداً، وهو لا يريد ان يخرج من المولد بلا حمص، ويتوجّس أن يصل الى مرحلة يجد نفسه خارج المعادلة الأوكرانية، كما حصل مع السعودية التي استفاقت وهي خارج المعادلة اليمنية.
والسؤال هل هناك حراك بين الاقطاب والمحاور يجري بعيداً من ا ضواء سيرسم خريطة لعالم جديد متعدّد القطبية، أم يستعيد العالم مناخ حرب باردة تتسم بالسخونة والاحتدام؟