هل أصبح الأردن ممراً للعدوان على سورية… ولم يعد شعاره «بلاد العرب أوطاني من الشام لعمّان»؟
اياد موصللي
الأخبار التي تتسرّب من وعن الأردن وتكشف النقاب عن تحركات يجري إعدادها والتحضير لها من قبل أميركا وبريطانيا والأردن و»إسرائيل» عبر الحدود الأردنية السورية لإشغال الجيش السوري في حرب تستهدف المنطقة الجنوبية، وتحديداً محافظة درعا وجبل العرب امتداداً للقنيطرة والحدود مع فلسطين المحتلة…
وأشرنا الى عملية جسّ النبض التي جرت قبل أيام عندما أطلقت «إسرائيل» ثلاثة صواريخ على نقاط تمركز قوات الدفاع السورية… لكن اللافت في هذه الأخبار التوقيت المفاجئ والمرافق لتلك التسربات.. فيما الأنظار المراقبة تتجه نحو حدود سورية الجنوبية المجاورة للأردن وفلسطين المحتلة، تفاجئنا الأحداث بقيام الطائرات التركية بغارات جوية على المواقع الكردية شمال شرق سورية وشمال غرب العراق.. وسط أنباء عن اتفاق تفاهم بين الأتراك والاكراد برعاية اميركية.. نشرت «البناء» معلومات خاصة عنه ..
ما يثير الانتباه هو ما يتسرّب عبر الأردن عن التحضيرات والتسهيلات للعناصر المسلحة كي تشعل الجبهة الجنوبية في سورية برعاية بريطانية أميركية إسرائيلية ينفذ الأردن عناصرها بدقة وحماس.. فدرعا مركز محافظة منطقة حوران هي بوابة دمشق الجنوبية وعبرها تتفرّع الطريق نحو القنيطرة وقطنا… التفافاً للوصول الى الغوطة الشرقية حيث يتركز التخطيط السوري لإنهاء الوجود المسلح فيها.. وبدأ معاركه في القابون وجوبر.
السؤال لماذا يلعب الأردن هذا الدور المشبوه.. هل يبقى المال عصب السياسة الأردنية منذ نشأة الإمارة والمملكة الى هذا اليوم.. لماذا لا يغيّر الأردن وجهة سيره والصفحات السوداء من تاريخه تلك الصفحات التي رافقت المسألة الفلسطينية منذ بدء ظهورها الى هذا اليوم.. وهل يبقى الشعب الأردني صورة وهّاجة للمملكة كطابع بريدي قيمته في لصقه على الرسائل فقط؟ هل يبقى الأردن صوتاً يعكسه الشعب وإيمانه، ويبقى الفعل المدمّر الطاعن للأمة هو ما تقوم به الحكومة كما كلّ حكومات الاردن..
وعودة الى تاريخ المملكة والعائلة المالكة الحاكمة نجد المواقف تتكرّر كوراثة العرش…
فإذا عدنا للتسلسل التاريخي فقد التقى وايزمن بالأمير فيصل في العقبة في الرابع من تموز 1918 بحضور الكولونيل جويس، وهو ضابط بريطاني رافق وايزمن، ونتيجة هذا اللقاء رأى الأمير إمكان تنفيذ البرنامج الصهيوني إذا كان كما حدّده وايزمن لا يؤدّي الى توطين اليهود في فلسطين، وكذلك فعل والده الشريف حسين الذي استجاب لفكرة إقامة اليهود في فلسطين مع اعتراضه على تكوين دولة يهودية فيها. وكتب الشريف الى ابنه فيصل في العقبة والى أتباعه يخبرهم بأنه تلقى تأكيداً بريطانياً بأنّ وجود اليهود في فلسطين لن يتعارض مع استقلال العرب.
وبعد نشوء الحرب وضياع فلسطين نعود الى ما كتبه العسكري الأردني اللواء عبدالله التل في مؤلفه «كارثة فلسطين» حيث قال: «اجتمع الملك عبدالله ووزير خارجية إسرائيل شرتوك في نيسان 1948 بعد قرار الزحف الرسمي العربي وتوافق معه على قبول الطرفين لمشروع التقسيم والعمل على تنفيذه. وانّ غولدا مائير التي تولت وزارة الخارجية في ما بعد زارت الملك عبدالله ليلة 11/12/1948 وتحدّثت معه في ما اعتزمت عليه الدول العربية من الزحف على فلسطين وذكرته بما بينه وبين شرتوك، من اتفاق وعرضت عليه استعداد «إسرائيل» للاعتراف بضمّ القسم العربي إلى تاجه مقابل عدم اشتراك جيشه الذي كان أقوى الجيوش التي زحفت وأكثرها عدداً في الزحف وانّ الملك اعتذر عن عدم الزحف لأنّ في ذلك خروجاً على الإجماع العربي، ولكنه تعهّد بان لا يحارب الجيشان العراقي والأردني اليهود! وأن يقفا عند الحدود التي رسمها التقسيم .
ولم يكن هذا موقفاً شخصياً ناشئاً عن مطامع شخصية للملك عبدالله فقط تغلبه على المصلحة القومية العليا، وانما هو موقف وسياسة لقادة وسياسيي ذلك الظرف في الأردن حتى أنّ رئيس الوزراء توفيق أبو الهدى لدى اجتماعه مع مستر انوريه بيفن وزير خارجية بريطانيا أجرى محادثات أحيطت بالسرية والكتمان في شهر كانون الثاني 1948، والذي تسرّب عن ذلك الاجتماع يعطينا صورة عن وطن كان أشبه بسلعة تطرح في مجال المساومات بيعاً وشراءً ولا يرفّ جفن لدى السماسرة والباعة الذين يحملون صفة ملوك ورؤساء ووزراء، والذين باعوا فلسطين بشكل واضح ومفضوح وحتى الآن لم تلعن ذكراهم ولم يدنس مثواهم ولم تمح آثارهم ولم ينعتوا حتى وصفاً بالخيانة…
إنني لأتساءل هل خيانة القادة لشعوبهم في أمتنا هي أحد شروط القيادة؟
قال أبو الهدى رئيس وزراء الأردن مردّداً صوت سيده الملك عبدالله! هناك احتمالان أحدهما ان يحتلّ اليهود جميع فلسطين وثانيهما ان يعلن المفتي نفسه حاكماً عاماً على فلسطين، وان هذا وذاك ليس من مصلحة الأردن وبريطانيا، لا سيما انّ المفتي يعتبر من الأعداء لبريطانيا وعدواً للأردن، والمنازع الوحيد للملك عبدالله! رأوا المفتي عدواً ولم يروا اليهودي الصهيوني عدواً! وتابع ابو الهدى انّ الملك يتلقى عرائض كثيرة من زعماء فلسطين يطلبون فيها إرسال الجيش الأردني لحماية الفلسطينيين بعد خروج القوات البريطانية، وانّ الملك يعتزم ذلك، فقال بيفن انّ هذا حسن على شرط ان لا يذهبوا أكثر من ذلك ويحتلوا المنطقة اليهودية، وتعهّد ابو الهدى لوزير خارجية بريطانيا ان لا يتخذ الأردن ايّ خطوة إلا بعد مشاورة الحكومة البريطانية… وفقاً لنصوص المعاهدة معهم . يا سلام كم كان هذا الاذن مؤمناً وأوفوا العهد انّ العهد كان مسؤولاً .
قال الملك عبدالله: وافقت اللجنة السياسية على الهدنة لأنها عالمة بأنها ستفوز انشاء الله بحق العرب الكامل في فلسطين انْ سلماً او حرباً… انّ اللجنة كانت حكيمة في قبول مبدأ عدم إطلاق النار طول المدة التي اقترحتها بريطانيا، وهذا يثبت انّ العرب هم الذين أصبحوا قادرين على تنفيذ ما اعتزموه… من حق اللجنة السياسية ان تهنّأ على قرارها هذا، واعتقد انّ العرب قد كسبوا المركز اللازم لهم في منظمة الأمم المتحدة وفي الرأي العام العالمي واننا لمصمّمون على التمسك بالحق الكامل للعرب ». يا سلام…
المضحك المبكي في هذه المسرحية المأساة وبعد كلّ ما مرّ، تبادل الملوك والرؤساء التهاني، فكان الملك عبدالله صاحب الاجتماعات السرية مع غولدا مائير وقادة «إسرائيل»، وصاحب الوعد بأنّ الجيش الأردني سيشارك في التحرك العسكري ولكنه لن يحارب، هذا الملك وغيره من قادة العرب صدقوني تبادلوا برقيات التهاني على ما أظهرته جيوشهم وهذا بعض مما تبادلوه…
أما الملك عبدالله فقال: «اننا سنسير في طريقنا الذي رسمناه رغم جميع المحاولات التي تبذل لأننا اصحاب حق والحق فوق القوة.
اننا عزمنا على تخليص فلسطين إنْ حربا وإنْ سلماً وسنستمرّ في عزمنا حتى النهاية بفضل ما نلقاه من الشعوب العربية من تأييد في جميع تحركاتنا وان ساعة الصفر قريبة».
الوصي على عرش العراق قال: «انّ العرب أجمعوا على إنقاذ فلسطين في الحرب وهم ما زالوا مجمعين على ذلك في فترة الهدنة، وسنعود الى النضال إذا دعينا اليه…»
منذ البداية كانت النوايا غير صادقة لدى الملك عبدالله ابن الحسين. والده وافق على ان يتوطن اليهود في فلسطين وكذلك أخاه فيصل وكان قد وُعد من قبل هيئة الأمم واليهود بأن تضمّ اليه القسم العربي الذي يبقى من فلسطين بعد تقسيمها بين العرب واليهود ويولونه ملكاً عليها. بنى الملك عبدالله مواقفه كلها على هذا الأساس وكما مرّ معنا ويقول الرئيس بشارة الخوري في مذكراته:
في 4 تشرين الثاني صباحاً وصل الأمير خالد شهاب وزير لبنان المفوض في الأردن حاملاً إليّ رسالة من الملك عبدالله مفادها انّ المصريين خابروه وأعلموه بسوء الحالة العسكرية عندهم وهو يرى انّ الالتجاء الى المفاوضات أجدى، وانّ العودة الى القتال مغامرة، وانّ الغلو لم يعد له من محلّ بعد تبدّل الحال. «يصف القتال والإيمان بالقضية الوطنية غلواً ومغامرة وبعد أكثر من ستين عاماً يقف ملك آخر هو عبدالله ابن عبد العزيز ملك السعودية فيصف عمل المقاومة اللبنانية عام 2006 في تصدّيها للعدوان اليهودي بالمغامِرة، هل هي مصادفة؟ ام تركيبة رضعا حليبها من ثدي واحد؟ «فكيف يبلغ البنيان كماله انْ كنت تبني وغيرك يهدم» وفي تلك الفترة كانت العصابات الصهيونية تعيث في الأرض فساداً بعد أن أغواها الموقف العربي المتخاذل لأن تزيد من اعتداءاتها وبتشجيع من البريطانيين الذين كان يهمّهم إنهاء الصراع في فلسطين بأسرع ما يمكن لصالح اليهود وقد مارس اليهود أبشع المجازر تجاه الفلسطينيين.
هذا الموقف المسالم الممالئ للصهيونية، هذا الوعد بعدم تدخل الجيش في الحرب.. ضدّ «إسرائيل».. هذا التواطؤ لماذا لا يجري بين الأردن والشام اليوم؟ فيمتنع الأردن من ان يكون للعدوان على سورية ممراً وللتآمر عليها مقراً.. ويعلن بوضوح إيمانه الكامل وينشده:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لعمّانِ
ويبقى ظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة وتبقى سورية تقول وتفعل.. «انّ الذي بيني وبين بني قومي لمختلف جداً فإنْ هدروا دمي صنت دماءهم وانْ أكلوا لحمي وفّرت لحومهم».