النكبة والبعد الديمغرافي في الصراع 2
رامز مصطفى
لقد استوجب استكمال مسلسل ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم، أن يشنّ الكيان «الإسراائيلي» حرباً على سورية ومصر والأردن في العام 1967، ويحتلّ ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث برزت منظمات صهيونية تدعو إلى التطهير العرقي بحق الفلسطينيين في الضفة والقطاع، مما سمح بتفشي فكرة ترحيل الفلسطينيين من مناطق العام 1948 إلى الضفة والقطاع سواء كان عنوة أو طواعية مع إمكانية لتبادل الأراضي تعديلاً لما يسمّى بالحدود، خصوصاً بعد التوقيع على اتفاقات «أوسلو» بين المنظمة والكيان الصهيوني في العام 1993.
من المفيد إلقاء الضوء على التوجهات التي انقسم حولها العديد من القادة الصهاينة وأصحاب الرأي والفكر ومراكز القوى الحزبية والدينية التي وإنْ التفت حول توجهات ثلاثة إلاّ أنها التقت عند نقطة واحدة مثلت تطلعاً استراتيجياً بالنسبة إلى مستقبل الكيان واستمراره وهذه النقطة طرد وترحيل الفلسطينيين:
ـ التوجه الأول يدعو إلى ضمان أغلبية يهودية بالدولة العبرية عبر مبادلة سكانية مشروطة بالتوافق.
ـ التوجه الثاني ويدعو إلى مبادلة منطقة المثلث وادي عارة 300 ألف فلسطيني بالكتل الاستيطانية لاعتبارات ديمغرافية.
ـ التوجه الثالث ويدعو إلى فرض الترحيل ولو بالقوة تحت حجة أنّ الأقلية القومية تشكل في «إسرائيل» خطراً وجودياً.
ومن استعراض لعيّنة من الأسماء الصهيونية المعروفة بعدائها المفرط للعرب والفلسطينيين نجد أنّ غالبتهم يمثلون التوجه الثالث وهم أيّ قبل موتهم «مئير كاهانا زعيم منظمة كاخ، ورحبعام زئيفي زعيم حركة موليدت» وراهناً «ليبرمان زعيم حركة إسرائيل بيتنا – وعضو الكنيست إرييه إلداد – والجنرال إيفي إيتام – وباروخ مارزل – والبروفيسور أرنون سوفير، الذي يقلقه رحم السيدة الفلسطينية ويقضّ مضجعه ليل نهار كما يقول، والحاخامات إليعازر ملاميد ويوأب شوريك وشلومو أفنير».
أما الأحزاب الصهيونية الكبرى داخل الكيان «الليكود – كاديما – العمل – المفدال» إذا ما استثني حزب «ميرتس» ليست بعيدة عن أفكار الترحيل القسري للفلسطينيين، أو وفق خطة سياسية تفاوضية تفضي إلى الموافقة على تبادل للأراضي والسكان بحيث يمنّي القادة الصهاينة أنفسهم ونتيجة الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية على السلطة برئاسة السيد محمود عباس، بالإضافة إلى فرض الوقائع الميدانية عبر المستوطنات وجدار العزل العنصري وتهويد القدس، أن تستجيب السلطة الفلسطينية التي أبدت في أكثر من مناسبة استعدادها لذلك، وما سرّب في وثائق «ويكيلكس» حول حجم التنازلات التي أقدم عليها مفاوضو السلطة ورئيسها يكشف بالوقائع كيف يسعى الكيان وحكومته للإفلات من القادم مستقبلاً في ما يتعلق بالقنبلة السكانية الفلسطينية.
لقد عمل القادة الصهاينة ولا يزالون من أجل الحؤول دون وقوع المحظور والذي سيكون بمثابة الكارثة الوجودية على اليهود ومستقبلهم فوق أرض فلسطين، فها هم والإدارة الأميركية يمارسون شتى صنوف الترهيب والترغيب والضغوط على الفلسطينيين ودوائر القرار الإقليمي في الواقع الرسمي العربي المتقاطع مع المشروع الأميركي من أجل فرض مسألتين استراتيجيتين يتحدّد بموجبهما مستقبل قضية الشعب الفلسطيني وهما:
1 ـ إسقاط حق العودة، على اعتبار أنّ الدولة الفلسطينية العتيدة هي وطن الشعب الفلسطيني. وهنا لا بدّ من التأكيد أنّ مفاوض السلطة قد ارتكب خطيئة كبرى عندما وافق على ترحيل موضوع عودة اللاجئين إلى مفاوضات الحلّ النهائي بموجب اتفاقات أوسلو وهو ما دفع الإدارة الأميركية حينها وحتى الآن من الامتناع عن التجديد للقرار 194 تحت ذريعة أنّ ذلك يمثل تدخلاً للتأثير على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية. مضافاً لذلك مجموع الرؤى والتصوّرات والوثائق الفلسطينية الصهيونية المشتركة وثيقة جينف – وثيقة أبو مازن بيلين المبادرة العربية والتي أتت جميعها لتضع بدائل وحلول لقضية اللاجئين. ناهينا عن السعي الجدي إلى توطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، وإذا تعذر ذلك دفعهم إلى الهجرة نحو المنافي كما حصل في لبنان إبان الحرب الأهلية، وكما حصل مؤخراً في العراق. ويأتي الجهد الأميركي و»الإسرائيلي» لإنهاء منظمة الاونروا وتغيير وظيفتها في خطوة لإنهائها كلية، إنما يأتي في سياق أنها الشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني العام 1948. وهذا ما طالب به إرييه إلداد عضو الكنيست الصهيوني إلى إنهاء الاونروا ونقل الملف إلى المفوضية العليا للاجئين لتحويل قضية اللاجئين من سياسية إلى إنسانية. والأكثر غرابة أن يستحدث السيد محمود عباس دائرة في منظمة التحرير باسم دائرة المغتربين. والخوف من القادم أنّ التوصل إلى اعتراف بدولة فلسطينية وهمية قد يحوّل اللاجئين الفلسطينيين إلى جاليات في أماكن تواجدهم.
2 ـ المطالبة بالاعتراف الفلسطيني الرسمي بيهودية الدولة، فاهتمام قادة العدو بذلك قديم، وقانون العودة في العام 1950 نصّ على «أنّ من حق كلّ يهودي أن يهاجر إلى البلاد، واليهودي هو من ولد من أم يهودية أو تهوّد». بالإضافة إلى قانون 1992 حول «كرامة الإنسان وحريته» وهدفه «الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته من أجل تثبيت ما يسمّى قيم دولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية». حيث ومن خلال تبني الإدارة الأميركية لمقولة يهودية الدولة أصبح التبني دولياً بعد ما ورد على لسان جورج بوش الابن في العقبة عام 2003 حيث قال اليوم أميركا ملتزمة بقوة بأمن إسرائيل كدولة يهودية مفعمة بالحيوية ، وهذا ما حاول فرضه في مؤتمر أنابوليس العام 2007. وهو ما أكد عليه خلفه الرئيس أوباما بضرورة أن يعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة في أكثر من مناسبة، وكلام أوباما تمّ التأكيد عليه في لقاء جمعه ورؤساء المنظمات الصهيونية في أميركا، حيث أبلغهم أوباما ومن باب طمأنتهم على الكيان بأن طالبهم أن يتركوا له شأن معالجة موضوعي الأمن والخطر الديمغرافي وهو أقدر منهم على معالجة المسألتين. ورغم هذا الاحتضان المطلق من قبل الإدارة الأميركية إلاّ أنّ القادة الصهاينة لا يثقون إلاّ بما ينجزونه بأيديهم فهم أقرّوا قانون الجنسية والذي ينص صراحة على إلزام كلّ من يريد الجنسية بإعلان ولائه لدولة «إسرائيل» بصفتها اليهودية. وما سبقه من قانون النكبة الذي نص على معاقبة كلّ من يأتي على ذكر النكبة. والخشية أن يؤدّي هذا الاعتراف إذا ما حصل أن يسهّل على الصهاينة تنفيذ الترانسفير بحق أهلنا في مناطق العام 1948 وعلى حق العودة أيضاً. لأنّ الغلبة بمفهوم الصهاينة وبكلّ عناوينها لا معنى لها بدون الغلبة بالمعنى الديمغرافي والوجود السكاني الخالص لليهود. فـ»إسرائيل» واليهودية مشروع المستقبل والوجودي وقائم على أبعاد ديمغرافية وجغرافية.
ويبقى القول إنّ حيوية شعبنا وقدرته الفائقة على اجتراح المستحيل من أجل عزته وكرامته الوطنية، والتي يُدرك أنها ستبقى منقوصة طالما بقي الاحتلال فوق أرضنا، وهو منذ 69 عاماً لم يفت عضده رغم ما تعرّض له من شتى لصنوف التنكيل والقتل والتشريد والتأمر والملاحقة والأسر والإبعاد.
لقد أصبح العامل الديمغرافي سلاحاً مهماً في استعادة الأرض الفلسطينية وهو بالتأكيد لصالح الفلسطينيين، ويمكن أن يستخدم شعبنا هذا العامل الحيوي والاستراتيجي ليضيفه إلى سلاح المقاومة، وهي صالحة لتكون أرضية لمواجهة ديمغرافيا الاستيطان وهجرة اليهود ومحاولاتهم البائسة لرفع معدلات الإنجاب لدى النساء اليهود، بالإضافة إلى جهودهم في جلب المزيد من اليهود. ولا أستغرب مستقبلاً أن يستقدموا سكاناً من مناطق جنوب السودان بعد أن تمّ الانفصال وذلك عن طريق التهوّد.
كاتب وباحث سياسي