منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي: «الروسوفوبيا» تعني تعدّد القطبية
سماهر الخطيب
تتحدّد مكانة الدولة تبعاً لاتساع دائرة نفوذها خارج إطار حدودها، لذلك فإنّ أمن الدولة بمعنى ما هو تخطيط لسياستها في حدود عواملها الجغرافية وبذلك يكون الربط الوثيق بين أمن الدولة وما يتطلبه من تخطيط خارجي. تُضاف إلى ذلك القوة الذاتية للدولة والتي يحدّدها قوة اقتصادها، نشهد اليوم تعدُّداً لمراكز القوة وتداخل مراكز النفوذ، حيث أصبحت أكثر دينامية مما كانت عليه سابقاً.
هذا ما أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين قال «إنّ التغيرات الحالية تتطلّب من المجتمع الدولي تحسين بنية الحوكمة الدولية». وأضاف: «نلاحظ اليوم تغيرات إيجابية معينة وآمل أن تستمر هذه النزعة».
في حين أعرب بوتين عن أمله في «أن يكون العالم قد بدأ يدرك أكثر فأكثر أنّ المواقف المضادة لروسيا غير بناءة وتلحق ضرراً حتى بمَن ينتهجها»، مشيراً إلى أنّ «سبب الروسوفوبيا الواضحة في دول عدة هو ترسُخ العالم متعدّد الأقطاب، وذلك أمر لا يقبله الاحتكاريون».
وأكد بوتين أنّ «محاولات ردع روسيا باءت بالفشل ولم تثمر على المستوى العالمي».
فاليوم الإيديولوجية الليبرالية هي السائدة والمعتنقة من الدول كلها، والكلّ لديه الاقتصاد الحر المبني على أساس تنافسي، والهيمنة أصبحت استراتيجية تنافسية أساسها اقتصادي، بحيث يكون الأقوى اقتصادياً هو الأقوى سياسياً. وهذه العلاقة متبادلة فمن يستطيع إضعاف الآخر اقتصادياً يضعفه بالتالي استراتيجياً، مع الإشارة إلى دور شركات ومصالح اقتصادية عملاقة في وقت أصبحت جميع الدول تتبع سياسة اقتصادية ليبرالية. وهذا ما جعل الشركات تتنافس وتعقد الشراكات الدولية والاستثمارات بحسب مصالحها وكسبها المحقق.
في السياق، أكدت دارسة لشركة «أرنست ويونغ» العالمية الرائدة أنّ روسيا جاءت في العام الماضي بالمرتبة السابعة ضمن تصنيف أكثر بلدان أوروبا جاذبية من ناحية الاستثمارات الأجنبية.
وأفادت الدراسة بأنّ المستثمرين خلال العام 2016 استثمروا في 205 مشاريع. وهذا المؤشر يُعدُّ الأعلى بالنسبة لروسيا منذ عام 2005.
في سياق متصل، وتحت شعار «البحث عن توازن جديد في الاقتصاد العالمي»، انطلقت، أمس، أعمال منتدى «بطرسبورغ الاقتصادي الدولي» في نسخته الـ21، في مدينة بطرسبورغ الروسية، ويُعتبر منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي ساحة عالمية رائدة للقاءات بين رجال الأعمال ومناقشة القضايا الاقتصادية الرئيسية، ويُعقد سنوياً منذ العام 1997، ويشارك فيه مدراء أكبر الشركات الروسية والأجنبية، بالإضافة إلى ساسة كبار ورؤساء حكومات ووزراء.
وفي هذا العام عقد المنتدى بمشاركة ممثلين عن 511 شركة أجنبية من 62 بلداً. كما حضر المنتدى رؤساء عدد من المنظمات الدولية وهي «الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك صندوق النقد الدولي، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا».
وأكد الرئيس الروسي على أن يبحث «منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي» سبل تعزيز الاقتصاد العالمي، وتقييم التحديات والمخاطر المرتبطة باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
يُذكر أنّ الميزانية التي أقرّتها روسيا لعام 2017، تتضمّن اقتراض 7 مليارات دولار من الأسواق المحلية والأجنبية، وفي 2018 و2019، اقتراض 3 مليارات دولار لكل عام.
وكان وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أعلن في وقت سابق عن «اهتمام المستثمرين من الولايات المتحدة بإصدارات السندات الروسية».
وفي السياق نفسه، وتعليقاً على فعاليات المنتدى، أكد الملياردير الأميركي والمستثمر في قطاع النفط «جيم روجرز» أمس، «اهتمام المستثمرين الأجانب بسندات روسيا المقوّمة بالعملات الأجنبية».
ونصح الملياردير الأميركي «بالاستثمار في السندات المقوّمة بالروبل»، مضيفاً «أنا متفائل حول مستقبل الروبل، وأودُّ شراء سندات بالعملة الروسية لكون عائدها أعلى من السندات المقومة بالدولار أو اليورو».
الجدير بالذكر، أنّ كلاّ من روسيا والصين تقومان بتشكيل صندوق مشترك لتطوير التعاون الإقليمي في إقليم الشرق الأقصى برأس مال حجمه 100 مليار يوان.
ويُذّكر أنّ برنامج المنتدى الاقتصادي شمل أمس، لقاء بين الرئيس الروسي ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بمشاركة رجال أعمال من البلدين، وذلك لتعزيز الشراكة الاستراتيجية. واتفق خلاله الجانبان على مواصلة العمل المشترك بين البلدين على تطوير وإنتاج الأسلحة الحديثة.
وأشار بوتين إلى أنّ «التبادل التجاري بين البلدين بلغ العام الماضي نحو 7.7 مليار دولار»، موكداً أنّ «روسيا والهند تتمتعان بجميع المقومات لرفع حجم التجارة»، داعياً الشركات الهندية إلى «توطين أنشطتها في روسيا، ما سيسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين».
كما وقعت موسكو ونيودلهي خلال اللقاء اتفاقاً إطارياً لبناء المرحلة الثالثة من محطة الطاقة النووية «كودانكولام».
بالإضافة إلى توقيع البلدان بروتوكولاً حكومياً، ستقدم روسيا بموجبه قرضاً للهند لبناء وحدتي الطاقة الـ5 والـ6 من محطة «كودانكولام» بقيمة 4.2 مليار دولار ولمدة 10 سنوات.
وجاء بناء الوحدة الجديدة بعد أن سلمت روسيا الوحدة الثانية من «كودانكولام» للهند في آذار الماضي. ويأتي ذلك في إطار وثيقة لبناء 25 وحدة طاقة في الهند على أساس التكنولوجيا الروسية.
على صعيد آخر، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ «الاتفاقيات والعقود المزمع توقيعها خلال المنتدى الاقتصادي ستعزز التعاون الدولي وتساعد على إنجاز مشاريع جديدة».
روسيا تمارس سياساتها بذكاء حادّ. وقد أولت أهمية فائقة للاستثمارات والتنمية مستفيدة من إيجابيات العولمة وتعطّش البلاد لسياسات تنموية في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والحقوقية، وفي أوج التدخل الأميركي في شرق أوروبا وآسيا بإيديولوجيته التوسعية التي تريد إنعاش رأس المال الأميركي من دون إعطاء أي أهمية لغير الأنا الأميركية.
بحسب وصف ماكيندر الذي يقول: «مَن يحكم شرق أوروبا يهيمن على منطقة المركز ومَن يحكم منطقة المركز يُهيمن على الجزيرة العالمية ومَن يحكم الجزيرة العالمية يسيطر على العالم بأسره».
ولكن هل ستنجح أميركا في المحافظة على مكانتها كإمبراطور البر والبحر، كما وصفها ماكيندر في الوقت الذي استغلت فيه روسيا هذه الثغرة الجيوستراتيجية لمدّ نفوذها من خلال تنمية تتعطّش لها معظم الدول بعد سلسلة طويلة من الحروب والتدخلات العسكرية الأميركية وحروبها بالوكالة والقيادة من الخلف في الكثير من المناطق التي تلوِّح روسيا بتنميتها وتقديم الفرص لها؟