الأزمة الخليجية وحروب المصالح والمنابع والثروات في المنطقة…
د. زهير فياض
تتكدّس الأزمات المتنقلة في المنطقة بأسرها من الهلال السوري المشرقي الخصيب بشامه وعراقه وأرض الرافدين فيه إلى منطقة الخليج العربي ومصر ودول المغرب العربي الكبير وإيران، وتتناسل المشكلات المتنقلة التي تحمل أشكالاً ومظاهر مختلفة لمضمون واحد يمكن اختصاره بغياب الاستقلالية لشعوبنا في مقاربة أزمات الحاضر والمستقبل معطوفة على ذاكرةٍ مثقوبة لا تقيم وزناً للتاريخ كمرتكز وقاعدة لرؤية الواقع بإشكالياته ومآزقه الحقيقية كلها، التي تتمظهر كلّ هذا التشظي الذي يضرب مجتمعاتنا في عمق بناها الاجتماعية والسياسية والتاريخية والجغرافية، ما أدى بطبيعة الحال إلى حالة من الاستلاب شبه الكامل وانعدام الوزن لولا جذوة المقاومة التي تتنكبها القوى الحية في منطقتنا الرافضة لمنطق السيطرة والغلبة والعدوان والإخضاع، ولعل فقدان الثقة بالنفس، وغياب مفاهيم كالهوية. كل هذا أدّى إلى إضعاف شعوبنا ودورها في سياقات الصراع من أجل الدفاع عن وجودها في عالم تتزاحم فيه المصالح والرؤى والاستهدافات، وكل ذلك في مرحلة تاريخية حاسمة من تغيرات هائلة تطال كل كل شيء، من المفاهيم إلى المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية حول العالم.
ما يميّز هذه المرحلة من التاريخ العالمي هو شبه غياب القواعد الناظمة لحركة الصراع، مما أدى إلى حالة من الفوضى وإن كانت «مضبوطة» في إيقاعاتها، وهي تشكل في حد ذاتها جزءاً من فلسفة «السيطرة الإمبراطورية» الأميركية الصهيونية الجديدة حول العالم، إلا أنها تنفتح على آفاق جديدة في الصراع غير محسوبة في عناصرها وأطرافها ونتائجها التي لم ولن تكون محسوبة بالدقة المرجوة من قبل أصحابها في ميزان «الحسابات الأميركية» الخالصة…
فنظرية «الفوضى الخلاقة» التي أتحفنا بها منظرو السياسة الأميركية منذ العقد الأول من هذا القرن، تتجلّى في مجريات الأحداث كلها من الشرق الأوسط إلى الشرق الأدنى إلى أوروبا وأفريقيا والى كل المناطق الساخنة على هذا الكوكب.
بالطبع، هذه «الفوضى» لها إدارتها وغرف عملياتها ولكن، هي بطبيعتها تخرج عن سياقاتها، وتنفلت في كثير من الأحيان من أيدي منظميها ومطلقيها مما يؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الأحيان…
كيف نقرأ الأزمة الخليجية الآن؟ ما هو سياقها؟ ما هي أسبابها؟ أهدافها؟ نتائجها؟
أسئلة صعبة ومعقدة في آن، ولكن قراءتها لا بدّ أن تندرج في سياق القراءات المعمّقة للسياسات النيو إمبرطورية الأميركية وملحقاتها الهادفة بطبيعة الحال إلى فرض السيطرة والى مزيد من النهب المباشر والوقح للثروات والأوطان والدول، والابتزاز الواضح لحكومات وأنظمة وسلطات قامت واستمرّت بفعل الدعم الخارجي خارج سياقات الإرادات لشعوب وأمم بكاملها.
اعتقد البعض، وهلّل هذا البعض للفوضى «الخلاقة»، منذ أطلقتها إعلامياً وسياسياً وعسكرياً الولايات المتحدة الأميركية منذ سنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومنذ سوّقتها غونداليزا رايس وانخرط الكثير في مشاريعها، ولكن غاب عن بال هؤلاء أن المشاريع الكبرى قد تأكل أدواتها، عندما تؤدي أدوارها أو حتى عندما تعجز عن تحقيق هذه الأدوار.
في هذا السياق، نفهم أسباب «الأزمة الخليجية» باعتبارها جزءاً من عملية الصراع الدولي الشامل في المنطقة حول منابع النفط والثروات والغاز والأنابيب وخطوط التوزيع والأسعار وإدارات التحكّم بالإنتاج والاستهلاك في الأسواق، بالطبع مع تقاطعاتها المحلية الداخلية والإقليمية المتداخلة كلها…
ولعل ما نشهده من تأزم في المشهد «الخليجي» الحالي بين دولة قطر وباقي الدول في منطقة الخليج، وعلى رأسها «المملكة العربية السعودية»، هو من النتائج المباشرة لما سُمّي «القمة الخليجية الإسلامية الأميركية»، التي أعادت في أروقتها وبقيادة المايسترو الأميركي ترتيب أوراق المحور الذي ينضوي في الحاضنة الأميركية بما يعيد توزيعاً جديداً للأدوار بشكلٍ يتناسب مع الأحجام والوقائع الجديدة التي تمخضت عنها نتائج الصراعات الممتدة من سوريا الشام ولبنان وفلسطين والعراق، إلى اليمن وليبيا ومصر وصولاً إلى العمق الإيراني للإقليم مع البعد التركي الحاضر في كل أحداث المنطقة.
هي سيناريوهات مختلفة لسياسة أميركية غربية صهيونية قديمة جديدة تندرج في السياقات والاستهدافات الاستراتيجية الكبرى ذاتها…
عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي