لا زالت الأفراح…؟

بلال شرارة

أعترف أنه لم يعُد يناسبني الفرح! إنّه يفضح وقاري وجديتي. أنا لم أعد أتحمّل الفرح أو أصدّق أنّ في هذا الكون مساحة ممكنة للفرح وأخبار الأحزان والمدن المهتوكة تأخذني ولا تردّني. لذلك مع شكري للثقة الغالية التي أولاني إياها أحد الأصدقاء بدعوتي لمشاركته في أن أكون حاضراً عندما يأتي العريس وأهله ليطلبوا ابنته عروساً لأنني أعرفها منذ الطفولة وأهل البيت يعتبرونني منهم.

أنا هكذا وقعت في المصيدة: هم طالبون القرب وأهلها نحن بيت كرام وأصل وفصل، وهم كذلك. اذن لنقرأ الفاتحة، أنا لا أستطيع تحمّل الفرح سرعان ما بكيت. وكذلك كيف ستراني أرى الفرح في عيني العروسين وأتركهما يعتقدان أنّ خطوبتهما نهاية الكون، وأننا نحن الأهل نشَرّع لهما أن يلتقيا وأن… ثم بعد قليل من الآن أن يعقدا قرانهما وينتقلا إلى بيت الزوجية وبذلك يكونان قد حصلا على مبتغاهما! وتبدأ بالنسبة لهما الحياة بعيداً عن أعيننا وأعمارنا.

طيّب غداً بعد كتب الكتاب، والأمر لن يطول في مرحلة الخطوبة، هما سيبدآن التفكير بطعامهما اليومي، ماذا ستطهو له؟ سيذهب إلى السوق ليحضر اللوبيا الخضراء أو الكوسا وعلبة شراب البندورة وكيساً صغيراً من الملح ونصف كيلو من اللحم وأرُزْ وشعيرية وسمن و… لقد نسي إحضار الحامض! لن يكتمل العقد على طاولة السفرة هكذا. ساعتئذ سينتبهان أنّ طبخة صغيره تكلّف قدّ بقرة جحا وأنّ الزواج وفتح البيوت ليس نزهة. وأنّ ذوقها أقصد العروس لا يتلاءم مع ألوان شرشف التخت، وأنّ ألوان الجدران الداخلية لا تتلاءم معها، وأنها ذات يوم ستغيّر عفش غرفة الجلوس. وأنّ عليه العريس في أقرب فرصة أن يشتري ميكرووايڤ لـ تسخين الأكل ، وأنّ عليه أن ينتبه لمصروف البيت. وأنها هي بنفسها يجب أن تتولى حقيبة تزهيب البيت وملء الثلاجة بما يجب. وأنها هي بطريقها ستقوم بـ الشوبينغ وستشتري بعض مراهم التجميل وأحمر الشفاه على النمرة و… الزواج ليس لعبة يا ابن الكلب .

طيّب أول على آخر كان سيحدث هذا الأمر، وأن ينتقل إلى منزل يدفع إيجاره بنفسه وقد جهّزه للزواج وإنتاج أسرة، وأنّ عليه في العام المقبل أن يسجّل البيبي في المدرسة وأن ينتظر هو أو هي الأوتوكار من أول الضو لإرسال الصبي أو البنت إلى المدرسة، وأنّ الطفل سيبكي ويضرب أرجله بالأرض، ويعبّر كلّ يوم كما هو في صغره عن كرهه للمدرسة، ثم أنه يستيقظ على شخصه وعلى واجبات الصباح حلاقة الذقن وخلافه، وماذا سيرتدي اليوم سيجد أنّ قميصه الأبيض الذي يناسب هده البدلة غير مكويّ بعد… سيتجاوز الآن على الأمر، لأنه عريس جديد، طبعاً مع تمرير بعض الشتائم لوالدتها… وعندما يهمّ بالمغادرة سيسأل ماذا سيأكلان اليوم! ستصمت هي قليلاً ثم سترمي الكرة في ملعبه وهو سيتحزّر كذا أو كذا أو سيحضر معه همبرغر ويكفّ الشرّ أو أنّهما يتفقان أخيراً ويبدأ النهار ولا ينتهي. المهمّ أنّه خرج من المنزل من دون أن يودّعها بقبلة هذا الأمر موضة قديمة .

سيدخل الآن مرحلة العقل ؟ ماذا تراه ستفعل في هذا البلد؟ غداً بعد أشهر قليلة سيجد مولودهما أنه دخل الحياة وقد استدانت الحكومة على مستقبله مبلغاً يتجاوز قدرته على السداد. سيولد مَديناً وهو – الوالد – عدا ذلك أجرة المنزل والأقساط المعروفة للغسالة والبراد والتلفاز والكنبايات سيكون عليه دفع فاتورتين للكهرباء واحدة للدولة وواحدة لاشتراك الموتور… دولة داخل دولة… كهرباء قطاع عام وأخرى قطاع خاص، وبدلاً من فاتورة هاتف المنزل الأرضي وبدلاً من فاتورتي هاتفه وهاتف زوجته المحمولين. وعليه أن ينتبه أنه لا بدّ أن يدفع ثمن نقلة أو اثنتين لماء الشرب فمياه المشروع مُحَوّلة الى هنا وهناك يعني بالعربي لمن يدفع براني … الراتب لن يكفي حتى لو أقرّت سلسلة الرتب والرواتب… لا بدّ من أن يجد عملاً آخر بعد الظهر وفي الليل! ما رأيك في أن تكون سائق سيارة أُجرة مثلاً؟ وهي الست المصون لماذا لا تجد لها عملاً لتأكل بعرق جبينها وليس جبينك، فهي متعلّمة وتعرف عن هذه الحياة المستحيلة أكثر منك. وهذا الأمر سيرتّب عليكما إيجاد خادمة أو جارية على حدّ ما يصف ولدي إذ يقول جارية ماماً .

أعتقد أنهما ستعملان من الفجر الى النجر ولن يكفي ذلك!

فكرت أنا المدعو إلى الطُّلبة لأسباب ذكرتها في البداية أن أقف على طولي وأن أصرّح بأني لن أوافق على الزواج أو على أيّ زواج آخر، لأنّ الحياة الزوجية والإنجاب في هذا البلد أمر لا نستطيع تحمّل كلفته!

أفكر لو أننا نبيع أولادنا لبلاد برّا فبقاء بلدنا مُصدراً للموارد البشرية أضحى أمراً مستحيلاً لأسباب أمنية تتصل بأهل بلاد المهجر وهم البلدان الواسعة أضحوا انتقائيين ويريدون أولاد فريش – طازه ومتعلّمين يعني يحملون شهاده جامعية مترجمة ومصدّقة من وزارتي التربية والخارجية.

أنا أقصد لو أستطيع أن لا أشجّع الفرح!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى