جعجع والنازحون في بشرّي
حسين حمّود
سمير جعجع خائف على النازحين السوريين إلى لبنان. هو يرفض بشدّة عودتهم أو إعادتهم إلى سورية، خشية تعريض سلامتهم للمخاطر. كما يرفض جعجع التفاوض والتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لتأمين عودة آمنة للنازحين إلى ديارهم، وذلك لأن جعجع لا يريد منح شرعية للنظام في سورية وهو لذلك يطالب وفريقه السياسي إعادة مَن يريد من النازحين إلى بيته تحت إشراف الأمم المتحدة.
ليس الغرور، هو سبب تعنّت جعجع، بل إن الجميع يعلم أن الأمم المتحدة لن تُعيد نازحاً واحداً إلى سورية مثله مثل أي لاجئ فلسطيني وعدته الأمم المتحدة بإعادته إلى داره التي استولى عليها اليهود وها هم الفلسطينيون ما زالوا في الشتات في وقت توضع فيه المخطّطات التآمرية عليهم وعلى فلسطين لتوطينهم في أماكن اللجوء.
مع النازحين السوريين يجري المخطط ذاته، ليس في السرّ بل في العلن، إذ صرّح أكثر من مسؤول أميركي وأوروبي أنّه يجب توطين النازحين في البلدان المتاخمة لسورية ومنها لبنان، وتوفير سبل العمل لهم، وذلك في إطار مشروع أكبر وهو تقسيم دول المنطقة ديموغرافياً، دويلات طائفية ومذهبية بعد افتعال أحداث أمنية عنيفة في كل دولة من دول خريطة المشروع بغية تنفيذه على الأرض.
في زمن الحرب الأهلية في لبنان، رفع جعجع بصفته قائد ميليشيا ما يُسمّى «القوات اللبنانية» شعار «أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار»، كما تمّ الترويج لمشروع دويلة «مسيحية بين كفرشيما وجسر المدفون». وبدأ آنذاك التحضير لإنشاء مرافق حيوية سياحية واقتصادية في تلك المنطقة كمطار حالات ووضعت القوات يدها على كل المرافق العائدة للدولة اللبنانية في مناطق نفوذ الميليشيا المذكور.
ربما عادت الأحلام أو تكاد في ظل مشاريع التقسيم الجارية في المنطقة. وجعجع ليس حريصاً على النازحين السوريين وأمنهم، وهو قائد الميليشيا التي كتبت شعارات على جدران الأبنية في منطقتها تقول «السوري عدوّك»، «اقتل السوري»، «لقّحوا أولادكم ضد السوري»… وغيرها الكثير من الشعارات المعادية ليس للنظام في سورية ولا للجيش السوري ولا لحلفاء سورية، بل للسوري والسوريين أنفسهم كشعب.
قد تكون هبّة في ظل الحرب اللبنانية ومضت، وبات جعجع يريد أحسن العلاقات المميّزة مع السوريين كنازحين ومشرّدين من ديارهم بعد الأحداث العسكرية التي تعصف ببلدهم، لكن الواقع لا يتوافق مع هذا الأمر، ولا مع توجّهات جعجع الإنسانية المستجدّة بالنسبة للسوريين. فبلدته بشري في قضاء زغرتا شمال لبنان، وهي أيضاً بلدة زوجته النائبة ستريدا جعجع، وهذه البلدة أيضاً معقل لحزب «القوات» تشهد إضراباً واعتصاماً لشبانها من الطلاّب احتجاجاً على تسجيل النازحين السوريين المقيمين حالياً في بشري، في مدارس البلدة، وهؤلاء التلامذة البشرانيون يهدّدون بتصعيد التحرك إذا استمر هذا الوضع. بل أكثر من ذلك، فإن الأنباء تحدثت عن إعطاء بلدية بشري ومخاتيرها وفاعلياتها النازحين مهلة حتى 25 تشرين الثاني الجاري لمغادرة بلدتهم!
لم يصدر أي موقف معاكس عن جعجع ولم يهتمّ لحماية النازحين من التشرّد ولا لتعريض سلامتهم لمخاطر محتملة. جعجع ما زال جعجع وأكثر…