فارس: هدفنا إفساح المجال أمام العائلات القرويّة لتصريف منتجاتها وتحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة لها
رنا صادق
«هو من التراث وإلى التراث يعود»… يبدو للوهلة الأولى شعاراً، لكنّه في الحقيقة واقعٌ يطبّقه «تجمّع النهضة النسائي» عبر سلسلة نشاطات وبرامج تختصّ بالتراث وحفظ الذاكرة الحضارية للبنان. ويندرج ضمن هذه الأنشطة المعرض السنوي للمونة الذي يقام بداية كلّ عام.
التجمُّع على موعد هذا العام، كما في كلّ عام، موعد مع زوّاره الأوفياء وينتظر آخرين جدداً، نساءً ورجالاً وأطفالاً، وأصحاب المتاجر والمطاعم والمؤسسات التعليمية التي تختص في مجال الفندقية.
معرض المونة مناسبة اجتماعية فرحة، جميلة وتراثية. هو حلقة تواصل من نوع آخر، يشارك فيه عدد من العائلات اللبنانية من مختلف القرى والبلدات يقوموا بتحضير المون المشهورة بحبّ وعناية، ورعاية.
بداية كلّ موسم شتاء، يزداد اهتمام الناس والزوّار بتحضير المونة والطعام، من أجل المعرض، وقد تطلّب تواجدُ التجمّع في أكثر من منطقة لبنانية التوسُّع والعمل على صعيد أكبر في هذا المضمار، وذلك من أجل توسيع مجال الاهتمام بالتنمية البشرية، والحفاظ على العمل وأهميته. التعامل مع أناس من قرى مختلفة ومتباعدة العادات، إذ تتميز كلّ قرية بصنف أو أكثر من المونة، والتخالط بين هؤلاء كلّ سنة في معرض التجمّع جعل لكل ّمنهم حكاية موسمية، يرويها عن قريته.
يُفتتح المعرض، الذي يُقام على مدار ثلاثة أيام، عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس المقبل في 9 تشرين الثاني 2017، ويستمرّ حتى يوم السبت في 11 تشرين الثاني 2017.
خليّة نحل تعمل بحماس
دخلتُ مركز تجمُّع النهضة النسائي الكائن في فردان. بدا لي المشهد كخليّة نحل تغزل وتعمل بحماس وحبّ وصدق. هؤلاء عضوات التجمُّع، سيدات أحببن التراث، أحببن التاريخ ولبنان. عملن بجدّ من أجل تحسين برامج التجمُّع، لتحقيق جزء من التنمية وتأهيل الكفاءات البشرية وتطويرها.
لمتابعة تفاصيل التحضيرات لمعرض المونة، والتعرّف إلى الأنشطة والبرامج الأخرى التي يقوم بها التجمُّع على مدار العام والدورات التدريبية والتوعوية، كان لـ«البناء» لقاء مع رئيسة «تجمُّع النهضة النسائي» منى فارس التي أشارت إلى «أنّ التجمّع يعمد إلى توظيف اليد العاملة الاستهلاكية وتشغيلها قدر الإمكان ضمن توجُّهاته في دعم اليد العاملة الريفية والتنمية، وتمكين المجتمع الريفي، نساءً ورجالاً، من النواحي المهنية، العملية، الاقتصادية والنفسية».
وأضافت: «موعدٌ دائمٌ، أوائل كلّ عام جديد، يَفرِد معرض المونة بساطه أمام زوّاره من محبي الأرض والطبيعة، وهو لا يُقام فقط لتقديم الطعام والمنتجات، بل هو مناسبة سنوية للتواصل، وانفتاح أبناء القرى والمدينة على بعضهم البعض، وأبناء القرى الجنوبية مع أبناء البقاع والشمال.
وتحدثت فارس عن فكرة المعرض، فقالت: «عمد التجمُّع منذ تأسيسه إلى دعم العائلات، خصوصاً ربّات المنازل، في تحضير أصناف الحلويات والكعك والشوكولاتة، وبعد تحضير هذه الحلويات يجري توزيعها على المتاجر والمطاعم في أغلب المناطق اللبنانية، ثم تطور العمل من تحضير الحلويات والكعك إلى تحضير المونة، من مواد غذائية وأصناف المربّيات والتوابل وغيرها».
معرض المونة من الأرض إلى البيت، يقصده محبو الزيتون، وعاشقو المونة الخيّرة الطازجة من قلب الطبيعة، كما يقصده المزارعون وأصحاب المتاجر والمطاعم، خصوصاً المطاعم ذات الطبيعة التراثية التي تحتاج إلى دعم لائحة الطعام لديها بأصناف المونة اللبنانية الأصيلة، وهي من صنع يدوي قرويّ بحت.
جرت العادة أن يُقام المعرض سنوياً في قصر «الأونيسكو»، نظراً لاتساع مساحته التي تناسب المعرض، إضافةً إلى أنه مجاني. في هذا السياق، أوضحت فارس أنّ إقامة المعرض هذا العام في فندق «كورال بيتش» ـ الرملة البيضاء، سببه أعمال الترميم الجارية في قصر الأونيسكو.
معارض على هامش مناسبات التجمُّع
إضافة إلى المعرض السنوي للمونة، يُقيم التجمّع على الدوام معرضاً في منطقة الكورة، ومعارض سنوية على هامش مناسبات التجمُّع، ومن شأن هذا النوع من المعارض أن يلعب دوراً في التنمية البشرية، وتعزيز الاختلاط بين القرى وتبادل منتجات المونة، إضافة تعزيز التواصل بين العارضين أنفسهم وبين العارضين والزوّار، حتى صارت هذه المعارض موعداً سنوياً بين العارضين والزوّار، بمعنى آخر إنّ زوّار المعرض مخلصون له، ينتظرونه، وهم على موعد دائم معه.
يتطلّب تحضير المعرض جهداً ووقتاً بين تنظيم المكان والعارضين وتوضيب أصناف المونة، بينما وقت تحضير المونة يستهلكه العارضون في المعرض.
وأشارت فارس إلى «ازدياد الطلب على بعض الأصناف في السنوات الأخيرة منها العصائر، كدبس الرمّان والحصرم، ماء الزهر والورد، وصلصة البندورة. كلّ هذه المواد من المهم أن تكون بلدية وطازجة، وشغل بيت. باتت كلّ قرية معروفة بأصناف محدّدة من المنتجات التراثية لخزانة المونة في البيت».
يهدف المعرض، بالدرجة الأولى، إلى تصريف إنتاج أولئك الذين ليس لديهم باب للتصريف وليس لديهم مورد رزق غير عملهم الموسمي في هذا المجال، بالإضافة إلى منحهم فرصة للتعريف بالمنتجات التراثية في قراهم، وما يميز كلّ منتج عن سواه، من ناحية التحضير والاستخدام، وتمكينهم من تحقيق مبتغاهم وتشجيع اهتماماتهم في هذا المجال، وبذلك يحقق التجمُّع هدفاً أساسياً وهو تحقيق التنمية المستدامة بمواردها كافّة.
معرض المونة السنوي يقام بداية كلّ عام قبل حلول فصل الشتاء، لأنّ العائلات في هذه الفترة تحضّر مونتها الشتوية للبيت، وبالتالي هو التوقيت الأنسب لإقامة معرض يضمّ المواد الغذائية المجهّزة من الطبيعة، بحبّ وعناية تامّة. لذا يستحق هؤلاء الاهتمام والرعاية والدعم دائماً.
يقيم التجمُّع معارض في عدد من المناطق على هامش مناسباته الخاصة منها الغذاء السنوي للتجمُّع في مركزه حيث تُعرَض بعض المواد الغذائية. ويستمرُّ التحضير للمعرض السنوي للمونة أربعة أشهر منذ بداية نضوج الخضار والفواكه، إلى أن يحين موعد قطفها وتحضيرها وتحويلها إلى مواد جاهزة للاستخدام.
النوعية هي الأهم والأبرز وهي نقطة اهتمام القائمين على المعرض بوجه خاص، وذلك ضماناً لتقديم منتجات جيدة، فعّالة ولذيذة، يرغب زوّار المعرض في الحصول عليها على الدوام، لذا يراقب فريق من التجمُّع مراحل إعداد المنتجات لتقديمها بأحسن طريقة للزوّار، والتركيز على جودة ونوعية المونة يكون عبر تصحيح أي خلل في أي صنف وتجنّبه في السنوات اللاحقة، «فالمعرض في تحسين دائم ومستمر، من عام إلى عام، لتقديم الأفضل والألذ»، بحسب فارس.
قسم خاص بالأشغال اليدوية
وفي إطار المعرض، قسم للأشغال اليدوية التي تُعتبر إضافةً للمونة والأطعمة اللبنانية، وهي جزء من الحفاظ على الثقافة والفولكور والتاريخ، كما أشارت فارس، التي أكدت أيضاً «أنّ الحفاظ على التراث هو جزء من الحفاظ على التاريخ والذاكرة».
يحتاج المعرض إلى تسويق موسّع ومدروس بالدرجة الأولى، وهو بحاجة إلى التطوير حتى يصبح مؤسّسة، ويبدأ العمل على مشاغل خاصة بالمونة، وهذا هو الهدف الأول للتجمُّع، بحيث لا يقتصر إنتاج المؤن على المنازل فقط، وهذه المشاغل تؤمن فرص عمل.
وفي هذا الإطار، طلبت فارس، باسم التجمّع، «من المستثمرين الذين يحبون تراثهم ويشجّعون أبناء القرى على العمل في قراهم الاستثمار في هذا المجال، أولاً لأنّ المونة اللبنانية هي الأجود، وثانياً لأنها تدلّ على الهوية اللبنانية والنكهة الشرقية الأصيلة».
وقالت: «في السنوات الماضية، كان الإقبال على المعرض جيداً بحسب فارس، «لكننا نتوقّع أن يكون أكبر هذا العام، بعد أن حقق انتشاراً واسعاً، إضافةً إلى أنّ التجمّع يقوم بتوسيع دائرة الاتصال بالناس والمعنيين، من مطاعم ومؤسّسات فندقية واجتماعية».
أضافت فارس: «كثرت في الآونة الأخيرة المطاعم ذات الصبغة التراثية اللبنانية، ويتردّد أصحاب هذه المطاعم إلى المعرض وهم مهتمون بالحصول على منتجات ذات جودة ونوعية، فكلّما قلّت كمية المونة زادت جودتها أكثر، أي أنّ هذا النوع من المؤن ليس تجارياً بل مصنوع بحبّ وعناية. التجمّع يلعب دور الوسيط بين المشاركين في المعرض والزبائن، لا هدف تجاري له، وهو يهدف إلى التنمية البشرية وتأمين سوق لتصريف منتجات أهالي القرى».
نحرص على الجودة
ودعت فارس، باسم التجمّع، عبر «البناء» إلى زيارة المعرض يوم الخميس المقبل الواقع 9 تشرين الثاني حتى يوم السبت 11 تشرين الثاني، وذلك للاستفادة من المؤن الجاهزة والمميزة «لتوضع في بيت مونة كل ستّ». فكلّ منزل يستحق تجهيز مونة صحية مشغولة بأفضل الطرق والعناية، إضافةً إلى جودتها وفرادتها عن غيرها، كما أنّ الأصناف تتنوّع وتكثر في المعرض، إذ لا تنحصر في صنفين بل تشمل مونة من معظم القرى اللبنانية الأمر الذي يعطي المعرض تميّزاً خاصاً عن غيره، في توفير احتياجات المونة لكلّ بيت من الزيتون والمكدوس إلى العصائر والخل والمربى على أنواعه. كما أنّ الإقبال الكبير من الزوّار على المعرض يُسهم في دعم عائلات قرويّة «مستورة» ومتوسطة الحال تكافح وتريد الاستمرار بعرق جبينها، وبالتالي فإنّ هذا الأمر يزيد من مجالات تصريف منتجاتهم ويشارك في التنمية البشرية المستدامة لهؤلاء.
من منطلق أهداف التجمّع، أشارت فارس إلى أنّ التعاطي مع الجنسين «يندرج في إطار سعينا إلى بناء مجتمع أفضل بالدرجة الأولى، وتشغيل اليد العاملة القرويّة على اختلافها، وباعتقادنا إنّ العمل والمشاركة بين الجنسين أفضل من حيث الإنتاجية والوقت، بمعنى آخر أنّ التجمّع وضع ضمن سلسلة أهدافه دعم المرأة والرجل، على حدّ سواء، من خلال التنمية الاجتماعية التي تدخل في الثقافة، التوعية الصحية، التوعية المجتمعية للأهل، حلّ مشاكل الطلاب ودعمهم علمياً في المواد المختلفة، وعبر إقامة دورات تدريبية متخصّصة على المهن من بينها الدورة السنوية التي يقيمها التجمّع مع «المؤسسة الوطنية للاستخدام»، وقد جرى تخريج عدد من الطلاب باختصاص مساعد ممرض، كما خرّج التجمُّع عدداً آخر من قسم الميكانيك والكمبيوتر، ويجري العمل الآن على تخريج ممرضين ومساعدي صيادلة وسكريترات أطباء. وفيما يخصّ العمل مع النساء، يعمد التجمّع على إحاطة المرأة بالوسائل التنموية لها من الجوانب الحياتية كافّة، على الصعيد الشخصي العائلي المهني والعملي والمجتمعي من خلال إكسابها مهارات في المجالات كافّة عبر برامج وأنشطة التجمّع».
دورات تدريبية
أما عن الدورات التدريبية التي يقوم بها التجمّع، أشارت فارس إلى «أنّ التجمّع يقيم على مدار العام دورات تدريبية وتأهيلية للمشاركين، حول كلّ ما يخصّ النظافة وتجنّب بكتيريا الطعام لأنّ ربّات المنازل يمكن أن يعتمدن على طرق غير صحيحة تنقل البكتيريا، وقد استعان التجمّع بمختصين وخبراء في هذا المجال. وقد أقيمت الدورة الأخيرة في أيلول الماضي حول إرشادات النظافة وكيفية حفظ الطعام والجودة للمشاركين في المعرض هذا العام. كما ستكون هناك سلسة من الدورات التدريبية التوجيهية المختصّة، بالإضافة إلى محاضرات توعوية تتناول المواضيع الملّحة سياسياً واجتماعياً. كما يجري العمل في التجمُّع على الدورات الأكثر تخصُّصاً كدورات خاصة عن المربّيات، دورات عن الكبيس، وكلّ ما يختص إعداد الطعام وحفظه وحمايته من الجراثيم».
وختمت فارس: «التجمُّع على موعد للقاء الجميع في المعرض، ويأمل أعضاء التجمّع العمل لاحقاً على المزيد من البرامج والأنشطة التي تندرج ضمن التنمية الشاملة المستدامة».