مدير عام «الامن العام».. جولة لمعرفة مصير الحريري
روزانا رمّال
كشف مصدر سياسي رفيع لـ«البناء» أن اللقاء الذي جمع بين المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم والرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأردن خلال الساعات الماضية كان مخصصاً للاستيضاح حول مصير الرئيس سعد الحريري في السعودية، وموقف الرياض المستجدّ تجاه لبنان، فالرئيس محمود عباس كان قد التقى المسؤولين السعوديين وتواصل مع الرئيس سعد الحريري عبر «الهاتف» من دون أن يتمكن من مقابلته. وفي هذا الإطار يؤكد المصدر أن زيارة عباس بدوره لم تأت في ظروف عادية. فاستقبال الرئيس الفلسطيني بهذه الظروف الطارئة التي تمر فيها المملكة هو تأكيد على متغيرات جديدة بالأجواء وعلى السياسة السعودية الجديدة التي ترغب في تعميمها على مَن يعنيهم الأمر في المنطقة. وهي توضع في إطار رسائل متبادلة وحضور الرئيس الفلسطيني بعد المصالحة التي رعتها مصر الى الرياض يحمل دلائل متعددة. ويضيف المصدر «المدير العام للأمن العام مستمر بالبحث والاستقصاء عن اي معلومة قد تفيد بكشف النَّفَس السعودي الجديد تجاه لبنان عارضاً ضرورة الحفاظ على الاستقرار الذي تمتع فيه لبنان طيلة هذه الفترة وكان موضع إجماع الدول الكبرى، خصوصاً بعد معركة فجر الجرود». ويختم «كلنا أمل أن يتمكّن اللواء ابراهيم من التوصل الى معلومات بإطار زيارته لفرنسا ومعرفة مصير الرئيس سعد الحريري، وعمّا إذا كان سيسمح له بالعودة الى لبنان لتقديم استقالته منه أم لا. وفي كل الأحوال فإن هذا المسعى اللبناني المبارك من رئيس الجمهورية وقيادات لبنانية هو أساسي وهام جداً في هذه المرحلة لنقل رغبة لبنان بأهمية الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي قبل أي شيء وتمسّكه بحفظ مكانة وموقع رئيس الحكومة».
وفي كل الاحوال، فإن التحرك اللبناني الذي تمثل بالرئيس ميشال عون ورسائله الموحّدة لسفراء الدول في قصر بعبدا أمس، قد وصل إلى عواصم القرار التي بدأت بإطلاق تصاريح أكثر وضوحاً ومباشرة بما يتعلّق بموقع رئيس وزراء لبناني لا يزال مصيره مجهولاً، ومن أبرز المواقف تلك موقف وزير الخارجية الفرنسية «لو دريان» الذي يقول إن هناك «اعتقاداً» أن الحريري موجود في الرياض وأنه حرّ في تنقلاته ليؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على حجم القلق لدى المجتمع الدولي للأوضاع في لبنان من تقارير وصلته حول عن استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من أغلب عواصم القرار، مصدراً بياناً جاء فيه «أن الأمين العام يأمل أن تركز جميع الأطراف جهودها على ضمان استمرارية مؤسسات الدولة اللبنانية، وفقاً لدستورها ولمصلحة أمن البلاد واستقرارها».
اللافت بهذا الإطار هنا هو التحرّك الفرنسي نحو السعودية للكشف عن مصير الحريري بمساعٍ لبنانية ومصرية، وما حُكي عن رفض المسؤولين السعوديين بأن يلتقي الحريري ماكرون، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً ويؤكد أن المنطق الذي تتعاطى فيه المملكة مع مسؤولي دول وحتى مقرّبين من الحريري يرغبون بالاطمئنان عنه والتحدث إليه أقله على مستوى التواصل بينه وبين قيادات تياره كزعيم سياسي هو منطق أقرب الى الحسم، لجهة وضع حركة سعد الحريري ضمن إطار الحركة المنسجمة مع مصلحة المملكة وتوجّهاتها للساعات المقبلة، لكن السؤال إلى أي مدى يمكن أن تتمسك المملكة بإمكانية إطالة عمر هذا الاحتجاز؟
المسألة التي تُحرج المملكة اليوم هي أن الحريري استحوذ على اهتمام محلي ودولي غير مسبوق، وتمّ تدعيم حيثيته بتمسك رئيس الجمهورية بمكانة وهالة كرسي رئاسة مجلس الوزراء وما ينصّه الدستور اللبناني أولاً وأخيراً، لكن الأهم هو أن كرة الثلج بوجه الرياض بدأت تكبر بالعيون الدولية والإقليمية لقراءة شكل الاستقالة وأن أياً من رؤساء الدول لا يقبل التغاضي عن حادثة مثل احتجاز الحريري، فتصبح سابقة دولية في رفع الحصانة التي تحكم من يتسلّمون مناصب رئاسية عملاً بالانتقال الديمقراطي للسلطة، وإلا فإن هذا السكوت يعرّض صورتهم للخطر أمام الرأي العام الدولي الذي صار أكثر اقتناعاً بأن الملف هو ملف توقيف قسري لرئيس وزراء دولة .
مسارعة ماكرون للسفر للرياض تدل على أن الأمور دقيقة جداً وأن الأوروبيين منزعجون من الخطوة السعودية، خصوصاً دولة كفرنسا، وهي دولة ديمقراطية صديقة للبنان وعرابته بالأزمات التي لن تكون قادرة على تغطية التجاوز السعودي لوقت طويل. وهي قادرة على قلب المزاج الأوروبي الأقرب الى استقرار لبنان في هذه الأوقات، حيث برزت مواقف متتالية تؤكد أهمية التمسك باستقرار لبنان وأمنه وهو الاستقرار الذي يتعلّق بمسألة أساسية بالنسبة إليهم، وهي «الإرهاب»، فمن غير المسموح بالنسبة للأوروبيين إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وفتح لبنان أمام موجة إرهاب جديد لا يمكن ضمانة عدم انتقالها إلى بلدانهم، أو استغلال حالة الفوضى في لبنان من أجل الهرب أو نقل المعارك من بلدانهم وإليها.
مصير الحريري الذي يشغل الدوائر الرسمية المحلية يشغل أيضاً الدوائر الدولية والغرف الدبلوماسية، وما تقدّم يؤكد أن كل الذي جرى لم يكن بحسبان الذي شرع باستدراج الحريري الى الرياض لتقديم الاستقالة الغامضة.