لنا أن نحلم…
بلال رفعت شرارة
أقول: النظام العربي، مختلف أنماط سلطاته تريد حجّ خلاص . لا تريد أن يأتي إليها شبح فلسطين كلّ ساعة والتانية ويدقّ عليه على باب الوقت ! ثم بعد ذلك أن تنزل الناس إلى شوارع المدن العربية وتهتف وتقرأ كلاماً شروي غروي ثم تستعيد ذاكرة التحرير ثأر، تحرير، عودة ثم تعود الى نغمة ثورة حتى النصر وهكذا… تتجدّد قابلية الجماهير الغفورة على الاستشهاد.
هو – النظام العربي – لا يريد كلّ ذلك. وإنْ كان لا يملّ لعبة القط والفأر معنا. هو سيذهب أبعد منا سيشتم ترامب على شغلة البال هذه، وتقول أبواقه: ماذ يريد ترامب منا؟ الإدارة الأميركية عملياً تدير عملها من القدس، فلماذا وجع الرأس والإعلان عن ذلك؟
الإدارة الأميركية، جمهورية او ديمقراطية، إدارة بوش الأب او الابن او كلينتون أو أوباما لا تختلف مع إدارة الرئيس ترامب على المبدأ ! نقل السفارة الأميركية إلى القدس. الخلاف هو فقط على التوقيت؟
لماذا الآن؟ لماذا يتخذ الرئيس ترامب قراره في هذه اللحظة السياسية؟ هل يا تُرى تمهّد هذه الخطوة إلى ما يليها؟ وما يليها؟ هل كما يقول عندنا المحللون الاستراتيجيون من أننا مقبلون على صفقة العصر التي من ضمنها تذويب القضية الفلسطينية وتوطينها في شمال سيناء إلى جانب غزة وإقامة مملكة متحدة ناحية نهر الأردن تحت نظر ملك واحد وبحراسة جيش واحد وبرلمانيين، وهكذا نكون قد أفشلنا مؤامرة الوطن البديل !
الآن النظام العربي والنظام الذي يحكم العالم الإسلامي سيذهب بعيداً أكثر من الشعوب في التطرف ورفض الخطوة الأميركية. ليس فقط وزراء الخارجية العرب بينما كان وفد رسمي عربي يزور الأرض المحتلة ويحاول إقامة الصلاة في المسجد الأقصى . وليس فقط البرلمانيين العرب في المغرب والقاهرة. وليس فقط القمة الإسلامية في تركيا. بل أيضاً القمة العربية ربما اجتمعت في الأردن ورفضت واستنكرت القرار الأميركي. ونحن الشعوب العربية وبينما النظام العربي يحرس كلّ الحدود مع إسرائيل عفواً فلسطين – نحن سنتظاهر ونهتف ونشتم ونحرق الأعلام.
طيب…! وماذا بيدنا أكثر من ذلك؟ حكوماتنا ستشدّد الحراسة على مقارّ البعثات الدبلوماسية الأميركية هذا أمر معروف مقابل أيّ ردّ فعل يتجاوز الأسلاك الشائكة … وسترتفع أصوات تطالب بمقاطعة البضائع الأميركية حتى إذا حنحنوا الخدمات وغلبنا طعم سيكارة المالبورو أوقفنا المقاطعة.
باختصار راحت فلسطين… فردّ الفعل الرسمي العربي منضبط وستمهّد القمة الثلاثية المصرية – الأردنية – الفلسطينية إلى قمة مؤجّلة في شرم الشيخ تنضمّ إليها السعودية ونتنياهو برعاية الرئيس ترامب شخصياً ولا يبقى سوى إيران وتركيا تستحقان أن يبحث معهما مستقبل السلام الفلسطيني! أما سورية والعراق فإنّهما تقعان في الدائرة الحمراء، وبالكاد استطاعا إزاحة كابوس داعش عن صدريهما، وبهذا المعنى فإنهما يريدان للأمور أن تنزاح عنهما… يبقى نحن الجماهير الغفيرة والغفورة، فإننا سوف لا نفعل شيئاً سوى إدانة الخيانات المتواصلة والتي أصبحت اختصاصاً.
أزعم أنّ الحلم الفلسطيني قد استحال كابوساً، وأنّ الناس في المخيّمات قد تعبت من فصائلنا ومن إسلامنا ومن فصول توتراتنا السياسية قلقنا واضطرابنا… لذلك وحتى إشعار آخر يقودنا في وقتها ظاهر بيبرس جديد، صلاح الدين، أو عبد الناصر، أو خميني، أو سعاده، أو موسى الصدر أو… مقاوم ما أو فكرة ما… حتى ذلك الحين، فأنا سوف أبقى لا أصدّقكم وقد سبق لي أن شاركت في ثوراتكم ومسيراتكم، ولم أستُشهد، ولكني رأيت مَن استشهد.
نحن، أنا في الوادي وأشجاري وأطياري وحيواناتي ندين ونستنكر لكننا نقع على حدود فلسطين. لذلك لنا أن نحلم…