موسكو تعدّل خططها: لافروف يعلن الحرب على النصرة وزاخاروفا تردّ على أردوغان الأزمة الرئاسية تتفاقم… والحريري يدعو لعدم التصعيد… ومراسيم الترقيات بعد الأقدمية
كتب المحرّر السياسي
غياب التفاهم الأميركي الروسي لمدى غير قصير يبدو بعد قرار الرئيس الأميركي الخاص بالقدس كنتاج سياسي لمقاربتين متعاكستين، وليس لمجرد انتظار أميركي لنضوج الحلفاء، كما كان الحال في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، كما قال الدبلوماسي الأميركي السابق والمعاون السياسي للأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان قبل عامين، فإدارة الرئيس دونالد ترامب تكشف كلّ يوم جديدها في خيار تجميد التسويات في المنطقة، خصوصاً ما يتصل بسورية، ربطاً لهذه التسوية بأمن «إسرائيل» الذي فشلت «إسرائيل» بتحصينه جنوباً بحزام أمني عبر جبهة النصرة، مع انهيار مواقع النصرة على حدود جبل الشيخ والجولان، كما فشلت مساعي ابتزاز موسكو بربط التفاهمات على مناطق التهدئة بانسحاب القوات الإيرانية وحزب الله من سورية أو ابتعادهما عن جنوبه على الأقلّ، فصار التحرّك الأميركي على ربط التسويات بالتسوية الشاملة للصراع العربي «الإسرائيلي» من بوابة القرار الأميركي حول القدس، في ظلّ موقف سعودي خليجي داعم لدولة فلسطينية بلا القدس وبلا اللاجئين وحق العودة، ليظهر التغاضي الأميركي الخليجي عن الخلاف مع تركيا، لتوليها إدارة جبهة المواجهة مع القرار الأميركي منعاً من تجذّر قوى المقاومة ونجاحها في فرض معادلات تهديد جدية لأمن «إسرائيل»، كما كشف تفاهم تسليم تركيا جزيرة «سواكن» السودانية على البحر الأحمر برضى أميركي سعودي، رغم الاحتجاج المصري، لتظهر أبعاد التفاهم، بإعلان مفاجئ للسفارة الأميركية في أنقرة عن العودة لعملها الطبيعي والعودة لمنح التأشيرات، بينما أعلنت قطر عن مناورات مشتركة مع القوات السودانية، رغم الأزمة القطريّة السعوديّة والعلاقات العسكريّة المميّزة بين السودان والسعودية التي يترجمها السودان بالمشاركة في الحرب على اليمن.
الرسائل الأميركية التي تقرأها قوى محور المقاومة بعناية، لم تغِب عن موسكو، حيث تصاعدت التصريحات الروسية التي تحدّثت عن الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية في سورية، وتتهم هذه القوات بتقديم التسهيلات للتشكيلات الإرهابية، لتتقدّم روسيا نحو الإعلان عن عام للحرب على جبهة النصرة بدعم الجيش السوري وحلفائه، والكشف عن تلقي النصرة لدعم أميركي كما كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد استقباله الرئيس السابق لتشكيلات المعارضة السورية أحمد الجربا، تمهيداً للمشاركة في لقاءات سوتشي التي ترعاها موسكو بين الحكومة السورية والمعارضة والتي تسعى موسكو لضمّ شخصيات كردية للمشاركة فيها، بينما لم تمرّ التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب أردوغان من تونس مستهدفاً فيها الرئيس السوري بشار الأسد من دون ردّ روسي، حيث قالت الناطقة بلسان الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إنها ستكتفي هذه المرة بالإطار القانوني ولن تتناول البعد الأخلاقي لكلام أردوغان، لكنّها ستكتفي بالقول إنّ كلام أردوغان يفتقر لكلّ أساس قانوني، ووصف أردوغان لسورية بالإرهاب كلام لا صحة له على الإطلاق يكذّبه دور الحكومة السورية في الحرب على الإرهاب وتمثيلها في مجلس الأمن الدولي.
لبنانياً، لن تمرّ الأعياد بهدوء سياسي في ظلّ الأزمة الرئاسية حول قضية مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة العالم 1994، بعدما بدت الطرق موصدة بوجه الحلول، ومزيد من العتب لرئيس المجلس النيابي على رئيس الجمهورية لتحويل الأمر إلى مواجهة، وتصويره قضية سياسية في لقائه مع قيادة الجيش، بينما دعا رئيس الحكومة سعد الحريري رئيسَيْ الجمهورية والمجلس النيابي لعدم تكبير الخلاف وتصعيد المواقف، لأنّ الحلول دائماً موجودة، لكنها تحتاج لتعاون رئاسي تفرضه مشاكل البلاد الكبيرة قياساً بحجم المشكلة القائمة، بينما تفاقمت أزمة مرسوم الأقدمية مع ظهور أزمة مراسيم الترقيات التقليدية مطلع كلّ عام، بعدما امتنع وزير المالية عن توقيعها لارتباطها بمرسوم الأقدمية في حال ضباط دورة 1994 موضوع مرسوم الخلاف الأصلي.
أزمة «المرسوم»: دائرة الخلاف تتسع
لم تشهد أزمة «مرسوم الضباط» بين الرئاستين الأولى والثانية أي جديد، رغم هدوء العاصفة في عين التينة التي أرسلت إشارات جهوزية لتلقف أي حلٍ وفق الدستور، بيد أن دائرة الخلاف القانوني والدستوري والسياسي آخذة بالتوسع مع امتناع وزير المال علي حسن خليل عن توقيع مراسيم الترقية من رتبة عقيد الى عميد في الجيش، ما يؤشر الى بداية استخدام الصلاحيات الدستورية في المعركة السياسية.
وقال رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، أمام زواره إن «كل أزمة لها حل، والمهم أن يربح البلد وأن نحفظه ونحفظ وحدته، وهناك دستور فلنعد لتطبيقه».
أما في بعبدا، فالأمر محسوم والكرة في ملعب رئيس المجلس كما تقول مصادرها، ولا تعديل أو تراجع في رؤيتها إزاء قانونية ودستورية المرسوم، وتستند الى المادة 47 من قانون الدفاع الوطني التي تتحدّث عن منح الأقدمية للترقية بموجب مرسوم بناءً على اقتراح وزير الدفاع ، وفي ظل المواقف التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام وفد قيادة الجيش الذي زاره برئاسة العماد جوزيف عون، حيث قال رئيس الجمهورية: «بقيتم أوفياء للقسم ولم تقصّروا بأي مهمة، وانسوا ما تسمعونه في السياسة»، لافتاً الى «اننا سنواصل إنصاف المستحقين وقرارنا بمنح ترقيات كان للتعويض ولو جزئياً عن خلل حصل»، ومؤكداً « لن تكون هناك مخالفات ولن تهدر حقوق أحد، والمقصود من النقاش الدائر حالياً لا يتعلق بحقوق العسكريين انما بصراع سياسي على مواضيع أخرى».
غير أن قناة «أن بي أن» تساءلت في مقدمة نشرتها المسائية «لمصلحة مَن تكبير مشكلة مرسوم الأقدميات؟ ولماذا حرفها عن حقيقة أنها مُخالِفَةٌ للدستور عبر الترويج لفكرة أنها أزمة سياسية؟ وما خلفيات إقحام المؤسسة العسكرية في السياسة ؟ وهل من غايات لإطلاق النار على التعاون بين المؤسسات الذي لطالما نادى به الرئيس نبيه بري في كل المراحل؟»، كما عرضت القناة «نسخة من مرسوم أقدمية يعود للعام 2013 كان وقّعه وزير المال السابق محمد الصفدي ما يعني وجود سابقة في الموضوع بحكم المادة 54 من الدستور .
في المقابل، وفيما بدأت الأزمة تنعكس سلباً على المؤسسة العسكرية وتذمّراً في صفوف الضباط، علمت قناة «أو تي في» أن « وزارة الدفاع كانت أرسلت الى وزارة المال مرسومين للترقيات»، مشيرةً إلى أن « وزير المال علي حسن خليل وقع أولاً مرسوم الترقيات بين ملازم أول وعقيد ورفض التوقيع على مرسوم الترقية الى عميد وجمّد مرسوم الترقيات بين ملازم اول وعقيد عند التنبّه الى تضمنه أسماء ضباط من دورة 1994». ولفتت إلى أن « قيادة الجيش رفضت الاقتراح وأصرت على عدم التأجيل أو التأخير، فإما توقيع المرسومين كاملين معاً او ردهما معاً»، مشيرةً إلى أن «قائد الجيش العماد جوزيف عون رفض التلاعب بمعنويات الضباط وإدخال الجيش في السياسة ، خصوصاً ان مرسوم الأقدميات سلك طريقه القانوني السليم».
بدوره رأى رئيس « اللقاء الديمقراطي » النائب وليد جنبلاط أن «استمرار الخلافات حول المرسوم سيزيد من الأمور تعقيداً».
لا مبادرة لدى حزب الله
وسط هذه الأجواء الرئاسية المحمومة والملبدة بالغيوم، ومع اصطدام مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بجدار مواقف الرئيسين عون وبري، تحدّثت معلومات عن مساعٍ جديدة من طرف حليف للرئيسين قد تطرح على بساط البحث علّ فرصة عيد رأس السنة تكون فسحة لبحثها وانضاجها وتظهيرها مطلع العام الجديد، غير أن مصادر مطلعة على موقف حزب الله نفت لـ «البناء» أي «تحرك لحزب الله على مسار الأزمة حتى الآن»، مشيرة الى أن «الحزب لا يزال يراقب تطور الأزمة وهو معني بالعلاقة بين حليفين أساسيين الأول يمثل الرئاسة الاولى والحضور المسيحي والوطني والثاني شريك الثنائية الشيعية، وبالتالي يعمل على تجسير العلاقة بين الطرفين، لكن لا تحرك فعلي حتى الآن وهو يدعم مبادرة اللواء ابراهيم»، وأوضحت أن «مبادرة إبراهيم لم تنجح حتى الآن بسبب تشبث الرئيسين بمواقفهما التي تعبر عن خلاف رؤيوي على ادارة الحكم والشراكة في السلطة، ولذلك لم تتضح خريطة الحل».
ولفتت المصادر الى أن «الازمة مفتوحة على كافة الاحتمالات»، لكنها رفضت الحديث عن خطوات تصعيدية، وأبدت مخاوفها من «انعكاس الازمة على عمل المؤسسات لا سيما مجلس الوزراء».
الحريري لعون وبري: لا تضخّموا الموضوع
وفي أول موقف له من الأزمة بعد أن اعتصم الصمت، أشار رئيس الحكومة سعد الحريري أن «الخلاف بشأن مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994 يجب أن يوضع في مكانه الصحيح. فهو شأن صغير في بلد يعاني من مشاكل عدة»، وقال خلال استقباله مساء امس في «بيت الوسط» وفداً من جمعيات وروابط أهلية وفعاليات من مناطق بعبدا، الحدث والحازمية: «هناك وجهات نظر قانونية ودستورية بشأن هذا المرسوم، وهناك حلول في المقابل شرط أن يتم وضع المشكلة في إطارها الصحيح، وعدم تضخيمها أكثر مما هي عليه».
وأضاف: «نحن لا نريد تصغير المشكلة ونعتبرها غير موجودة. فالإشكال موجود، والمسؤولية تقتضي أن نعمل جميعاً على حلّه بِما يتوافق مع الأصول، لأن أي توتر سياسي ينعكس توتراً في البلد ككل ونحن بغنى عن أي توتر سياسي داخلي، خصوصاً في ظل ما يحصل حولنا في المنطقة من جنون وحروب ودماء».
وقال الحريري: «السبيل الوحيد لحلها يكون في النهاية بالجلوس حول طاولة واحدة والتفاهم على إدارة البلد، ولدينا اختلافات سياسية مع بعض الأفرقاء الذين لن نلتقي وإياهم بشأنها، وخاصة في الملف الإقليمي، لكن هذا لا يعني أننا سنضع العصي في الدواليب ونجمّد البلد ونفتح المجال للاحتقان الطائفي أو المذهبي». وأضاف: «هناك وحدة وطنية تجلّت مؤخراً، ويجب أن نحافظ عليها برموش العيون، لأن هذه الوحدة هي التي تقوي البلد وتمكننا من مواجهة الفساد وعدم الاستقرار الأمني وغير ذلك».
إبراهيم: إنجازات جديدة في العام المقبل
على صعيد آخر، لفت اللواء إبراهيم خلال زيارته رئيس الجمهورية على رأس وفد من المديرية العامة للأمن العام الى «أننا في المديريةِ العامةِ للأمنِ العام ملتزمونَ العملَ في المجالينِ الأمني والإداري لتكريسِ لبنان وطناً آمناً وفقَ النصوصِ القانونيّةِ، وحمايةِ نظامِنا البرلماني الديموقراطي، وسيشهدُ العامُ الجديد المزيدَ من الإنجازاتِ في مختلفِ المواقعِ التي نعملُ فيها استناداً الى الصلاحياتِ والمهمّاتِ الموكلةِ إلينا».
وأضاف «إنّ المديريةَ العامةَ للأمنِ العام في أعلى درجاتِ جهوزِيتها للتصدي للخطرين الإرهابِيَيْن، الإسرائيلي ونظيره المُتأسْلم، ونعملُ ليكونَ العامَ الجديد سنةً تعقّبِ هذينِ العدوّينِ بعدما نجحنا في مرحلتي التصدّي ثم المواجهة». مشدداً على «أن عام 2017 كان عامَ الإنجازاتِ على المستوياتِ».
لغط وردود فعل على كلام باسيل
على صعيد آخر، أثار كلام وزير الخارجية جبران باسيل حول الكيان الصهيوني في حوار مع قناة الميادين لغطاً وموجة واسعة من ردود الفعل، لا سيما أن موقفه هذا عن الخلاف الايديولوجي مع «اسرائيل» يخالف مواقفه المشرفة من قضية القدس وفلسطين، خصوصاً في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، بقوله «القدس ليست قضية بل هي القضية، لأنها عنوان هويتنا العربية»، فكيف لا تكون القضية أيديولوجية وقد تحدّث أن فلسطين عربية والقدس عربية؟
غير أن المكتب الإعلامي لباسيل أوضح لاحقاً أن «ما يتم تداوله هو مجتزأ والهدف منه تحريف وتشويه موقفه»، الأمر الذي نفته قناة «الميادين» في بيان أكدت فيه أنه «لم يتمّ اقتطاع أو اجتزاء أو حذف أي كلمة قالها الوزير باسيل».
قضية غانم إلى الحل؟
ويبدو أن قضية الإعلامي مارسيل غانم تتجه الى الحل بعد أن قرّر قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، بحسب المعلومات رفع مذكرة الإحضار الصادرة بحق غانم، بعدما تعهّد بالحضور شخصياً في موعد الجلسة 4-1-2018.
وعلق محامي الدفاع عن غانم الوزير السابق بطرس حرب على القرار بالقول إن «قرار قاضي التحقيق رفع مذكرة الإحضار بحق مارسيل غانم أعاد الأمور الى مسلكها القانوني، ومتمسكون بمذكرة الدفوع الشكلية».