بري… دور أقوى من الصلاحيات هل كرَّس لقاء بعبدا الشراكة؟
محمد حمية
ثمّة مقولة وُضِعت في التداول وتم التسويق لها عشية حسم مسألة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ولا زالت حتى الأمس القريب هي: هل يجب أن يبقى نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي؟ وهل ما زالت المرحلة تحتاج الى رئيس حركة أمل في ظلّ عهدٍ رئاسي جديد ومعادلة داخلية مستجدّة أنتجها التحالف بين تياري «الوطني الحر» و«المستقبل»؟
الإجابة عن هذا السؤال تفترض سؤالاً آخر: هل يتأتى الدور والموقع اللذين يحتلهما الرئيس نبيه بري على الساحتين المحلية والإقليمية من كونه رئيساً للبرلمان أو من مكانته الوطنية وفي مكوّنه الشعبي وأحد الأركان الأساسيين لاتفاق الطائف؟ أم أنّ دوره يتجاوز الحدود الطائفية والمذهبية والدستورية الى رحاب الوطن ومساحة الإقليم؟
على رغم الحديث الكثير عن مرحلة «الترويكا» التي أفرزها «الطائف» بأنّ تبوّؤ بري الزعامة السياسية للشيعة في لبنان وشراكته في السلطة مع الرئيس الراحل رفيق الحريري، متأتيان من تحالفه مع سورية في عهد ما يُسمّى «الوصاية»، لكن أثبتت مرحلة ما بعد اغتيال الحريري وخروج القوات السورية وتقلص النفوذ السوري في السياسة الداخلية، أنّ رئيس السلطة التشريعية حاجة وطنية وإقليمية، حيث لعب دوراً هاماً وحاسماً في امتصاص الحالة المذهبية التي انتشرت بعد اغتيال الحريري الأب، وتمكّن من احتواء فريق 14 آذار عبر فتح قنوات تواصل مع مختلف أركانه من دون ابتعاده عن فريق 8 آذار أو عن خياراته الوطنية قيد أنملة. ولم تتمكن الضغوط الداخلية والخارجية على عين التينة من استدراجها الى المنصة اللبنانية لمواجهة سورية. واستكمل بري دوره الريادي في قيادة المفاوضات في عدوان تموز 2006 حيث فوّضه حزب الله رسمياً لهذه المهمة وأدّاها بنجاح باهر ما كرّسه شريكاً استراتيجياً للحزب مع توطيد العلاقة مع السيد حسن نصرالله الذي خاطب بري مراراً بـ«الأخ الأكبر».
وإن حافظ «الأستاذ» على علاقة جيدة مع السعودية في أوج الصراع الإقليمي، لكنه لم يخرج من «العباءة» الإيرانية ولم يخفِ علاقته الاستراتيجية مع طهران. وما حرارة اللقاء الأخير الذي جمعه بمرشد الثورة الإسلامية علي الخامنئي الا دليل على أنّ إيران تنظر إلى بري كحليفٍ تحتاجه في المعادلة السياسية الداخلية يتكامل مع حليفها الآخر حزب الله كحركة مقاومة مسلحة في لبنان والإقليم.
شكّل الرئيس بري منذ زلزال شباط 2005 حتى ما قبل وصول الجنرال عون الى سدة الرئاسة الأولى أحد صمامات أمان السلم الأهلي والاستقرار ما جعله قطب الرحى في المفاصل الأساسية، من خلال تدوير الزوايا واجتراح حلول للأزمات ومنع انفجارها وطرح المبادرات وطاولات الحوار الوطني. هكذا حصل خلال أحداث السابع من أيار 2009 وأيضاً في تشكيل الحكومات المتعاقبة حتى التنازل عن مقعدٍ وزاري من حصة الشيعة للوزير فيصل كرامي لتسهيل تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 وهي سابقة في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان.
لعب بري دوراً أساسياً في الهندسة والدوزنة والإخراج الدستوري والسياسي لجلسات انتخاب ثلاثة رؤساء للجمهورية إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون .
لم يُقلق عين التينة في أوج صعود الحالة المتطرفة في المنطقة أكثر من خطر الفتنة المذهبية، فتحوّل «الإطفائي» لإخماد أيّ شرارة فتنة تهبّ من سورية والعراق، فكان الحوار الثنائي أفضل دواء لداء الفتنة والفوضى، وكانت جلسات الحوار بين حزب الله و«المستقبل» في قصر الرئاسة الثانية الذي أدّى أهدافه.
وفي ذكرى انتفاضة 6 شباط لا يختلف اثنان على دور بري الريادي في تأسيس المقاومة وخوض المعارك إلى جانب القوى والحركات الوطنية والقومية ضدّ العدو «الإسرائيلي» وإفشال مشاريع النظام الطائفي ورموزه آنذاك للتطبيع مع «إسرائيل».
بالتأكيد لا ينحصر موقع بري في نطاق رئاسته للمجلس، وإنما إدراكه للعبة السياسية وفهمه للنظام السياسي والطائفي، وقراءته الدقيقة للواقع الإقليمي، لا سيما أنّ الصلاحيات التي أجازها الدستور لرئيس المجلس في الدستور تختصر في ثلاث: حق مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين، إطلاعه على نتائج الاستشارات النيابية قبيل تكليف رئيس لتشكيل حكومة جديدة، دعوة المجلس النيابي للانعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية قبيل انتهاء ولاية الرئيس بشهرين، مع التذكير بأنّ البرلمان ينعقد عقدين فقط خلال عام كامل.
هنا يصبح السؤال مشروعاً: هل يستطيع بري الحفاظ على هذا الدور، وإنْ عاد رئيساً للمجلس في ظلّ العهد الرئاسي الجديد، مع الحديث عن تقدّم الثنائية المارونية – السنية على حساب الشريك التقليدي الثالث في السلطة؟ أم أنّ لقاء بعبدا بالأمس كرّس الشراكة؟
مصادر مطلعة على موقف الرئيس بري تؤكد لـ «البناء» أنّ «لقاء بعبدا تعبير عن قناعة الرئيسين عون وسعد الحريري بمكانة الرئيس بري وضرورة الانتباه لكلّ ما يوحي بثنائيات ويستفزّ شركاء آخرين ليس بري وحده، كما قالت مواقف النائب جنبلاط، والحرص على التشاور ولو لم يكن في الدستور صلاحيات تبيح في حالات كثيرة تخطّيه»، وتذكر بأنّ «رئيس الجمهورية قبل الطائف كان يملك صلاحية إقالة الحكومة، لكنه لم يفعل ذلك ولا مرة احتراماً لمعادلات الشراكة، ونادراً ما حاول الإتيان بشخصية ضعيفة التمثيل لرئاسة الحكومة، وعندما كان يفعل ذلك كانت البلاد تدخل في أزمة، رغم أنّ اختيار رئيس الحكومة كان من صلاحياته».
وتشير الى أنّ «لقاء بعبدا انتصار لمنطق الشراكة»، وعن تمسك حركة أمل بوزارة المال بعد لقاء بعبدا وتأكيد عون التزامه اتفاق الطائف، أجابت: «الطائف يفرض إيلاء وزارة المال للشيعة عرفاً وليس نصاً ما يعني أنّ بري وحزب الله سيتمسّكان بالتوقيع الثالث في الدولة، وإلا كيف سنشارك في السلطة التنفيذية؟ تسأل المصادر.