رئيس الجمهورية: موقفنا موحّد وصارم إزاء التهديدات «الإسرائيلية»
توافق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونظيره العراقي محمد فؤاد معصوم على ضرورة «بذل جهود عربية ودولية مشتركة لمكافحة الإرهاب بطريقة فعالة ونهائية، ترتكز ليس فقط على القضاء على الإرهابيين بل أيضاً على مكافحة الأسباب والعوامل المسهلة لنشوء الفكر الإرهابي وتنظيماته».
وإذ أشار الرئيس عون إلى أن «الازمات التي مر بها العراق قد حالت دون تعزيز تعاوننا ودفعه قدماً»، أكد أن «مرحلة التعافي التي يعيشها هذا البلد الشقيق ستعيد العلاقات اللبنانية – العراقية إلى أفضل مستوياتها»، مشدداً على أن «لبنان يقف بقوة مع وحدة العراق، وضد كل المشاريع والنزعات التي تهدف إلى تهديد وحدة كيانه».
وشدّد على أن «لبنان يتطلع إلى دور العراق المحوري والأساسي في المنطقة»، مشيراً الى ان «إرساء السلام فيه على أسس الديموقراطية الحديثة ستمكنه من التقدم والتطور في المجالات كافة». وأعرب عن «امتنان لبنان للمساعدات التي قدّمها العراق له»، مشيراً إلى وجود «الكثير من الروابط والمزايا التي تجمع بين شعبي البلدين».
كلام الرئيس عون جاء خلال لقاء القمة اللبنانية – العراقية الذي عُقد في «قصر السلام» في بغداد، والتي كان وصل إليها رئيس الجمهورية تلبية لدعوة رسمية من نظيره العراقي. وجدد الرئيس عون تأكيد «أهمية توحيد الموقف العربي، ونحن على أبواب انعقاد القمة العربية المرتقبة في السعودية، وعلى ضرورة الدفع باتجاه المصارحة الجدية بين الدول الشقيقة تمهيداً لتحقيق المصالحة الحقيقية بينها».
ولفت رئيس الجمهورية إلى «ارتفاع حدة التهديدات «الإسرائيلية» ضد لبنان بوتيرة متسارعة في الفترة الأخيرة»، مؤكداً «موقف لبنان الموحّد والصارم إزاء هذه التهديدات والاستفزازات المرافقة لها، والقاضي بمواجهتها بكافة السبل المحقة والمتاحة له، دفاعاً عن حقوق لبنان المشروعة بأرضه ومياهه، والتي تضمنها له المواثيق والقوانين الدولية».
واكد رئيس الجمهورية «دعم لبنان للعراق في هذه المرحلة الدقيقة وسط التحديات التي تواجه الامة «، آملاً أن يكون «للبنانيين في العراق، وخصوصاً رجال الأعمال والمستثمرين، دور في عملية إعادة إعماره التي انطلقت بزخم في الآونة الأخيرة».
وتطرّق الرئيس عون إلى أهمية تجربة التعايش المسيحي – الإسلامي في لبنان، والتي دفعته للدعوة إلى «جعل لبنان مركزاً لحوار الحضارات والثقافات والأعراق».
وفي مستهل الاجتماع الموسّع جدد الرئيس العراقي الترحيب بالرئيس عون والوفد اللبناني المرافق، خصوصاً أن الرئيس عون هو اول رئيس لبناني يقوم بزيارة رسمية الى العراق، وأعرب عن «حرص العراق على المحافظة على استقرار لبنان وازدهاره وسلامة اراضيه»، مؤكداً أن «لبنان نموذج ليس فقط في التعددية والعيش المشترك، بل ايضاً كونه البلد الاول في العالم الذي نجح جيشه في دحر المنظمات الإرهابية عن أراضيه وتطهيرها من الإجرام التكفيري»، منوّهاً بـ «عمل الأجهزة الأمنية اللبنانية في مكافحة الإرهاب لا سيما عبر العمليات الاستباقية التي تقوم بها»، مشيراً إلى «المواجهة التي خاضتها بلاده ضد التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم داعش».
وأبدى الرئيس معصوم استعداد بلاده لـ «تعزيز التعاون وتطويره في المجالات كافة»، مؤكداً حرصه على «رفع مستوى التنسيق بين البلدين، لا سيما في المجالين الأمني والاقتصادي»، مشدداً على ضرورة «توسيع أطر التبادل التجاري بين لبنان والعراق وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لتسهيل عملية الدخول والخروج للطرفين الى العراق ولبنان»، مؤكداً كذلك «الرغبة في أن يكون للشركات اللبنانية إسهامها الفاعل في البناء والاستثمار».
وشكر الرئيس معصوم للرئيس عون «وقوف لبنان الدائم الى جانب العراق في مختلف المراحل والظروف»، لافتاً إلى «ما يجمع لبنان بالعراق من روابط ثقافية وحضارية وأخوية».
وكان الرئيس عون وجه خلال المحادثات دعوة للرئيس معصوم لزيارة لبنان، وعد بتلبيتها في أقرب وقت. وقرّر الجانبان تشكيل لجان مشتركة عراقية – لبنانية لمتابعة النقاط والمواضيع العالقة في مختلف المجالات.
وجرى خلال المحادثات التطرق الى التطورات في المنطقة، لا سيما الأزمة السورية وتداعياتها على دول الجوار، وكذلك إلى أوضاع العراقيين الموجودين في لبنان وكيفية تأمين عودتهم الى العراق.
وكانت مداخلات من قبل الوفدين المشاركين في الاجتماع الموسع، تناولت عدداً من المواضيع في المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية، فأكد الرئيس معصوم في هذا الإطار «تقديم كل التسهيلات اللازمة للشركات اللبنانية الراغبة في المساهمة في عملية إعمار العراق وإزالة كل العراقيل من أمامها، واستعداد العراق لفتح أسواقه للصناعات اللبنانية ذات الجودة العالية».
وشكر الرئيس معصوم في ختام المحادثات، لبنان على «مساهمته في وضع إجراءات لضبط عمليات تهريب الآثار من العراق إلى لبنان وبالعكس». وقرّر الجانبان تشكيل لجان مشتركة عراقية – لبنانية لمتابعة النقاط والمواضيع العالقة في مختلف المجالات.
وفي ختام لقاء القمة والمحادثات الموسعة، عقد الرئيسان عون ومعصوم مؤتمراً صحافياً مشتركاً، استهله الرئيس معصوم بكلمة قال فيها: «فخامة الرئيس ميشال عون هو شخصية لبنانية مرموقة قبل أن يكون رئيساً للجمهورية. إن ما بين العراق ولبنان علاقات تاريخية تعود الى آلاف السنين، وربما ملحمة كلكامش قد تكون سجلاً لهذه العلاقات».
أضاف: «بعد تغيير النظام في العراق بدأنا نبحث عن نموذج مؤسس على أساس احترام المكوّنات، على ان يكون هناك توازن، فكان النموذج اللبناني. فربما هناك من يريد من اللبنانيين إعادة النظر بهذا النموذج، وهو أمر كأي عمل انساني آخر قابل لإعادة النظر فيه. ونحن كذلك لدينا في العراق الكثير من الأمور التي لا بد من مراجعتها. فمن هنا، إن العلاقات بين البلدين، إضافة الى انها تاريخية، هي ثقافية وسياسية وفكرية، وتربط لبنان والعراق مصالح مشتركة».
وتابع: «لقد تطرقنا في لقائنا الثنائي ومن ثم الموسّع الى النقاط العملية التي تطور هذه العلاقات بشكل عملي وميداني، وتم البحث ايضاً في موضوع تسهيلات الدخول للطرفين، أي دخول العراقيين إلى لبنان واللبنانيين إلى العراق، إضافة إلى تطوير الخطوط الجوية ومسائل ذات اهتمام مشترك».
ورد الرئيس عون بكلمة قال فيها: «العراق يختزن حضارة عريقة تعود لآلاف السنين، والذي يتطلع اليوم الى التعافي من جروح كثيرة أنهكته في العقود الماضية». أضاف: «أغتنم هذه المناسبة لأوجه تحية إلى الشعب العراقي على صموده وصبره وقوة عزيمته في مواجهة المحن، والظروف الأليمة التي عانى منها، وعلى رأسها الإرهاب». وقال «كان هناك تطابق في الرأي بيني وبين الرئيس معصوم حول ضرورة بذل جهود عربية ودولية مشتركة لمكافحة الإرهاب بطريقة فعالة ونهائية، ترتكز ليس فقط على القضاء على الإرهابيين بل ايضاً على مكافحة الأسباب والعوامل المسهلة لنشوء الفكر الإرهابي وتنظيماته».
وبعد المؤتمر الصحافي المشترك، أقام الرئيس العراقي مأدبة غداء على شرف الرئيس عون والوفد المرافق حضرها نواب رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب العراقي، ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية وعدد من السفراء، وكبار المسؤولين والمستشارين العراقيين، وتمّ خلالها استكمال المباحثات.
وفي خطوة تعكس تقدير الرئيس العراقي للرئيس عون، فاجأ الرئيس معصوم رئيس الجمهورية بتقديم قالب حلوى خلال الغداء يمثل العلمين اللبناني والعراقي، وطلب منه قطعه احتفالاً بعيد ميلاده الذي صادف يوم الثامن عشر من شباط، وتمنّى للرئيس عون العمر المديد.
وكانت شوارع وطرقات بغداد لا سيما مدخل المنطقة الخضراء، ازدانت بالأعلام اللبنانية وبصور ضخمة للرئيس عون وبلافتات مرحّبة برئيس جمهورية لبنان في العراق.
وزار الرئيس عون كنيسة سيدة النجاة في بغداد، التي تعرّضت لتفجير إرهابي من قبل انتحاريين في 30 تشرين الاول من العام 2010، ما أدى الى استشهاد 47 شخصاً بينهم اثنان من الكهنة.
وعند وصول الرئيس عون الى مقر المطرانية، كان في استقباله رئيس اساقفة بغداد للسريان الكاثوليك المطران افرام يوسف عبا، الذي شكر رئيس الجمهورية والشعب اللبناني على «احتضانهم ورعايتهم للمهجّرين العراقيين»، لافتاً الى انه «بتضافر جهود المسؤولين في العراق مع أبنائه المخلصين، سينتفض هذا البلد من رميم المحنة ويعود الى سابق عهده، وطناً مزدهراً وأبياً وشامخاً».
ثم انتقل بعدها الرئيس عون والمطران عبا والوفد المرافق إلى متحف الكنيسة، حيث كانت جولة في أرجائه اطلع خلالها رئيس الجمهورية على ابرز مخلفات التفجير وآثاره.
وإذ شجب الرئيس عون العمليات الإرهابية التي تطال المدنيين الأبرياء، فإنه قال بتأثر: «إن استهداف المؤمنين وهم يصلون من افظع الجرائم التي يمكن أن نشهدها».
والتقى الرئيس عون مساء رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وقال «أجرينا محادثات ودية ومثمرة، ستؤسس بلا شك لدفع العلاقات الثنائية بين بلدينا صوب مستويات جديدة، وتطوير تعاوننا في مختلف المجالات، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والإنمائي، وعرضنا مع بشكل عملي إمكانات هذا التعاون، لا سيما أن بلدينا مرا بظروف مشابهة، وعاشا تحديات أمنية واقتصادية وسياسية أثرت على مسيرة الإنماء والنهوض والازدهار لشعبينا. أما اليوم، وقد بدأ العراق يسير على طريق التعافي، ولبنان نجح على مسارات مختلفة في ترسيخ أسس الدولة، وتعزيز التفاف شعبه حول مؤسساته الدستورية، فتبدو الآفاق واعدة بين لبنان والعراق لوضع خطط تعاون واتفاقيات تخدم مصالح البلدين».
وجدد الرئيس عون وقوف لبنان الى جانب وحدة الدولة العراقية، أرضاً وشعباً ومؤسسات، ورفض كل ما يمكن أن يمسّ بهذه الوحدة، وتعريض وجود العراق ومستقبل شعبه للخطر.
وشدد على أهمية تبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وضرورة بذل جهود دولية موحدة في هذه المواجهة، التي يجب أن يتضافر لها عمل دولي مشترك ضمن مقاربة تنهي تهديدات الإرهاب، وتعالج أسباب هذه الظاهرة البغيضة.
ولفت إلى أن اللقاء تطرق إلى «الوهن الذي أصاب العالم العربي برمته، نتيجة الحروب المشتعلة على أراضيه، والانقسامات والخلافات بين عدد من الأشقاء، مما أفقد دولنا قدرتها على التأثير على مجريات الأحداث الإقليمية والدولية. وتم التشديد على وجوب إعادة اللحمة الى الصف العربي وإجراء مصالحات حقيقية، مع الحفاظ على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول».