رسائل ظريف هل تعني شيئاً؟
روزانا رمّال
هي ليست المرة الأولى التي يتقصد فيها وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف «المفاوض اللبق» الذي نجح في انتزاع ورقة التفاهم بين بلاده والغرب إرسال رسائل واضحة للسعودية لا تحتاج للتفسير عن رغبة إيران واستعدادها للعلاقة مع المملكة العربية السعودية، وبفتح حوار مباشر معها وغير مباشر أيضاً. ففي مؤتمر دافوس العام الماضي تحدث ظريف في معرض وصفه للتقدم الحاصل على مستوى الملف اللبناني وتسمية الرئيس سعد الحريري من قبل الأفرقاء المؤيدين لإيران رئيساً للجمهورية واصفاً التطور الإيجابي بما يشبه الحوار بين السعودية وإيران. وهو كان يتقصّد الاشارة الى إمكانية اعتبار ذلك بشكل او بآخر حواراً غير مباشر يُجريه كل من حزب الله لجهة حلفه مع إيران وتيار المستقبل لجهة حلفه مع السعودية، فيؤسس ذلك لأرضية تلاقي بين البلدان حول النزاعات الكبرى أخصها اليمن وهي أكثر ما يعني السعودية بالوقت الراهن.
المثال اللبناني لا يزال حياً والرغبة الإيرانية بالتواصل مع السعوديين لا تزال كبيرة أيضاً وكلام ظريف المباشر يشي بالكثير مما يمكن اعتباره أكثر من رسالة سياسية. وهي تصل لحد المبادرة نحو السعوديين إذ أعرب رأس الدبلوماسية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال مؤتمر صحافي في باكستان وما تمثلة من مرجعية اسلامية سنية صديقة للمملكة عن تفاؤله بشأن «إمكانية مشاركة إيران والسعودية في إعادة إعمار العراق وسورية، شرط أن يقوم البلدان بحسم مشاكلهما العالقة على طاولة المفاوضات ليستكمل حديثه أمام الصحافة بالتركيز على ملف الخلاف السعودي الإيراني قائلاً «لا يوجد سبب للعداء بين الرياض وطهران. السعوديون يريدون إقناع العالم أنّهم يتعرّضون للتهديد من قبل إيران، ويعتقدون أنّ هذا الأمر يصبّ في صالحهم». مضيفاً وهو الأهم انه «في حال تعرضت السعودية إلى أي عدوان خارجي ستكون إيران أول دولة تقدم المساعدة لها».
يقول ظريف برسالته هذه إن السعودية وإيران واحد وما يصيب الرياض يصيب طهران. وهي كدولة اسلامية مرجع موضع حرص من قبل الإيرانيين. وهذا كله يصب في ما يعتبر السعي لربط ما فككته النزاعات السياسية حفاظاً على ما تبقى من روابط مشتركة إسلامية يلتقي عليها الطرفان. وفي هذا جزء من إغلاق الباب امام الفتنة الطائفية التي وقت في أكثر من مكان لولا إرادة من كان يقدر القتال وانكفأ في معركة الطائفية بين المسلمين.
هذه الرسائل هي رغبة إيرانية صار الوقت لكي تقرأها السعودية جيداً. وبهذا الإطار يمكن التساؤل حول لعب دور وسيط يمكن أن تقوم به باكستان. وهو الأمر الذي اكدت عليه مصادر دبلوماسية باكستانية لـ «البناء» لدى سؤالها عن امكانية لعب دور وسيط. وهو موضع ترحيب دائم لدى المسؤولين الباكستانيين أما في ما يخص الميداني فإن تطورات هامة تحوم في افق الحدث اليمني فقد كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية لوكالة «رويترز« إن «السعودية تجري مفاوضات سرية مع جماعة الحوثيين او «انصار الله» المدعومة من إيران لإنهاء الحرب في اليمن المستمرة منذ نحو 3 سنوات»، مشيرةً إلى أن «هناك اتصالاً مباشراً بين الناطق باسم جماعة «أنصار الله« محمد عبد السلام ومسؤولين سعوديين في سلطنة عمان، لـ«إيجاد حل شامل للنزاع» وفي شهر آذار يدخل النزاع في سنته الرابعة.
تحتاج المملكة العربية السعودية لفض هذا النزاع ولا شيء يؤكد ان تطلعات الامير محمد بن سلمان ستكون موضع أمان وثقة دون استقرار أمني قادر على المساهمة بتعبيد الطريق امامه لتسلّم الحكم وتطبيق خطته الاقتصادية التنموية لبلاد واذا كانت المفاوضات السرية بدأت في اليمن، فإن هناك ما يعني ان الضغوط في الجبهة السورية ادخلت الجميع في مرحلة حرجة وتبدو الغوطة الشرقية نقطة شديدة الحساسية لدى الدول الكبرى. وكلما انتهى النفوذ السعودي فيها لجهة دعم جماعات علوش وغيرها انتهت معها سبل التمسك بإطالة عمر الأزمات بخسارة اوراق اساسية كورقة الغوطة. وبهذا الإطار تصبح الجبهات متعلقة ببعضها بعضاً بشكل دراماتيكي يصل صداه لمعارك اليمن التي صارت أكثر إيلاماً بدل أن تضعف قوة الحوثي. وهذا ما من شأنه التوقف عنده فبعد ان اكدت سورية انها قادرة على خوض حرب لمدة 8 سنوات بحلفائها، يبدو ان اليمن يقدر على الصمود بنصف هذه المهلة ويزيد وصارت إمكانية الحديث عن رضوخ حوثي مستحيلة.
لا يمكن فك النزاعات او فضها وفك ارتباطها. وبعد سلسلة إخفاقات في سورية والعراق ولبنان صار التوجه نحو الحفاظ على النفوذ السعودي في المنطقة اكثر ما يقلق. في الوقت الذي تستمر فيه روسيا بالتقدم وتستمر معه برفع قيمة الحضور الإيراني فيه. وهو بلا شك يلعب لصالح طهران وعكسه بما يتعلق بالرياض التي اذا تأخرت عن الجلوس على طاولة مفاوضات واضحة ستكون أكثر الخاسرين من التطورات المتسارعة التي ستأخذ سورية قريباً نحو مشهد مختلف تسوى فيه الحسابات الاسرائيلية الحدودية وتصبح حرب اليمن عبثية بدون اعلان انجازات سعودية تذكر. وعلى هذا الاساس صار الإسراع بإيجاد حل لوقف الحرب مصلحة سعودية كبيرة، ورسائل ظريف تحمل الكثير من الليونة الإيرانية المطلوبة.