لقاء ترامب ـ كيم… الدلالات والعبر
أسامة العرب
لقد بات اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الكوري الشمالي كيم جون أون، قريباً جداً. ففي نهاية شهر أيار المقبل سيُعقد حوار مفتوح بين الرئيسين، بقصد إنهاء الخلافات الدائرة بين بلديهما، لا سيما أنّ الرئيس الأميركي عندما كان مرشحاً للرئاسة، سبق أن أعرب عن نياته بالحوار من كيم، لكن سرعان ما تغيّر الأمر عندما تسلّم مهام الرئاسة. حيث انقلبت الأمور رأساً على عقب، ووجّه الطرفان لبعضهما البعض اتهامات وشتائم وتهديدات متبادلة، حتى بتنا أمام مشهد جديد ينبئ بإمكانية تطوّر الأمور سلباً بين دولتيهما. وبالتالي، فما هي المتغيّرات الدولية التي دفعت الرئيس الأميركي لقبول لقاء نظيره الكوري الشمالي؟ ولماذا رفض جميع الرؤساء الأميركيين السابقين الإقدام على هذه الخطوة؟ ولماذا هذا التغيّر المفاجئ في المواقف؟ فواشنطن لا تزال حتى الآن لا تعترف رسمياً بوجود جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ولا توجد معاهدة سلام بين الكوريتين، وإنما اتفاقية هدنة تعود للعام 1953 بُعيد انتهاء الحرب بينهما. كما أنّ واشنطن تتهم بيونغ يانغ بخرق العديد من المعاهدات والاتفاقيات والوعود والتفاهمات الدولية. وبالتالي، فإنّ القمة المزمع عقدها بين الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي، تشكل اعترافاً واضحاً بشرعية الدولة الكورية الشمالية، وتمهّد أيضاً إلى فتح قنوات اتصال دائمة مع النظام الكوري الشمالي، أسوةً بما حصل في الفترة اللاحقة على زيارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون التاريخية إلى الصين للقاء الرئيس الصيني ماوتسي تونغ عام 1972، ولو أنّ العلاقات الصينية الأميركية لم تتعزّز فعلاً إلا بعد وصول الرئيس الصيني دينغ شياو بينغ إلى السلطة في عام 1977، الذي انقلب على سياسة سلفه وطبّع العلاقات مع أميركا وأنشأ علاقات ديبلوماسية بين الدولتين في العام 1978.
من جهتها ترى صحيفة «ذي انديبندنت» أنّ القمة الأميركية الكورية، لن تسفر عن شيء، فلا وئام ولا صداقة قد تتمخض عن لقاء الرئيسين، ولا حتى سلام دائم بينهما. أما صحيفة «ذي غارديان» فترى أنّ مجرد عقد القمة معناه الاعتراف بالمساواة في المكانة مع كوريا الشمالية، وأنّ هذا ما تطمح إليه بيونغ يانغ. فصحيح أنّ الرئيس الأميركي ترامب قد صرّح بأنه قبل عرض الرئيس الكوري لمناقشة المشاكل العالقة بين البلدين، وبأنه يواصل اتباع سياسة الضغط القصوى ولن يقدّم أيّ تنازلات، ما لم يرَ إجرءات ملموسة ومؤكدة من قبل كوريا الشمالية، وبأنّ عمله هذا ناجم من موقع قوة. وصحيح أنّ ساندرا ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض صرّحت أنّ بيونغ يانغ وعدت بنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية وبوقف التجارب النووية والصاروخية، ملمّحةً إلى أنّ المناورات العسكرية الأميركية سوف لن تتوقف. غير أنّ وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون قد أكّدت من خلال صحيفة «الغمين داغبلاد» الهولندية أنّ الأمور على جانب من الخطورة، وبأنّ إدارة ترامب الحالية لا تدرك عواقب إجراء مباحثات سلبية مع بيونغ يانغ حول نزع أسلحتها النووية، حيث يُستخلص من حديثها أنّ الخطأ الذي يرتكبه البيت الأبيض أنه يعوّل كثيراً على وقوف المجتمع الدولي إلى جانبه في مجال اتخاذ خطوات ملموسة للضغط على بيونغ يانغ في اتجاه نزع كامل أسلحتها النووية، في حين أنّ هذا الأمر غير منطقي، إذ إنّ لبيونغ يانغ علاقات مميّزة مع دول عظمى أخرى. كما يجمع المحللون كافة بأنّ الصفقة الأميركية مع كوريا الشمالية والتي أعلن عنها الرئيس الأميركي، لا ترمي بحقيقتها إلى نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، بقدر ما ترمي إلى تجميد النشاطات النووية وتجارب الصواريخ الباليستية للحؤول دون تطوّر الأمور سلباً معها، كما أنها تترافق مع ضغوط صينية تمارس على بيونغ يانغ لعقلنتها ودفعها لتسوية وضعها مع الولايات المتحدة. حيث يرى المحلل السياسي في «ذي غارديان» جاسبر بيكر أنّ أميركا قد أجرت مباحثات غير مباشرة مع النظام الكوري الشمالي لإيجاد صيغة للتعايش معه، وبأنّ الكوريين الشماليين تواقون لتسوية وضعهم مع المجتمع الدولي، وهذا هو الأساس الذي بُنيت عليه دعوة الرئيس الكوري للقاء الرئيس الأميركي. وبالتالي، فهل إدارة ترامب قادرة على تلقف الفرص النادرة واجتراح الحلول الناجعة لحلّ أزمتها مع كوريا الشمالية، وهل تمتلك الدبلوماسية الماهرة التي تجيد لغة الكوريين الشماليين وتعرف طبيعتهم وكيفية فتح حوار بنّاء معهم هذه هي الأسئلة المطروحة حالياً على الساحة الدولية، لا سيما أنّ على أجوبتها يتوقف مصير ملايين من البشر في الكوريتين وما حولهما، الذين قد يكونون ضحايا حرب نووية بشعة فيما لو تشبّث كلّ فريق برأيه، وتمّت العودة من جديد إلى لغة الشتائم والتهديدات والإهانات المتبادلة.
ولكن في الأحوال كافة، يمكن القول إنّ اندفاعة الرئيس الأميركي لقبول دعوة نظيره الكوري الشمالي لها أبعاد جيواستراتيجية هامة جداً، فهي تؤكد صحة مقولة انتهاء عصر القطب الواحد، وتبرز مدى فعالية السياسة الناعمة الروسية – الصينية على الساحة الدولية، خصوصاً أنّ إيران والهند والبرازيل ودول أميركا اللاتينية تقف بدورها خلف روسيا والصين كأقطاب سياسية كبرى، متفلتة من الهيمنة الأميركية. كما أنّ عوارض العالم المتعدّد الأقطاب، يمكن أن تُستشفّ من بروز منظمة شنغهاي، إلى المحاولة الروسية بإحياء زمن الاتحاد السوفياتي من خلال ضمّ شبه جزيرة القرم، وإلى اشتراك روسيا والصين بحلحلة أزمات الشرق الأوسط والقضاء على الإرهاب، فإلى مشروع أوبك موازية للدول المنتجة للغاز، وإلى مشروع ربط آسيا بأفريقيا وأوروبا من خلال طريق الحرير، فإلى الفشل الأميركي مؤخراً بتعديل الاتفاق النووي الإيراني المبرم مع الدول الخمسة زائداً واحداً.
وأخيراً، فإنّ تعدّدية الأقطاب في النظام العالمي الجديد قد برهنت بأنها أفضل للإنسانية جمعاء، خصوصاً في مجال تحقيق الاستقرار والسلام العالميين والتنمية الشاملة، وحتى على صعيد الحفاظ على القرار السيادي والمستقلّ للدول الصاعدة أو الناشئة. كما أنّ صعود روسيا والصين اليوم، كقوتين عظميين، تبحثان عن توسيع نطاق مجالاتهما الحيوية وحقول نفوذهما، قد ساهم بتحقيق المساواة المنشودة في المكانة بين الدول المختلفة الأحجام، وبتعزيز عدالة الهيئات والمحافل الدولية. وما يهمّنا في هذا الصدد، هو أنّ الدول الأضعف بات بإمكانها أن تكون شريكاً في النظام العالمي الجديد، وليس مجرد تابع يخضع لهيمنة الدولة العظمى.